ثورة 25 يناير تقلص المسلسلات المصرية في رمضان 75 %
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
علي فقندش،هناء البنهاوي ـ القاهرة -خالد خوندنة ـ جدة
بعد أن تضع الحروب في منطقة ما أوزارها .. أي منطقة وأي حرب وأي ثورة، يعقب هذا الحال مراحل ورياح تغيير عديدة مختلفة الألوان، اختلاف قد يكون نوعيا وقد يكون اجتماعيا وسياسيا، أو أنه من الممكن أن يكون تغييرا في الجانبين الأهم في دورة الحياة العامة الاقتصادي أو الثقافي مثل ما عشناه في الشرق الأوسط من حروب متتابعة كان أبرزها حرب أكتوبر 1973 التي تغير بعدها الوجه الاقتصادي للمنطقة بشكل عام وغير ذلك من الاهتمامات. كانت هذه العوامل والحروب أيضا قد غيرت وجه المنطقة بعد حربي الخليج الأولى والثانية .. "العراق ـــ إيران" و"العراق ـــ العالم ودول المنطقة" بعد احتلال العراق للكويت على مدى سبعة أشهر.
سؤالنا الذي نعمل عليه اليوم ما الذي ستشهده مصر بعد ثورة 25 يناير وبعد هدأة الحال العامة والتشكيل الوزاري الأخير الذي أرضى مختلف الأطراف ثقافيا بحكم موقعها المؤثر والكبير ثقافيا وفنيا؟ ما الذي سيتغير في مصر الثقافة ومصر الفن في مقبل الأيام؟ وهل بالفعل تشير المستجدات من الأمور إلى عودة الدور الريادي لمصر في الفن والثقافة وما إلى ذلك، وأن طحالب ما لا يشبه الفن التي سيطرت على مصر طوال سنوات نافت عن العقود الثلاثة، كذلك محاولة الإجابة على الأعمال التي تعطل أو تأخر تصويرها أو حتى توقف تصويرها بشكل نهائي وسقطت من هيكل الأعمال التي أعد لتنفيذها لدورة رمضان المقبل في الفضائيات.
كان معنا في البداية تركي الشبانة مدير روتانا خليجية المشرف العام على قنوات روتانا المختلفة الذي قال: بطبيعة الحال أثر هذا كثيرا علينا ونحن نضع خطوات المواد المشاهدة رمضانيا منذ عام وأحيانا قبل أكثر من عام، وكان أمامنا والعديد من المنتجين العرب الكبار وفي مقدمتهم إسماعيل كتكت العديد من الأعمال التي بدأ في تصويرها منذ أشهر وتوقف العمل فيها نهائيا وبعضها تعطلت خطى تصويرها مثل مسلسل النجم يحيى الفخراني الذي توقف العمل فيه تماما إلى الدرجة التي سيكون فيها يحيى الفخراني بعيدا عن سباق رمضان التلفزيوني المقبل.
كما التقينا بالمنتج والممثل حسن عسيري الذي أنتج وأشرف على إنتاج الكثير من الأعمال الرمضانية الأبرز مثل الملك فاروق على شاشة m b c الذي التقيناه فور وصوله إلى كان لحضور مهرجان عالمي للإنتاج التلفزيوني وآخر ما توصلت إليه فورمات البرامج والإنتاج التلفزيوني وأحدث طرق التصوير والذي قال: توقفت الكثير من أعمالنا وأنشطتنا الفنية، فمثلا لي مع شريكي في القاهرة عادل مغربي ستوديو تصوير تلفزيوني وكنا متعاقدين مع المنتج محمد شعبان ليصور أعماله لدينا، وهي مسلسلان رمضانيان، الأول من بطولة خالد صالح، والثاني بطولة شريف منير، ثم أني كنت قد قررت تصوير حلقتين من برنامجي بعنوان "في الثمانيات" وتعطل بسبب توقف الحياة الفنية وأنشطتها.
ومعلوم أن ثورة 25 يناير ألقت بظلالها على المشهد الفني المصري بكل قطاعاته أسوة بما أحدثته من تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية، وإن كان المشهد الفني بقطاعاته السينمائية والمسرحية والتلفزيونية والغنائية أكثر تأثرا لارتباطه بعجلة الإنتاج والتعاقدات السابقة وأزمة الإعلان التي باتت في مصر تواجه مأزقا خطيرا بعد حبس مجموعة كبيرة من رجال الأعمال الممولين لحركة الإعلان.
فبموجب هذه المتغيرات السريعة فإن الدراما التلفزيونية المصرية باتت في مهب الريح ويبدو أنها لن تستطع اللحاق بركاب المنافسة الرمضانية المعتادة بعد التقلص الكبير والمتوقع في الإنتاج الدرامي بحسب تأكيدات صناع الدراما في مصر إلى 30 في المائة فقط من حجم الإنتاج.
فالمخطط الإنتاجي لدراما رمضان كانت ميزانيته محددة بنحو مليار ونصف المليار جنيه هي حجم ميزانية 30 مسلسلا تم البدء في تصويرها والاستعداد لعرضها في موسم دراما 2011، بينما كانت ميزانية المسلسل الواحد منها تتراوح بين 50 إلى 75 مليون جنيه، لكن بعد رسم هذا المخطط جاءت ثورة 25 يناير لتطيح بهذا الإنتاج المرتقب وتحوله إلى رماد، خاصة بعد حبس وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي وأسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأسبق أيضا الذي كان يستعد للتعاقد على جميع مسلسلات هذا العام.
ومع وضع الاتحاد التلفزيوني المصري تحت إشراف اللواء طارق مهدي، بات من المستحيل إنفاق جنيه واحد على عمل فني بدون علم الجهات الرقابية ورئيس الحكومة المؤقتة أيضا، وعلى ذلك فإن المسلسلات التي كان يجري التعاقد عليها ومنها مسلسل "فرقة ناجي عطا الله" لعادل إمام والذي بدأ تصويره فعلا بلا مستقبل واضح.
وكان قطاع الإنتاج في اتحاد الإذاعة والتلفزيون شارك بالفعل في إنتاج عدد من المسلسلات، هي "الصفعة" و "ذات" و "دوران شبرا" التي يتم إنتاجها بالاشتراك مع أفلام مصر العالمية وتلفزيون "bbc" ومسلسل "المحكمة"، فضلا عن تعاقد القطاع على إنتاج ستة مسلسلات بشكل منفرد، وهي مسلسلات "أهل الهوى" وهو مسلسل تاريخي عن حياة الراحل بيرم التونسي، "شجرة الدر"، "الميراث الملعون"، "الدم والعصافير"، "أزواج في ورطة"، ومسلسل "أسماء بنت أبي بكر" الذي بدأ تصويره فعلا، وبذلك فإن المصير المجهول هو الذي بات يواجه هذه المسلسلات الرمضانية.
الفوضى سيدة الموقف
ولأن الفوضى لا تزال هي سيدة الموقف حتى الآن في السوق الفنية المصرية، فإن علامات الاستفهام تدق الأبواب بقوة في ظل تصريحات هنا أو هناك، حيث يقول المنتج تامر مرسي إن تسويق مسلسلاته لم يتأثر بالظروف المحيطة، حيث إنه تعاقد على تسويق مسلسلاته الثلاثة "فرقة ناجي عطا الله" للتلفزيون المصري، و"مسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة" لقناة بانوراما دراما و"الصفعة"، موضحا أنه حصل على الدفعات الأولى من التلفزيون مقابل بيع مسلسل عادل إمام، فضلا عن أنه يتم التسويق حاليا لعدد من الفضائيات العربية. غير أن المنتج لم يوضح من أين سيأتي بالأموال اللازمة التي يستكمل بها تصوير هذه المسلسلات.
في المقابل، يرى عدد من النجوم أن الساحة الفنية أصابها الشلل الذي يبدو أيضا مؤقتا ومنهم الفنان ماجد المصري الذي أكد أن المنتجين توقفوا عن ضخ أموالهم في عملية الإنتاج الفني.
