خسارة الوسط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سوسن الشاعر
سيكون يوماً حزيناً في تاريخ الإعلام البحريني لو أغلقت أي صحيفة في البحرين، والمحزن أكثر إذا كانت هذه الصحيفة تمثل فئات معينة في مجتمع تعددي؛ فالخسارة أكبر. لا يعتقد أحد أن الخسارة بإغلاق صحيفة الوسط فيما لو وقعت ستكون على القائمين على الصحيفة فقط؛ بل هي خسارة على المستوى العام والمستوى السياسي بالأخص، حتى لو اختلفنا للعظم مع تلك القوى أو صحيفتهم. فالوسط كانت كفة في الميزان الاجتماعي البحريني لا يستقيم الميزان إلا بها، تعبر عن مجموعات وكيانات لها وجود وحضور سياسي قوي، وذلك كان مهماً -ومازال مهماً- أن تجد لها منفذاً تعبيرياً لتوازن بين الآراء توازناً تحتاجه كل المجتمعات وبالأخص المجتمع البحريني. فكما إن كل قوة تحتاج أن تتوازن بقوة أخرى كي تستقيم الأمور ويتحقق العدل؛ فإن كل رأي يحتاج كي يتوازن إلى رأي معاكس ومضاد له في الاتجاه حتى تكتمل الصورة. إنما ما قامت به الوسط مسألة خارج نطاق الرأي والرأي الآخر، إنها مسألة تتعلق بمصداقية المعلومات، إنها عبثت في مصداقية التمييز بين الحقائق والكذب، إنها أجازت كل الوسائل لتحقيق غايتها حتى غير المشروعة منها وتلك جريمة مهنية لا تغتفر. فالمعلومة مؤثرة في تحديد اتجاهات الناس وردود فعلهم، ومعلومات كالتي (لفقتها) الوسط كانت بالتأكيد ذات أثر على مجريات الأمور من خلال تأجيجها للمشاعر وإثارتها للنفوس مما يدفع الشباب لمزيد من أعمال العنف ضد السلطة، خاصة وأنت تكرر لهم عبارات (العنف ضد الأطفال والنساء والعوائل والبيوت الآمنة و.. و.. و..) اسمح لي أنت لم تعد مصدراً للمعلومة؛ بل أصبحت مصدراً للعنف، وأجزت من أجل أهدافك كل الوسائل حتى غير المشروعة منها. ولا يمكن حين يتعلق الأمر بالصحافة أن تجيز لنفسك مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) ونحن هنا لا ننزه أي صحيفة من الأخطاء أو من حجب المعلومات أو من أية وسيلة قد تكون (مجازة) إلى حد ما في الأعراف الصحافية؛ لكن التلفيق والتحريف وتغيير أو اختلاق الأحداث فذلك فتق لا يمكن ترقيعه. ولو اتخذت السلطة إجراءات ضد الصحيفة بسبب آراء معارضة لدافعنا عنها وعن حقها في الوجود، أياً كانت درجة اختلافنا معها، لكننا أمام جرائم لا مخالفات، فالمعلومة الخاطئة في زمن الاستقرار واستتباب الأمن لا يعدو أثرها نطاق من مستهم المعلومة، وتعد مخالفة تستوجب التصحيح؛ إنما المعلومة الكاذبة في زمن الأزمات الأمنية وزمن الاضطرابات التي أوشكت أن تتحول إلى حرب أهلية هي جريمة بكل ما تعني الكلمة بل هي خيانة عظمى. فإن كان لنا كلمة فإننا نؤكد أننا لا نريد أن نخسر صحيفة تعارض أفكارنا، نريد أن نكسب صحيفة تزيدنا فهماً وتعد مصدراً موثوقاً للمعرفة، نحن مجتمع تعددي ولكل منا رأيه ومصالحه ورغبته ولابد أن تجد كلمة الجميع مكاناً بيننا، وقد كانت الوسط إحدى تلك الوسائل رغم اختلافي مع طرحها ورغم ما أصابني منها في كثير من المواقف إساءات من أشخاص بعضهم اعتذر وبعضهم لم يعتذر، لكن في نهاية المطاف نحن نحتاج لمن يتحدى أقوالنا ويشكك في أفكارنا، نحتاج لمن يفند آراءنا فتلك ظواهر صحية لا تخيفنا. لذلك أتمنى أن تظل الوسط صحيفة (المعارضة) التي تختلف معنا، أتمنى أن تبقى على تميزها واختلافها، فلها قراءها ولها خطها دون أن تكون لها حاجة لخرق شرف المهنة وأخلاقها