هل تخشى أمريكا قيام إيران ثانية بليبيا ؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عدنان كامل صلاح
منذ ثلاثين عامًا تقريبًا اكتشف الأمريكيون أن حليفهم الرئيسي في المنطقة الإمبراطور الإيراني محمد رضا شاه، الذي أوكلوا إليه مهمة حماية الشاطئ الشرقي للخليج العربي من مخاطر تسلل الاتحاد السوفيتي مصاب بالسرطان..
ووجدوا أن نظامه بدأ يهتز تحت وطأة الحركات المناوئة له داخليًا وخارجيًا، واقتنعت قيادات أمريكية بأن عليها التخلص منه بشكل يُحقِّق حماية إيران من سيطرة الاتحاد السوفيتي والإبقاء على علاقتهم، سرًا أو علنًا، بالنظام الجديد الذي رغبوا أن يكون ديمقراطيًا يحتوي على كل مكونات المعارضة الإيرانية في ذلك الحين من ليبراليين ورجال دين وقوميين وغيرهم، وأبرز أولئك المعارضين كان الزعيم الديني الخوميني، الذي أقام حينها لنفسه خيمة في أحد أحياء باريس الراقية حيث لجأ والتف حوله العديد من شخصيات المعارضة المنتسبة لرجال الدين وغير المنتسبين إليهم، وجرت المفاوضات حينها بين أطراف أوروبية وأمريكية مع الخوميني حول مستقبل إيران وشكل الحكم القادم فيها.
حينها أقدم الأمريكيون على خطوتين هامتين تمهيدًا لقيام النظام الجديد، الأولى: إقناع حليفهم شاه إيران بأن عليه مغادرة طهران، وعدم الاستماع إلى مشورة المستشارين الإيرانيين الذين كانوا ينصحونه بغير ذلك.. والثانية: حرصوا على ألا يتعرض الجيش الإيراني للمتظاهرين، بل أرسلوا أحد كبار القادة الأمريكيين، كان حينها قائدًا لقوات حلف الناتو، إلى طهران حيث بقي فيها لضمان عدم إقدام الجيش الإيراني على التعرض للمتظاهرين حتى عاد الخوميني إلى طهران واستقبلته حشود شعبية ضخمة تجمعت من كل أنحاء إيران.
وما حدث بعد ذلك معروف؛ إذ أقدم رجال الدين الإيرانيين على الاستيلاء على الثورة والبلاد، وسجنوا وأعدموا رفاقهم غير المنتسبين إليهم وأقاموا محاكم صورية أدخلت البلاد في مذابح وأنهار من الدماء أدت بأول رئيس جمهورية منتخب للبلاد إلى الفرار لفرنسا بعد أن أحس باستفراد طائفة من الثوار على الثورة.. وقام حينها عدد من الطلبة بمهاجمة السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز العاملين فيها.
ما أعاد إلى ذاكرتي هذه الأحداث مقابلة صحافية نشرتها مجلة (النيوزويك) الأمريكية في عددها الصادر يوم 7 فبراير من هذا العام مع زبيجنيو برزيزنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق كارتر، والذي وقعت أحداث إيران المذكورة خلال توليه إدارة الأمن القومي الأمريكي.. ويتحدث في المقابلة عن الثورة المصرية والثورات العربية الأخرى وأشار فيها إلي أن "الشباب السياسي" العربي اليوم (مهووس دينيًا.. أنظر إلى أعمار الذين يقومون بأعمال انتحارية فهم صغار السن متحمسين للتغيير، ويتحول حماسهم إلى هوس وأعمال عنف).. وقال: إنهم يسعون للكرامة والديمقراطية (لأن الكرامة تشمل الحقوق الاجتماعية وحقوق الإنسان).
ومن الواضح أن تجربة أمريكا مع رجال الدين بإيران، في بداية قيام النظام الإيراني الحالي، دفعتها إلى التردد الذي نشاهده اليوم في دعمها للثوار ضد العقيد القذافي.. إذ لم تقدم حتى الآن أسلحة ثقيلة يطالب بها الثوار،
كما أن ضرباتها، وحلفائها، الجوية هي ضربات انتقائية.. وقال الأميرال جيمس ستافريدس، القائد الأعلى لقوات التحالف في أوروبا، في جلسة استماع بالكونجرس الأمريكي، الأسبوع الماضي، أنه لوحظ "تواجد للقاعدة وحزب الله" بين الثوار.. ويعتقد الأمريكيون أن للثوار صلات بمنظمة تسمى "الجماعة المقاتلة الإسلامية الليبية" كانت قياداتها تتجمع في السودان خلال تبني الخرطوم لجماعات القاعدة وشنت القوى الأمنية الليبية منذ حوالى خمسة عشر عامًا حملة اعتقالات في صفوف "الجماعة" بعد قيام أفرادها بعمليات قتالية ضد نظام القذافي، واكتشفت قوات الأمن الليبية حينها خلايا الجماعة في مناطق متفرقة من البلاد، بما فيها بنغازي وطرابلس ودرنا والزاوية.. وبالرغم من أن عدد من القيادات المعتقلة للجماعة أصدرت وثيقة تصحيحية لمسارها الجهادي في عام 2009، تحت عنوان: "الدراسات التصحيحية في فهم الجهاد والمحاسبة وحكم الشعب"، إلا أن هذا لم يشفع لها بأنها كجماعة أصبحت خارج خانة "الإرهاب" التي يصنفها بها الأمريكيون.
الأمريكيون والأوربيون طالبوا الثوار بقوائم لمن يتولون قيادتهم ويشنون معاركهم، ولم يتم لهم ذلك وأرسلت الاستخبارات الأمريكية عددًا من رجالها إلى مناطق الثوار وأعلنت عن ذلك وسبقتها بريطانيا وأخفقت في مهمتها عندما اعتقل فصيل من الثوار رجال الاستخبارات البريطانية ثم أطلق سراحهم.
رئيس "المجلس الوطني الانتقالي" مصطفي عبدالجليل، لا شبهة (إرهابية) عليه، إذ كان يتولى منصب وزير العدل في نظام القذافي حتى تمرده، إلا أن الثوار أعلنوا اختيارهم لمحمود جبريل كرئيس للحكومة التي ستتولى إدارة شؤون ليبيا (تخرج في أمريكا ومارس العمل الجامعي فيها)، وكان هو وجه الثوار في الاجتماع الدولي لليبيا بلندن، الذي عقد أواخر شهر مارس الماضي وحضره الأمين العام للأمم المتحدة ووزراء خارجية وممثلو حوالى ستة وثلاثين دولة.. والتقى رئيس حكومة الثوار بهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، ثم برئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، ووزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه قبل أن يطير إلى الدوحة لمتابعة محادثاته مع المسؤولين القطريين هناك.
هل أقنع الثوار الليبيون الداعمين الدوليين لهم بأنهم لا ينوون إقامة (إمارة إسلامية) في ليبيا مشابهة لنظام (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) أم أنهم لم يفلحوا في ذلك؟.. يبدو أن العقيد القذافي وأولاده لازالوا ينتظرون جوابًا على تساؤلهم هذا، وما إذا كانت معركتهم الليبية لم تحسم بعد.