حتى الكرة أفسدتها أنظمتنا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إياد الدليمي
هل تتذكرون مباراة مصر والجزائر التي أشعلت أزمة بين البلدين وعارا لحق بهذه الأمة لم يغسله سوى تلك الثورات التي قادها الشباب العربي على الأنظمة الفاسدة؟ لا أعتقد أن هناك من نسي تلك الأحداث وما رافقها من عدوانية سافرة وتجاوز لكل القيم، حتى جاءت مباراة الزمالك المصري والنادي الإفريقي التونسي قبل أيام لتؤكد مجددا أن كل خيبات أمتنا كانت من الأنظمة والأنظمة والأنظمة وبدرجة أقل الشعوب.
في مباراة الزمالك المصري والنادي التونسي، لمن لا يعرف، والتي أقيمت في القاهرة، نزل جمهور الزمالك قبل نهاية المباراة بدقيقتين، واعتدوا بالضرب على الحكم، والحكم للمفارقة جزائري، وأيضا على لاعبي النادي التونسي، وقاموا بتخريب أرضية الملعب وكل ما طالته اليد، حتى إن الرجل "أبو جلابية" وجد نفسه مدفوعا برغبة الركض في الملعب فراح يركض فرحا مزهوا بنفسه، دون رادع أو شرطة يمكن أن تمنعه، وانتهت المباراة بهذا المشهد المحزن.
ماذا جرى بعد ذلك؟
لن أخوض كثيرا بما قدمه النظام الرسمي من اعتذار لتونس وجماهيرها، ولكن سأقف عند بعض التعليقات التي قرأتها على بعض المواقع، سواء من المصريين أو التونسيين.
الجميع كان يخشى أن تؤدي تلك الحادثة إلى تشويه صورة الثورة المصرية الناصعة البياض، غير أن المصريين أثبتوا أنهم شعب واعٍ مثقف يدرك تماما طبيعة المرحلة وتحدياتها، فلقد ذاب الشعب المصري اعتذارا لشقيقه التونسي، حتى تشعر في بعض الأحيان أن المصريين عجزوا عن إيجاد كلمة اعتذار مناسبة يمكن لها أن تعبر عن عميق أسفهم مما جرى.
بالمقابل، كانت تعليقات التونسيين تذوب تواضعا وشاعرية في الرد على إخوانهم المصريين، مؤكدين لهم أن ما جرى لا يمثل الشعب المصري، وأنه لا داعي للاعتذار وغيرها من الكلمات التي تجعلك تقف لتسائل نفسك: هل حقا هذه هي الشعوب العربية؟
نعم إنها الشعوب العربية التي أفسدتها الأنظمة طيلة عقود، بالله عليكم، ماذا كان يمكن أن نرى لو أن نظام حسني مبارك ما زال قائما؟ حتما سنكون أمام سيناريو مشابه تماما لسيناريو الجزائر.
لقد صار واضحا لدى الجميع أن كل خطايا هذه الأمة برقبة الحكام، وهنا لا نبالغ، ولا نريد أن نصور تلك الشعوب على أنها شعوب ملائكية، ولكن مساعي الحكام المعمرين على كراسي الحكم، عملت على شيطنة هذه الشعوب، وزرعت فيهم الأنانية وحب الذات وسلختهم من جلودهم وانتماءاتهم الدينية والقومية، حتى صرنا أمام شعب نشعر في أحيان كثيرة أنه هجين لا يمت بصلة إلى خير أمة.
لا نتهم أحدا ولكن انظروا وتأملوا مشهد الشعبين التونسي والمصري، عقب مباراة الناديين، ألا يستدعي المشهد وقفة طويلة مع النفس ندرك معها أننا كنا نعيش تحت ظلم وتسلط وقمع وإعلام رسمي لا يعبأ بشيء قدر اهتمامه بتثبيت الحاكم على كرسيه أطول فترة ممكنة، وتوريث العرش المسلوب إلى الابن وهكذا.
التركة ثقيلة وأذيال الأنظمة المخلوعة أو التي ستخلع، لن تموت بسهولة، وبالتالي على الجميع أن يكون على قدر من الوعي والمسؤولية بما يؤمّن انتقالا حضاريا لمرحلة جديدة في حياة شعوبنا العربية، فالمسؤولية اليوم على عاتق الشعوب، فأنظمة الاستبداد والقمع والتوريث والجمهوريات الملكية لم يعد لها أي مكان في قاموس العرب.
التحية كل التحية إلى الشعبين التونسي والمصري، فلقد أثبتا أنهما أبناء أمة عريقة، وضربوا بوعيهم ورقيهم أروع الأمثلة، وصارت تونس والقاهرة منارات عربية ترنو إليها عيون العرب، التحية كل التحية لشهداء ثورة الياسمين وشهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير، فالشعب لم يخيب الرجاء وأثبت أنه على قدر المسؤولية.
وأنتم أيها الزعماء المستبدون، لا عزاء لكم، ولا مكان، ارحلوا، فوالله لم تسلم منكم ومن مكركم حتى الكرة، بل ربما حتى الخلافات بين الأزواج والأشقاء والجيران، أنتم وراءها، فلا شيء مستبعد عليكم وعلى أجهزتكم، فأنتم العصابة الخائنة والمندسة، ولسنا نحن.