بينما توقع السيناريست أيمن سلامة أن يتم الاكتفاء بالمسلسلات التي تم البدء في تصويرها وسرعة تسويقها خارج مصر، خاصة بعد اعتذار تلفزيون قناة الحياة والتلفزيون الرسمي عن شراء أي مسلسلات لهذا العام. وأشار أيمن إلى أن المسلسلات التي تم تسويقها هذا العام لم تتجاوز خمسة مسلسلات، من بينها مسلسل "فرقة ناجي عطا الله" و"سمارة" و "الشحرورة" الذي يحكي سيرة المطربة الكبيرة صباح.
وتتفق هذه الرؤية مع تهديد نحو ستة مسلسلات بالتأجيل وخروجها من منافسات رمضان ومنها مسلسلات: بين الشوطين، بطولة نور الشريف ومعالي زايد للسيناريست عبدالرحيم كمال وإخراج عمر عبدالعزيز، مسلسل قضية معالي الوزيرة لإلهام شاهين والتي تدور أحداثه تحت قبة البرلمان، بالرغم من قيام مؤلفه محسن الجلاد بإجراء تعديلات على ا?حداث الجارية ومواكبة ثورة 25 يناير، وكذلك مسلسل "ابن أمه". وبالضرورة فإن القائمة السوداء التي وضع فيها بعض الفنانين الذين أيدوا الرئيس السابق حسني مبارك تلقي بظلالها على تسويق أي عمل فني يتم تسويقه في الفترة المقبلة.
لغة جديدة
ويبدو أن الفترة المقبلة ستشهد تحولا كبيرا في لغة الخطاب الفني من الابتذال والإثارة إلى لغة جادة تعبر عن العمق في التحول الاجتماعي والسياسي عبر إتاحة الفرص أمام شباب مؤلفين للتعبير عن المرحلة الجدية نحو سيناريوهات أكثر وعيا بالمرحلة كما يقول السيناريست مجدي صابر، موضحا رغم أن الفترة المقبلة ستشهد تراجعا كبيرا وتقلصا في التمويل والإنتاج، وهو ما سيؤدي إلى قلة الأعمال الفنية المقدمة في رمضان المقبل، غير أنه متفاءل بما ستوفره الثورة من مساحة أكبر للحرية والجرأة في معالجة قضايا الفساد والظلم وإعادة بناء الإنسان.
ويتفق الفنان محمود ياسين مع هذا الطرح، مؤكدا أن الفترة المقبلة ستشهد إصلاحات مهمة على المستوى الفني تعيد ترتيب الأوليات في الإنتاج والأجور وفي قيمة العمل الفني الذي يخاطب شباب الثورة، موضحا أن شباب الثورة لم يعد بحاجة إلى أفلام بورنو أو كليبات خليعة بقدر ما يحتاج إلى دعم جهوده في الإصلاح الاجتماعي والسياسي والثقافي.
من جانبه، يري الكوميدي أحمد عيد، وهو أحد الفنانين الذين لازموا الثورة في ميدان التحرير، أن قيم الثورة لا بد وأن ترتسم بها الحركة الفنية في مصر، أولى الخطوات الواجب اتخاذها هو تقليص أجور الفنانين، معتبرا ذلك واجبا وطنيا.
بينما يؤكد الفنان محمد صبحي أن الثورة لا بد أن تعمل على إعادة تقييم الفن المصري ليواكب توجهاتها في التغيير والإصلاح بدءا من إعادة تقييم أجور الفنانين مرورا بمحاربة كل ما يخدش الحياء ويهدر القيم الأخلاقية وصولا إلى إتاحة الفرصة لجيل جديد من المؤلفين الذين يعبرون عن الواقع المصري الجديد.
التأثير الاقتصادي على العمل الفني
وبهذا يتضح جليا أن ثورة 25 يناير لها من السلبيات بما سيكون لها من الإيجابيات مستقبلا على الإنتاج الدرامي المصري وقدرته على المنافسة الرمضانية المعتادة. وترتبط الانعكاسات السلبية على مستقبل الإنتاج الدرامي المصري لعدة عوامل، منها الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وما ترتب عليها من خفض التكاليف في شتى القطاعات الاقتصادية، بجانب إلغاء وزارة الإعلام المصرية والتي كانت تسهم بنصيب وافر من الإنتاج الدرامي عبر التلفزيون المصري الذي لم يتحدد مستقبله حتى الآن.
وبموجب هذه المتغيرات فإن الإنتاج الدرامي المصري، وفقا لتقديرات الخبراء، سيشهد تراجعا كميا في حجم الإنتاج من 60 مسلسلا إلى 15 مسلسلا فقط على أقصى تقدير، كما تشهد سوق الدراما المصرية عدة متغيرات أخرى في مقدمتها التراجع الكبير في أجور نجوم الفنانين البارزين، بجانب التغيرات المتوقعة في الموضوعات التي ستعالجها الدراما المصرية والتي ستتجه نحو التعبير عن قضايا الشارع المصري والعربي الأكثر حرية وجدية بحثا عن الكرامة والعدالة الاجتماعية وبعيدا عن مفاهيم الإثارة.
وقد خلفت هذه المتغيرات عدة ظواهر أخرى على الساحة الفنية، من بينها لجوء بعض الفنانين المصريين إلى الدراما السورية، ومنهم الفنانان حسن حسنى وطلعت زكريا، حيث يشاركان في المسلسل السوري "صايعين ضايعين" مع عدد من نجوم لبنان وسورية.
ومن بينها أيضا اضطرار معظم المنتجين لاختصار مسلسلات رمضان المقبل لتصبح في معظمها 15حلقة بدلا من 30 حلقة بسبب المشاكل المالية التي تعانيها سوق الإنتاج الدرامي. ويقول المنتج جمال العدل اتخذنا قرارا هذا العام بإنتاج مسلسلات درامية لا تزيد حلقاتها على 15 حلقة لتخفيض التكلفة وضيق الوقت المتبقي على الشهر الكريم حتى نلحق بالموسم الدرامي.
الفخراني في مقاعد المشاهدين
ومن الظواهر الملفتة في سوق الدراما المصرية هي غياب أبرز الأسماء التي احتلت الشاشة لسنوات عن المنافسة الرمضانية، وفي مقدمتهم النجم الكبير يحيى الفخراني بعد توقف تصوير مسلسله "بواقي صالح" والذي كان يستعد لتصويره قبل أيام من انطلاق ثورة "25 يناير" وكتبه ناصر عبدالرحمن وكان من إخراج شادي الفخراني، بعد تأجيله أيضا مسلسله "والي مصر" لأسباب إنتاجية وخلافات فنية. يقول المنتج محمد فوزي إن مسلسل "بواقي صالح" قد تم تأجيله بالفعل، مرجعا ذلك إلى حاجة المسلسل إلى إجراء بعض التعديلات التي ستأخذ وقتا. وأوضح أن التصوير سيشمل السفر إلى عدد من الدول العربية مثل سورية ولبنان وأبو ظبي وليبيا، وهو ما سيأخذ وقتا طويلا ونحن في وقت ضيق جدا، إلى جانب توتر الأوضاع في بعض البلاد. وبتأجيل المسلسل يكون هذا هو الغياب الأول للنجم يحيى الفخراني عن شاشة التلفزيون في رمضان منذ عام 1998.
وعبر الفنان يحيى الفخراني لـ"عكاظ" عن حزنه الكبير بسبب غيابه عن شاشة رمضان، مؤكدا أنه سيقف في مقعد المشاهد في رمضان المقبل بعد توقف تصوير مسلسله "بواقي صالح"، وتأجيل أيضا مسلسله "والي مصر". وأضاف أن الأوضاع الداخلية والأمنية التي تشهدها مصر تحول دون استكمال مشروعه الدرامي. وأشار الفخراني إلى أنه يكتفي هذا العام بالمشاهدة فقط وأنه حزين لعدم وجوده في رمضان المقبل على الشاشة الصغيرة.
والموقف نفسه يكاد ينسحب على النجمة الممثلة إلهام شاهين التي أعلنت غيابها عن المنافسة الرمضانية بعد توقف مسلسلها "قضية معالي الوزيرة" والذي كان مقررا أن تدخل به الماراثون الرمضاني.