جريدة الجرائد

رعب التغيير

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله السفر

في الوقت الذي يقدّم فيه الدكتاتور بيانه الذي يعلن فيه عن "حزمة الإصلاحات" التي يريد بها جَسْرَ الهوّة بين القاعدة الشعبية وبين حكمه؛ فإنه ينكص في اللحظة نفسها عن التنفيذ بسيول اعتذاريّة لها أوّل وليس لها آخر.
يعتذر (القذافي) بالوضع الاستثنائي الذي يفرض أولوياته منذ "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" حتى المؤامرة الخارجية المشغولة ذراعه الأمنية والمخابراتية بتتبع خيوطها وحلّ ألغازها وعرض المتآمرين في "سهرة تلفزيونية" تسجّل اعترافاتهم وتبيّن الشرّ المستطير الذي كاد يلحق بـ"الوطن" لولا لطْف الأقدار ويقظة الساهرين على أمن "الوطن"..
يتعلّل بالحالة الحرجة التي يمر بها الاقتصاد الوطني بما يمنع تنفيذ مشاريع التنمية وتطوير البنية التحتية وتحقيق الرفاه الاجتماعي. يقول هذا بفمٍ متراخٍ ملآن، وبعين حديد لا يخفى عليها، ولا على سائر المواطنين المضروبين بانتظار "المعجزة التنموية"، مشهدُ الفساد الفاضح من زواج السلطة ورأس المال الذي نتج عنه ظلم وفقر وجهل في جهة، فيما الجهة الأخرى من دائرة الحكم ورجال الأعمال المرتبطين بها تنعم بريْع الفساد وتراكم العقارات والمليارات في العواصم العربية والأجنبية. يضعون بيضهم في سلالٍ كثيرة إلا سلّة الشعب التي تظلّ فارغة دوما..
يستصعب فتحَ المجال العام ليعبّ الفرد ـ ومعه الجماعة ـ هواءَ الحريّة، كما يشاء دون خشية من "دفتر التقنين" الذي يراقب ويحصي ويصادر. التعبيرُ عن الحضور الحي المشارك الذي يؤشّر عن الفعاليّة والاندراج في الشأن العام، ليس هو التعبير في سويّة البوق الذي لا يحمل غير صوت سيّده وصورته المحروسة من العين الداخلية وأطماع الخارج. يشقّ على الدكتاتور فتح النوافذ، فقد وَقَرَ في ذهنه أنّ سياسة العصا هي الأولى بالاتباع في ظلّ تكوينات اجتماعيّة قارّة في التشرذم والانقسام، وعصاه الغليظة المعلّقة وبرسم الاستخدام هي الأنفع والأجدى، ويسحب على الطاولة الدليل إثر الدليل من المدوّنة التاريخيّة، وكأن هذه المدوّنة قيد أبدي لا يمكن الانفكاك عنه مع تحولات كونية تؤثّر حتى في الحجر.
يرى الدكتاتور أن كأس الإصلاح تحوي سمّا زعافا فيدفع بها بعيدا عن فمه في لعبة تأجيلٍ أبديّة، قد تمرّن عليها طويلاً، وحذقها هو ومَن حوله من المستشارين المنتفعين من دوام الحال غير المحال. التجربة على مرّ العقود أثبتت نجاعة الوصفة التأجيلية، فلماذا لا يستمرون ويحوكون لكل ظرف طارئ المخرج الملائم ويبتكرون مصعد النجاة في كلّ مرّة تعتكر فيها الأجواء وتنسدّ الآفاق وتختلج الأعضاء من رعب التغيير.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف