الإسلام والديمقراطية في زمن الثورات!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سعيد حارب
هل الثورات التي تشهدها بعض الدول العربية ثورات إسلامية أم ثورات تعادي الإسلام؟
هذا السؤال وغيره من الأسئلة والقضايا، يؤرق معظم الباحثين الغربيين المهتمين بالشأن السياسي في العالم العربي بل كثيرا من الباحثين العرب الذين ما زالوا حائرين تجاه الثورات العربية التي شغلت العالم.
ونظرا لأن معالم هذه الثورات لم تتضح بعد، فإن من الصعب الحكم عليها خلال هذه الفترة القصيرة من الزمن، خاصة أنها لم تتبلور في صورة نظام مستقر، فثورتا تونس ومصر اللتان استطاعتا تحقيق الخطوة الأولى من أهدافهما وهو تغيير رأس النظام، لم "ترسُ" سفينتهما بعد على شاطئ الاستقرار، هذا عدا أن الثورات الشعبية تحتاج إلى زمن لتحقيق أهدافها أو مجمل هذه الأهداف، كما حدث في الثورة الفرنسية التي تعد "أم الثورات".
لكننا يمكن أن نتلمس بعض معالم الثورات العربية من خلال بعض مظاهرها، ولعل أبرز هذه المظاهر أنها ليست ثورات إسلامية أو دينية بصفة عامة، فالقوى المشاركة فيها كانت خليطا من الاتجاهات السياسية في تلك الدول كالتيارات الليبرالية والمحافظة والقومية واليسارية والإسلامية، ولا يستطيع تيار واحد أن يزعم أنه وحده المحرك لهذه الثورات، وهذا ما أضفى عليها وحدة وطنية انعكست على مرحلة ما بعد الثورة حيث وجدنا تقاربا -مثلاً- بين الإسلاميين والليبراليين، بل تقاربا بين الإسلاميين واليساريين وهم الذين كانوا أعداء بالأمس، وقد شكل ذلك قبولا بالآخر، ولعل القوى الإسلامية كانت هي الرابح من هذه التحولات، حيث كانت معزولة عن الشأن العام خلال المراحل الماضية، ولم تكن الأنظمة السابقة هي وحدها التي عملت على عزل هذه التيارات بل إن القوى السياسية الأخرى عملت على ذلك أيضا، وربما أسهمت مع بعض الأنظمة في هذه العزلة، لكن الثورات جمعت بين الطرفين، رغم موقف بعض التيارات الإسلامية "المضطرب" الذي رفض في البداية المشاركة في هذه الثورات كالتيارات السلفية، بل عدها بعضهم خروجا على الحاكم لا يجوز القيام به، وأفتى بحرمة المظاهرات، ووصف المشاركين في تلك الثورات بالغوغاء والدهماء!! ثم ما لبث أن "دخل" معترك الصراع السياسي بعد نجاح الثورة، وكما حدث كذلك مع الجماعات الصوفية التي كانت تمنع على أتباعها ممارسة النشاط السياسي -رغم أن بعضهم أعضاء في أحزاب سياسية ويتولون مسؤوليات في تلك الأحزاب- ثم ما لبثت هذه الجماعات أن ولجت العمل السياسي بعد الثورة.
ورغم اضطراب تلك المواقف فإنها تشير إلى أن هناك تحولات "كبرى" داخل جسد التيارات الإسلامية، ولا شك أن هذه التحولات تعد فرصة لها لإثبات وجودها على الساحة المجتمعية والسياسية، فما زالت حالة "الخوف" منها سائدة لدى الآخرين، وخوفها كذلك منهم، خاصة أن الثورات أعطتها "المشروعية" للحضور على الساحة، فهذه الثورات لم تعلن رفضها لمشاركة التيارات الإسلامية، كما أن التيارات التي أعلنت أنها جزء من هذه الثورات الشعبية لم تفرض عليها تصوراتها أو شعاراتها، وبالمقابل فإن أحدا من المشاركين لم يعلن رفضه للحضور "الإسلامي" كتيارات أو "دين". بل ربما كان مظهر التدين عامة مثل الصلاة واعتلاء بعض "المشايخ" منصات الثورات ومشاركة المحجبات، إشارة إلى أن هذه الثورات ليست "ضد الدين" لكنها بالمقابل ليست ثورات دينية، فالذين خرجوا في ميادين الثورات لم يكونوا يطلبون بالعلمانية على الطريقة الكمالية (كمال أتاتورك) التي طبقها في تركيا، لكنهم بكل تأكيد لم يكونوا يطالبون بنظام إسلامي على الطريقة (الطالبانية) كما حدث في أفغانستان أيام حكم طالبان، بل كان مطلب الجماهير التي خرجت في تلك الثورات هو تغيير الأنظمة في تلك الدول لا على أنها أنظمة علمانية أو إسلامية، بل لأنها فقدت المعايير المطلوبة في أي نظام سياسي، أي إقامة نظام مدني قائم على الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون ودولة المؤسسات، ولعل هذه المطالب أضافت إلى التيارات الإسلامية فرصة أخرى لإثبات مدى إيمانها والتزامها بهذه المعايير المدنية، التي لا تخالف الإسلام، بل ربما نقلت القيم الإسلامية من الشعارات إلى ميدان التطبيق.
إن الشعوب العربية والإسلامية ترنو إلى تطبيق تلك القيم الإنسانية بمرجعيتها الإسلامية لكنها تتخوف من "سوء" التطبيق، فالتجارب التي قامت باسم الإسلام أعطت نموذجا "سلبيا" لتطبيق معايير المجتمع المدني، بل ربما زادت الشك والخوف من الممارسات التي تتم باسم الإسلام، وإذا كانت التيارات الإسلامية تحتج في السابق بأنها لم تجد "البيئة" المناسبة لتطبيق قيم الإسلام فإنها الآن تقف على "المحك" لا من خلال احتكار الموقف والرأي، حتى لو حصلت على ذلك من خلال صناديق الانتخاب، ولكن من خلال انفتاحها المدني على المجتمع وإيمانها بأنها "شريك" وليست "مالكا" للشأن العام، وأنها تقبل التداول السلمي للسلطة وتقبل بالخسارة مثل قبولها بالربح، دون أن تعزل أحدا بسبب اختلاف الدين أو الفكر.
إن هذه التيارات أمام اختبار حقيقي لها، وللتيارات الأخرى كذلك، ولن يكون ذلك إلا على أساس الديمقراطية الحقيقية التي تكفل للجميع حقوقهم في المشاركة والحضور، ديمقراطية تتسم بالنزاهة والشفافية وليست ديمقراطية التزوير والأغلبية الخادعة.
لقد أصبحت هذه الديمقراطية مطلبا جماهيريا قبل أن تكون مطلبا "نخبويا" للسياسيين والمثقفين فقد وعت الشعوب أنها بغير الديمقراطية سترزح تحت حكم "الأقلية" أيا كانت صفتها أو اسمها الذي تحمله. لقد أعلنت الشعوب رغبتها في التغيير ولن يتم خداعها مرة أخرى!!