تغير السياسات بعد ثورات الشباب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جاسر الجاسر
دون إغفال الدور الطبيعي للشعوب التي انتفضت ضد حكامها الذين أذاقوهم العذاب ومارسوا كل أنواع القمع والتسلط، ودون التقليل من التضحيات التي قدمها الشباب لتحقيق التغير الإيجابي الذي شهدته مصر وتونس والذي يجري نسجه في ليبيا واليمن إلا أن هناك جملة عوامل ساعدت على ما تحقق، وهذه العوامل لم تأت اعتباطاً أو صدفة، بل جاءت متوافقة مع ما تضعه الدول من خطط وسيناريوهات ليس بالضرورة أن تجد فرصاً للتنفيذ، إلا أن دور معاهد ومراكز البحث والتخطيط أن تضع مثل هذه التصورات وتضع خططاً تكون جاهزة للتنفيذ عند حدوث مؤشرات تنبئ بقرب حصول متغير مهم.
ومع هذا ومع وجود كل هذه الاحترازات والدراسات الاستباقية فاجأت الثورات الشبابية في شمال إفريقيا والشرق العربي كل عواصم صنع القرار الدولي سواء في واشنطن ولندن وباريس وحتى موسكو وبكين وهذا يؤكد بأن هذه الثورات انبثقت من وجدان شباب تلك البلدان، إلا أ نه وكما هو معتاد في مثل هذه الأحداث، فإن الدول ذات المصالح الكبرى في الدول التي شهدت تغيرات، تسارع إلى استثمار التغير لصالحها وتحاول توظيف ما حدث لصالح توجهاتها السياسية والنهج الذي تسير عليها، وهذا ما يفسر تناقض تصريحات كبار المسؤولين في الدول الكبرى، كما ظهر على تصريحات أوباما وكلنتون وحتى رئيس وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي، كما أن ما تبع ذلك من تناقض بل حتى تعارض مواقف هذه الدول مع بعضها البعض كسباً للنفوذ أو الحصول على مصالح سياسية واقتصادية إضافية وهو ما يدفع هذه الدول إلى التخلي حتى عن أقرب حلفائهم ولهذا فلم يستغرب الموقف الأمريكي وحتى الفرنسي في تخليهما عن حليفيهما في القاهرة وتونس.
وهذا الموقف الأمريكي والفرنسي يظهر عدة نقاط:
أولاً: يعكس بوضوح رغبة الولايات المتحدة وحتى فرنسا لتثبيت نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، دليل على ذلك هو الزيارات المتكررة في المنطقة من مبعوثي رفيعي المستوى من الولايات المتحدة الذين يسعون إلى إقامة اتصالات مع مختلف زعماء المعارضة (الحكام الجدد) من أجل الحصول على ضمانات منهم بتوفير المصالح الأمريكية في أية تطورات.
ثانياً: تسبب مثل هذا رد فعل من جانب واشنطن حول إسقاط بن علي الذي بحد كبير استفز الشارع العربي على الاحتجاجات في بلدان أخرى يمكن اعتبار رغبة البيت الأبيض لإضعاف نفوذ أوروبا خصوصاً فرنسا في جنوب المتوسط.
ويعتقد محللون سياسيون أنه يتم الآن تنفيذ مرحلة جديدة من الخطة الأمريكية بنشر الديمقراطية في المنطقة المشهورة باسم (الشرق الأوسط الكبير). الميزة الرئيسية لهذه المرحلة هي رفض إدارة أوباما من استخدام الضغط الخارجي الخشن على الأنظمة الحاكمة في البلدان الإسلامية لصالح إلهام ودعم للمعارضة في صفوف السكان في هذه الدول بهدف دفع السلطات إلى فوائد الخطوات للولايات المتحدة، أو في حالة رفض تغيير القادة الحالية على السياسيين أكثر ميلاً لواشنطن. وبالإضافة إلى ذلك أشار محللون إلى أن هذه الأحداث تزامنت مع شلل كامل في عملية السلام في الشرق الأوسط ومع ذلك فإن مثل هذا الانقلاب المفاجئ في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة يمكن أن يؤدي إلى عواقب ليس فقط على الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بل أيضاً في كل العالم، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب.
إن الأحداث الجارية في العالم العربي حتى لو لن تؤدي إلى تغيير الأنظمة الحاكمة فإنها ستؤدي إلى زيادة التطرف في الشوارع الإسلامية وهذا بدوره قد يؤدي إلى تصعيد النشاط الإرهابي والعنف الطائفي في جميع أنحاء العالم، ومن بين المراكز الأكثر احتمالاً لعدم الاستقرار تظهر فلسطين، لبنان، اليمن، أفغانستان، القوقاز الشمالي في روسيا وفي الصين شينجيانج الويغورية ذاتية الحكم.