جريدة الجرائد

غزة وويلات فوضى السلاح

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

هل هناك بين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، من عرب وغير عرب، يتحكمون بمصير اهل غزة من يريد ان يفكر في النتائج التي يمكن ان تترتب على عدوان جديد يتعرّض له القطاع؟ عندما يغيب الحد الادنى من الوعي عن حكام غزة ومن يقف وراءهم، لا يعود مستغرباً ان تمارس اسرائيل، مرة اخرى قد لا تكون الاخيرة، ارهاب الدولة في القطاع. فغزة صارت بكل اسف حقل تجارب للجيش الاسرائيلي يستخدم فيه احدث ما لديه من اسلحة على اهداف حية. المستغرب انه وجد في غزة من يدعو حكومة بنيامين نتنياهو إلى اعتماد السياسة الوحيدة التي تتقنها وهي سياسة استخدام القوة التي تصب في خدمة التملّص من اي تسوية من اي نوع كان بحجة ان الفلسطينيين ليسوا شريكاً يمكن التفاوض معه وانهم لا يستحقون دولة مستقلة.
لعلّ ما هو اغرب من هذا كله ان ليس بين الفلسطينيين المتحكمين بغزة، ومسؤولي حركة "حماس" تحديدا، من يريد ان يستفيد من دروس الماضي القريب. على رأس هذه الدروس ان فوضى السلاح لا يمكن ان تعود على الشعب الفلسطيني سوى بالويلات وان اي صاروخ يطلق من القطاع انما يسمح لبنيامين نتنياهو باسقاط اطنان من القنابل على اهل غزة، بما في ذلك الناس العزل من اطفال وشيوخ ونساء، من دون حسيب او رقيب او حتى كلمة لوم تصدر عن المجتمع الدولي.
الاكيد ان همّ "حماس" محصور بالاحتفاظ بالسلطة ولا شيء آخر غير السلطة. لو لم يكن الامر كذلك، لكانت الحركة اعترفت بان مشروعها الاصلي والاساسي المتمثل في تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، او من النهر إلى البحر لا فارق، فشل فشلاً ذريعاً وان كل ما تستطيع عمله هو التخلي عن فوضى السلاح والانضمام إلى السلطة الوطنية الفلسطينية والتزام سقف اسمه البرنامج السياسي لمنظمة التحرير. لا وجود لسقف سياسي آخر يعمل الفلسطينيون تحته بغض النظر عن الاخطاء الي يرتكبها رئيس السلطة السيد محمود عبّاس (ابو مازن) بين الحين والاخر، خصوصا عندما يتفادى اتخاذ موقف حاسم يضع حدا لاي نوع من التجاذبات داخل "فتح" نفسها مظهراً نفسه طرفاً في هذه التجاذبات، التي لا معنى ولا قيمة لها، بدل ان يكون "ابو مازن" رمزاً لوحدة الحركة.
في النهاية، هناك تجربة ناجحة في الضفة الغربية، على الرغم من الممارسات التي يلجأ اليها الاحتلال الاسرائيلي. سبب نجاح التجربة التي جعلت الضفة الغربية ارضاً غير طاردة لاهلها وقادرة على مواجهة الاحتلال بفعالية هو الانتهاء من فوضى السلاح من جهة وعدم الرهان على الاوهام من جهة اخرى. لا يختلف اثنان على ان المواطن الفلسطيني المقيم في الضفة يعيش بشكل عام في ظروف آمنة. توفر له الاجهزة المختصة الامن لانّ لا همّ لهذه الاجهزة سوى حماية المواطن الفلسطيني بدل تعريضه للارهاب الاسرائيلي كما يحصل في غزة.
ما يدركه معظم فلسطينيي الضفة هذه الايام، ان لا وجود لاي نوع من الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية وان عليهم بناء مؤسسات دولتهم بانفسهم. فكل دولة عربية مهتمة باوضاعها الداخلية اوّلاً واخيراً. حتى الاهتمام المصري باوضاع غزة، يندرج في خانة رفع العتب ومحاولة تأكيد ان شيئاً ما تغيّر على صعيد السياسة الخارجية بعد "ثورة الخامس والعشرين من يناير". مثل هذا الوضع العربي يحتم على الفلسطينيين الانصراف إلى الاهتمام بامنهم اوّلاً والابتعاد عن المزايدات التي يحصد اهل غزة المساكين نتائجها الآن.
يفترض برد الفعل الاسرائيلي في غزة الاّ يفاجئ احداً، خصوصاً قادة "حماس" الذين يتبين يوماً بعد يوم انهم ضحية فوضى السلاح التي استخدموها اصلاً لافشال السلطة الوطنية وصولاً إلى تنفيذ انقلاب منتصف حزيران- يونيو 2007. ليس مطلوباً من هؤلاء الشكوى من ان اسرائيل تستخدم قنابل وطائرات اميركية في الحرب على غزة بمقدار ما انه مطلوب منهم فهم ان السياسة التي يتبعونها لا تخدم سوى الاحتلال الذي يبحث عمن يطلق صواريخ من النوع المضحك المبكي في اتجاه اراض اسرائيلية. بل ان الاحتلال لا يمانع في سقوط قتلى وجرحى بين الاسرائيليين لتبرير سياسة الهرب من التسوية ومن اي مفاوضات جدية. هناك رهان اسرائيلي على ان الفلسطينيين لا يحسنون التصرف وانهم لا يضيعون اي فرصة تتاح لهم!
هناك ايضا رهان اسرائيلي على الوقت وعلى ان المنطقة تتغيّر وان الفلسطينيين سينتهون بالقبول بالاحتلال لجزء من الضفة الغربية والقدس الشرقية. في المقابل، يتبين كلّ يوم ان المقاومة الحقيقية هي في التفكير في كيفية جعل التطورات التي يمرّ بها الشرق الاوسط تصب في التخلص من الاحتلال بدل جعله يستفيد من الانصراف العربي عن كلّ ما له علاقة بالفلسطينيين وقضيتهم. ذلك هو العنوان الحقيقي للمقاومة. انه عنوان يغني عن التلطي بالصواريخ وفوضى السلاح لتصفية حسابات مع السلطة الوطنية الفلسطينية يدفع ثمنها اهل غزة الذين صاروا اسرى الاسير الاسرائيلي المحتجز منذ صيف العام 2006!
تكمن الشجاعة حاليا في مواجهة الواقع بدل الهرب منه. الواقع يقول ان الصواريخ التي تطلق من غزة تخدم الاحتلال وتبرر استمرار الحصار الاسرائيلي الظالم للقطاع. لماذا الهرب من هذا الواقع... اللهم الاّ اذا كان الحصار يساعد في تدجين الغزاويين اكثر وجعلهم اكثر قدرة على التكيف مع القيم الجديدة التي تحاول "حماس" فرضها عليهم والتي لا علاقة لها بما تربى عليه الفلسطينيون وبطريقة عيشهم!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف