المخاوف من استغلال «القاعدة» فراغ رحيل صالح .. تتراجع؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
منى فرح
"جهود مكافحة الإرهاب ستتدهور إذا تمت الإطاحة بصالح"، رأي أجمع عليه، ولوقت طويل، مسؤولون غربيون وعرب ومعهم مسؤولون أوروبيون، وحتى من العرب، ولكن يبدو أن الربط بين مثل هذه المخاوف ووجود شخص علي عبد صالح على رأس النظام في اليمن قد بدأ يتراجع في الآونة الأخيرة، مع توالي المبادرات التي تطالب الأخير بالتنحي على وقع المواجهات التي تشتد بين أجهزة نظامه من جهة والمعارضة من جهة أخرى. فهل هناك حقاً مخاطر من أن يستغل تنظيم القاعدة فراغ السلطة في اليمن إذا رحل صالح؟ وما هو حجم هذه المخاطر؟
في خطبة الجمعة 8 أبريل الجاري، التي ألقاها في ساحة التغيير في صنعاء بحضور ما يقارب المليون شخص، طمأن وزير الأوقاف اليمني المستقيل حمود الهتار المجتمع الدولي بأن "الثورة الشعبية" ستكون شريكاً فاعلاً للمجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب. وأكد الهتار، وهو أيضاً رئيس لجنة الحوار مع عناصر القاعدة أن حجم التنظيم في اليمن لا يصل إلى %10 من ما يبرزه الإعلام الرسمي، لأن أشخاصاً حاولوا إعطاء القاعدة حجماً أكبر من حجمها بغية الحصول على مساعدات.
ورقة في يد النظام
وفي حديث الهتار اتهام ضمني للرئيس صالح، وهو الاتهام نفسه الذي وجهه الرئيس اليمني الأسبق على ناصر محمد في حديث أدلى به أخيراً لمجلة روز اليوسف، قال فيه: ليس للقاعدة قوة جماهيرية في اليمن، وما يشيعه النظام ما هو إلا عملية تخويف وابتزاز للغرب، ولواشنطن تحديداً. وكثيرون داخل البلاد وخارجها يدركون أن القاعدة ورقة يحركها النظام كلما أراد، ولكنها اليوم لم تعد مجدية}، مشيراً إلى أن الدعوة التي وجهتها واشنطن إلى صالح للاستجابة لمتطلبات الشعب والتنحي خير دليل، على أن الإدارة الأميركية اكتشفت بنفسها مدى ما يمارسه نظام صنعاء من خداع، بشأن هذه مسألة محاربة القاعدة.
ومثل هذه الاتهامات، ظهرت حتى قبل حركة الاحتجاجات التي تشتد يوماً بعد يوم في محافظات اليمن، المطالبة بإسقاط النظام. فالغرب، كما دول المنطقة، يأخذون على صالح أنه أضاع الكثير من الوقت، واستغل الأموال والمساعدات والجهود التي خصصت لمكافحة الإرهاب، لتطبيق "أجنداته" الداخلية الخاصة، حتى بعد محاولة تفجير طائرة الركاب الأميركية التي كانت متوجهة إلى ديترويت يوم عيد الميلاد في السنة الماضية. ويجمع المحللون على ان تركيز صالح على الصدام مع الحوثيين والانفصاليين عزز موقع القاعدة في البلاد بمنحها مبررات إضافية لتجييش الناس ضد السلطة.
إحباط من صالح
وقد جاء في برقية نشرتها السفارة الأميركية في صنعاء العام الماضي، وكشفها موقع ويكيليكس، أن صالح استخدم وحدات مكافحة الإرهاب اليمنية، التي تشكلت بدعم أميركي لمحاربة تنظيم القاعدة، لقمع الثوار الحوثيين في شمال البلاد والتصدي لحركة الانفصاليين.
كما أن حكومات خليجية، لطالما تمسكت بمبدأ دعم اليمن لأكثر من سبب وأهمها درء خطر القاعدة المرتقب، بدأت في الآونة الأخيرة تتحدث عن "خديعة" من صالح. والرئيس صالح نفسه كان في أحيان كثيرة يجد صعوبة في إقناع المسؤولين الأميركيين بأنه ملتزم بقضية مكافحة إرهاب القاعدة. ففي لقاء جمعه مع نائب مدير جهاز المخابرات الأميركية عام 2009 وقع صالح في زلة لسان، عندما وصف القاعدة في جزيرة العرب بأنها "تهديد على مستوى تهديد الانفصاليين والحوثيين، واضطر فيما بعد للاعتذار وتغيير رأيه، مع أنه أبقى القاعدة في سلم الأولويات".
وخلال الأسابيع الماضية، برزت تقارير تتحدث عن أن فرق مكافحة الإرهاب قد تم تحويل مسارها مرة أخرى، وهذه المرة لضبط الأمن في العاصمة وفي قمع الجماعات المعارضة المطالبة بتنحي صالح. وهذا ما دفع بالمسؤولين الأميركيين للاعتراف اخيرا بأن عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة مع اليمنيين "قد توقفت"، بحسب الصحافي غريغ ميلر من "واشنطن بوست". ويضيف ميلر أن إدارة الرئيس باراك أوباما بدأت تتراجع عن دعمها لصالح بعدما سعت لتشجيعه والتعاون معه في مكافحة الإرهاب. وإنها (إدارة أوباما) أبقت على قدر كبير من الأموال التي كان وعد بمنحها كإعانات وتقدر بمئات الملايين من الدولارات.
ويمضي ميلر في تقريره ليشير الى أنه حتى عندما كانت الجهود الممولة من الغرب تمضي قدما في سبيل مكافحة الإرهاب "كان بعض المنافسين، ومن بينهم أقرباء لصالح، يعملون على إعاقة هذه الجهود"! فقد كشفت إحدى وثائق "ويكيليكس" عن خلاف نشأ بين وحدة مكافحة الإرهاب في الدولة التي يشغل فيها ابن أخ الرئيس منصبا رفيعا والقوات الخاصة التي تشن حملات ضد القاعدة ويقودها ابن الرئيس، حول مركز للاستخبارات مشترك أراده الأميركيون أن يكون حديثا ليفي الغرض المرجو، بينما حال الفساد دون ذلك.
الفراغ الأمني
كل ما سبق لا يلغي الخطر الذي يشكله تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية ومركزه اليمن، ولا يخفف من المخاوف التي برزت على المستوى الدولي كما الإقليمي وحتى المحلي في هذا الشأن. فمن الطبيعي أن يخلق أي فراغ أمني ناتج عن فراغ سلطة مثل هذه الهواجس. فاليمن، حتى وهو في حال استقرار، كان يعتبر منصة لانطلاق الهجمات. وأكبر الهجمات التي تعرضت لها المصالح الأميركية في المنطقة انطلقت من هناك، من الهجوم على السفينة الحربية الأميركية "كول"... الى محاولة تفجير طائرة ديترويت. كذلك عانت السعودية في السنوات الماضية من هجمات مؤلمة ثبت أن القاعدة وراءها. كل هذا جعل هذا البلد يتصدر قائمة المناطق التي ينتاب المسؤولين الغربيين العاملين في مجال مكافحة الإرهاب القلق بشأنها. وهؤلاء يركزون بشكل خاص على مجموعة أنور العولقي، المطلوب من قبل الولايات المتحدة، فعناصر هذه المجموعة معروفون بقدرتهم على الوصول إلى الجماهير الغربية من خلال مؤهلاتهم التقنية والإعلامية والتكنولوجية وخبرتهم في صناعة أجهزة مثل التي استُخدمت على متن طائرة ديترويت. الجديد أن أحدا لم يعد يربط بين هذا الخطر الكامن ووجود صالح،و الدليل كما قال الرئيس السابق في المبادرات الأميركية والأوروبية الخليجية التي تطالبه بالتنحي.
البعض يبرر القلق في أن المنافس الأبرز لصالح، وهو اللواء علي محسن الأحمر، متهم بصفقات مشكوك فيها مع الإرهابيين والمتطرفين، وقد حرص النظام على إضفاء صفة سلفية عليه للحد من تأثيره. وذلك من منطلق أن "تسونامي التغيير" في المنطقة ووصول متشددين الى رأس السلطة سيمد القاعدة وغيرها من الحركات المتشددة فرصة لتنشط.
لكن وبالمقابل، هناك من يرى العكس. ويقول إن الاحتجاجات الشعبية قوَّضت فكرة أن "الإرهاب الجهادي" هو البديل الوحيد للأنظمة الراهنة، أو أنه السبيل الوحيد لمواجهة تلك الأنظمة. ويشير أصحاب هذا الرأي الى أن القاعدة وغيره من المنظمات الإسلامية المتشددة بالكاد لعبت أي دور يُذكر حتى الآن في كل ما جرى ويجري في المنطقة، وذلك على الرغم من زعم هؤلاء بأنهم يشكّ.ل طليعة القوى الداعية لإسقاط الأنظمة الاستبدادية.
ففي تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية قال نايجل إنكستر، النائب السابق لرئيس الاستخبارات البريطانية، إن "المصري أيمن الظواهري (الرجل الثاني في تنظيم القاعدة) سعى على مرّ. 30 سنة للإطاحة بالنظام المصري عن طريق العنف ولم ينجح. بينما تمكَّنت مجموعة من ناشطي الطبقة الاجتماعية الوسطى، مسلَّحة بهواتف خليوية فقط، من تحقيق الهدف في أقل من شهر واحد". كما نقل التقرير عن نعمان بن عثمان، وهو ناشط سياسي ليبي وجهادي سابق، قوله: "ما نشهده الآن هو ضد أساليب القاعدة والإسلاميين أو فهمهم لكيفية إجراء التغيير".
وروى بن عثمان للبي بي سي كيف أنه شاهد شخصيا جهاديين في ليبيا يقول إنه يعرفهم، وقد بدأوا يغيّ.رون طريقة تصرُّفهم وكلامهم خلال الشهرين الماضيين. وأضاف: "الطريقة التي يدلون بها بياناتهم وتصريحاتهم، أو أسلوب فهمهم للصراعات، يصعب على الخيال تصديقها. .. بالتأكيد تأثروا بموجة الديموقراطية، سواء أحبوا ذلك أم لم يحبوه. فقد كافحت القاعدة لكي تصدر ردا على الوضع الذي يتبدل بشكل سريع. ومثل الكثيرين، فقد بدت وكأنها مذهولة من سرعة التغيير".
إن مجرد إلقاء نظرة الى ما يجري اليوم في الشارعين اليمني والسوري وحتى الليبي، وما جرى في مصر وتونس، يؤكد ما قاله عثمان وإنكستر، فالجماهير مدفوعة بحلم واحد هو الديموقراطية ومطلب كبير هو الأمن وهاجسها موحد وهو المستقبل والتنمية والعيش الكريم والمستقر. وهذه مفردات جماهير نضجت ما فيه الكفاية لتكون سدا منيعا في وجه أي مشروع يأخذها مرة ثانية الى الموت المجاني. وهي أيضا، كما قال أحد الصحافيين اليمنيين لـ{القبس} بمثابة {مضاد حيوي} كفيل بزوال الديكتاتورية والتحصن ضد أي مشروع يحمل سمات القاعدة وأمثالها.