جريدة الجرائد

الاتحاد الإفريقي ورقة القذافي الخاسرة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


محمد عيادي

فشل الاتحاد الإفريقي في مبادرته لحل الأزمة بليبيا، وتكسرت خطته على صخرة رفض المجلس الوطني الانتقالي الممثل للثوار والمعارضة الليبية، وهي نتيجة طبيعية لم يتوقع عكسها إلا قليلون جدا، وذلك لأربعة أسباب رئيسية، أولها أن مبادرة الاتحاد الإفريقي جاءت متأخرة جدا وبعد مقتل وإصابة المئات إن لم يكن الآلاف، وثانيها أن المجلس الانتقالي يتهم أعضاء من الاتحاد بدعم نظام معمر القذافي بالمرتزقة، وثالثها أن الاتحاد كان دائما ضعيفا أمام القذافي وربما رهينة لديه لأنه كان يدفع متأخرات عدد من أعضائه، وحوالي خمس ميزانيته، وهو ما يجعل وساطته مشكوكاً في حياديتها ونزاهتها، ويفسر عدم طرح الاتحاد الإفريقي لرحيل القذافي وأبنائه واكتفاءَه بالمطالبة بوقف إطلاق النار والحوار السياسي.
أما السبب الرابع فيتمثل في فقدان الثقة الكامل في إمكانية التغيير بليبيا بوجود القذافي وأبنائه، وفي رغبتهم الحقيقية بالإصلاح، بدليل أن لقاء فريق وفد الاتحاد المذكور تزامن مع هجوم قوات القذافي على مصراتة، رغم الأنباء التي قالت إن العقيد الليبي وافق على وقف إطلاق النار.
وبهذا الفشل يكون القذافي قد خسر ورقة أخرى ربما تكون الأخيرة، حيث بات رهانه على التصدع في الموقف الدولي مما يجري بليبيا ضعيفاً جدا، خاصة بعدما وسعت الإدارة الأميركية دائرة العقوبات الاقتصادية على نظامه من خلال إضافة خمسة أسماء جديدة لوزراء ومسؤولين ليبيين جدد وكذلك مؤسسة "القذافي للتنمية والجمعيات الخيرية" وجمعية "اعتصموا" إلى لائحة المشمولين بتلك العقوبات وتجميد أرصدتهم وأصولهم، على أمل أن يؤدي ذلك لتصدع في النظام الليبي، وفرار المقربين من القذافي بجلدهم قبل غرق سفينته.
لكن السؤال المطروح حيال هذا الخيار -الذي تتبناه بعض الدول الأوروبية- يتعلق بعامل الوقت، أي ما هو الأفق الزمني المتوقع لهذا التصدع، وما هي تكلفته على الشعب الليبي في ظل استمرار هجمات كتائب القذافي على المدنيين، ومن الذي يتحكم في هذا الأفق: مصلحة الليبيين أم مصالح الإدارة الأميركية، خاصة أن الشخصيات الليبية المراهَن على انشقاقها لا تمثل ثقلا كبيرا يمكن أن يغير المعادلة السياسية القائمة على الأرض، ولدينا وزير الخارجية موسى كوسا كنموذج، الذي قيل عندما توجه للندن إنه من الأركان الأساسية لنظام القذافي وسيخلق فجوة في جداره و...، لكن أياً من ذلك لم يقع، بل إن كوسا المتورط في الكثير من الجرائم ومنها حادث لوكربي، خرج للإعلام يحذر من مخاطر اندلاع حرب أهلية وتحويل ليبيا إلى صومال جديد، والتأكيد على أن وحدة ليبيا هي أساس أية تسوية دون أن يتحدث عن السبب في هذه الحرب، أو ينتقد القذافي وقتل شعبه، أو الدعوة لصيغة واضحة للحل بعيدا عن الكلام العمومي والمطاط "حوار ونقاش ديمقراطي"، بل على العكس من ذلك قال إنه "نذر نفسه لعمله لمدة 30 عاماً تحت نظام العقيد معمر القذافي وكان على ثقة بأنه كان يخدم شعبه، لكنه لم يعد يقوى على الاستمرار بعد الأحداث الأخيرة" دون ذكر أسباب عدم الاستمرار، وهذا ما يفسر قول نجل القذافي سيف الإسلام تعليقا على مغادرة كوسا ليبيا: إنه "لم يخن ليبيا حين توجه إلى المملكة المتحدة لأسباب صحية وسُمح له بمغادرة ليبيا كونه رجلاً متقدماً في السن ومريضاً ويحتاج إلى العلاج".
ويبدو أن الوضع بليبيا خاصة الإنساني قد يتأزم أكثر في ظل استمرار هجمات القذافي على المدنيين، وعدم تبني الدول العربية لموقف موحد من الأزمة الليبية، والخلاف أو الارتباك الغربي في التعاطي معها، ففرنسا تتهم حلف الناتو بالتقصير في دوره لحماية المدنيين، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه: إن دور الحلف ليس كافيا لتدمير الأسلحة الثقيلة لقوات القذافي وحماية السكان المدنيين، مؤكداً أن ما تم فعله لوقف فعالية هذه الأسلحة وحماية المدنيين قليل.
أما أميركا التي تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، وتبدو غير متحمسة لدعم المجلس الانتقالي والثوار والتوقيع لهم على بياض، فلم تقدم رؤية واضحة لحل الأزمة الليبية.
وفي خضم هذا الحراك، تتقدم تركيا -المتهمة بتقديم مصالحها على مصلحة الليبيين برفضها الضربات الجوية ضد قوات القذافي- بمبادرة ترتكز على وقف إطلاق النار وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للشعب الليبي، ولا تطرح تنحي القذافي عن السلطة كمدخل لإيجاد حل سياسي كما يؤكد على ذلك المجلس الوطني الانتقالي الليبي، الأمر الذي سيطيل الأزمة من جهة ويسمح للعقيد الليبي بالتقاط أنفاسه وإعادة ترتيب أوراقه وفقا لوجهة نظر الثوار، ويعطي من جهة أخرى قوة للتيار الذي ينادي من داخل المجلس المذكور بأن الحل العسكري هو السبيل الوحيد لحل الأزمة الليبية والسعي للتسلح وهو ما تخشى عدد من الدول من سوء عواقبه.
وإلى اليوم تبقى الصورة غامضةً في ليبيا والمستقبل مفتوحاً على المجهول وعلى مخاطر كبيرة، وعلى رأسها خطر الانقسام في حال عدم الوصول إلى حل سياسي أو إطلاق عملية سياسية تخرج ليبيا من الأزمة، وهو الأمر الذي قد تتضح معالمه وإمكانية تحققه في الاجتماع الأول لمجموعة الاتصال السياسية حول ليبيا بالدوحة اليوم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف