مخاطر انعقاد القمة العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد يوسف أحمد
ظل بعض العرب يسعون عقوداً إلى دورية انعقاد القمم العربية، على أساس أن انعقادها على نحو غير دوري لا يمكن كثيراً من التصدي للتحديات والمخاطر التي تواجه الوطن العربي، ويعطي مبرراً للمبالغة في تعطيل انعقاد القمم بحجة الاستعداد الجيد، بينما حقيقة الأمر أن بعض العرب على الأقل يريد أن يتجنب موقفاً يسبب له حرجاً في علاقاته الدولية أو العربية، وعلى هذا النحو غابت القمم العربية في بعض من أحلك اللحظات التي مرت على الأمة. وأخيراً توافق القادة العرب في قمة القاهرة2000 على بروتوكول دورية انعقاد القمم العربية، والذي يقضي بانعقاد هذه القمم سنوياً في شهر مارس من كل عام في الدول العربية على التوالي وفقاً للحروف الأبجدية، وبهذا حلت أيضاً معضلة مكان انعقاد القمم التي كان يختلف حولها كثيراً.
غير أنه سرعان ما اتضح أن دورية انعقاد القمم لم توفر بذاتها النقلة النوعية في مؤسسة القمة العربية، وبغض النظر عن أن مضمون أداء القمم لم يختلف فقد بدا أن هناك نوعاً من التململ من هذا القيد الزماني والمكاني الذي فرضه بروتوكول دورية القمم، وتمثل هذا في انعقاد القمم عادة في آخر الأيام الممكن انعقادها فيها وفقاً للبروتوكول (الأيام الأخيرة من شهر مارس) باستثناء قمة شرم الشيخ التي عقدت في أول مارس كبديل عن عقد قمة استثنائية دعت إليها مصر، ولم تلق دعوتها آنذاك ترحيباً يذكر، كما تمثل هذا التململ في تملص عدد من الدول من انعقاد القمة على أرضها وفقاً لما يقضي به بروتوكول الدورية، بل إن تونس كادت أن تلغي قمة2004 المقرر انعقادها على أرضها لتدخلات دولية في الغالب لولا أن سارعت مصر آنذاك بالإعلان عن استعدادها استضافة القمة في موعدها المحدد الأمر الذي أدى إلى تغيير القرار التونسي إلى التأجيل حتى مايو من تلك السنة.
أما في العام الحالي، فنحن نواجه حالة مختلفة تماماً، إذ تصر الحكومة العراقية -التي تم تجاوزها من قبل في تسلسل انعقاد القمم بسبب الاعتبارات الأمنية- على حقها في انعقاد القمة على أرضها، ويأتي هذا الإصرار لأسباب غير خافية، فانعقاد القمة في العراق يعني أن أموره باتت طبيعية إلى الحد الذي يأمن فيه القادة العرب على أنفسهم، ويوافقون على أن تنعقد قمتهم فيه، والحقيقة أن الأمر كان ينطوي على مخاطرة عالية، فالمشاركون في القمة هم قادة الدول -أو هكذا يفترض- والأوضاع الأمنية في العراق لا يمكن وصفها بالاستقرار، وفترات الهدوء التي ينعم بها من حين لآخر لا تعني غياب خلايا نائمة يمكنها أن تعكر صفو هذا الهدوء. لكن الحكومة العراقية واصلت إصرارها لاستكمال مقومات إسباغ الشرعية العربية على الوضع في العراق حتى ولو على حساب المخاطرة بأمن القادة العرب، وهو نهج يمثل امتداداً لإصرار الحكومة العراقية في أعقاب الغزو الأميركي على الحصول على اعتراف عربي بأنها هي الممثلة للعراق، وهو ما نجحت فيه في دورة المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في سبتمبر2003 في ذروة وجود قوات الغزو وحكم العراق من قبل حاكم مدني أميركي. وكانت لهذا دلالته دون شك آنذاك بالنسبة للنظام العربي وما آلت إليه أوضاعه. ثم لاحت سبل حل هذه المعضلة بالتطورات التي ألمت بعديد من الأقطار العربية بدءاً بتونس ومروراً بمصر، وشملت كلاً من ليبيا واليمن وسوريا والبحرين ودولاً أخرى وإن بوتيرة أخف. إذ لم يكن ملائماً دون شك أن تنعقد القمة وسط هذه الأجواء المشحونة التي لا يعرف أحد على وجه اليقين ما ستتمخض عنه بالنسبة للمستقبل القريب، ومع ذلك فإن الحكومة العراقية تتمسك بموقفها، وكان المخرج من هذه المعضلة هو قرار المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في آخر دوراته الاعتيادية بتأجيل انعقاد القمة إلى منتصف مايو القادم.
لكن الخامس عشر من مايو يقترب، والتطورات التي دعت إلى تأجيل اجتماع القمة آخذة في التزايد، كما أن الأوضاع في البلدان التي طالتها هذه التطورات ما زالت بعيدة عن الحسم، ولذلك فإن فكرة انعقاد القمة في موعدها المؤجل تنطوي على مخاطر عالية. ولنفترض أنها عقدت بالفعل في الموعد المحدد لها فإن أول ما يمكن توقعه بالإضافة إلى معضلة المكان أصلاً التي لا يمكن الزعم بأنها قد حلت- أن نسبة حضور القادة العرب سوف تكون في حدها الأدنى. صحيح أن القمم الأخيرة لم تتميز عموماً بنسب حضور عالية على مستوى القادة، لكن هذا كان يحدث لخلافات سياسية، أما هذه المرة فإن بعض القادة على الأقل لن يكون قادراً على مغادره بلده في الظروف التي يمر بها تحسباً لأي احتمال. وبعضهم يتولى منصب الرئاسة أو ما يساويه بشكل مؤقت حتى تنتهي المرحلة الانتقالية كما هو الحال في تونس ومصر، ويعني هذا أن ما سوف يلتزم به هؤلاء إن حضروا سوف يكون مؤقتاً بانتهاء المرحلة الانتقالية، وذلك كله بالإضافة إلى أن ليبيا ما زالت حتى الآن ممنوعة من حضور اجتماعات الجامعة العربية بشتى مستوياتها وأنواعها.
غير أن الأهم قد لا يكون عدم الحضور وإنما ما سوف يدور داخل القمة من خلافات طاحنة بين القادة أو من يمثلونهم، ويمكننا في هذا السياق أن نشير إلى أكثر من محور من محاور هذا الخلاف، والمحور الأول سوف يكون موضوعه إدارة جامعة الدول العربية الأزمة الليبية، وسوف تحمل دول مثل سوريا والجزائر رايات النقد المرير لقرار مجلس الجامعة بالطلب من مجلس الأمن فرض حظر جوي، وهو قرار خرجت السيطرة على تنفيذه من الأيدي العربية تماماً، بحيث لم نعد نعرف ما الذي تفعله -أو تنوي أن تفعله- قوات التحالف الدولي أو حلف الأطلنطي. وسوف يحدث بالتأكيد انقسام حول الموقف في سوريا، والذي يصعب تصور أن يحسم في أقل من شهر بين أولئك الذين يعتقدون أن التطورات التي تشهدها هي رد فعل طبيعي للأوضاع الداخلية، وبين من يركزون - وعلى رأسهم دوائر النظام السوري- على نظرية المؤامرة التي تهدف إلى إخراج سوريا من ساحة المواجهة مع إسرائيل بانكفائها على ذاتها. كذلك فإن جدلاً محتدماً سوف يحدث بالتأكيد حول الأوضاع في اليمن، وبصفة خاصة سوف يتركز هذا الجدل بين دول مجلس التعاون الخليجي من جانب واليمن من جانب آخر باعتبار أن هذه الدول قد رعت جهوداً دبلوماسية للخروج من الأزمة اليمنية تضمنت موقفاً مؤيداً لتنحي الرئيس وإن بشروط وضمانات معينة.
وغير ذلك قد يحدث الكثير، لكن الملاحظة التي لا يجب أن تغيب عن الأذهان أن القمم العربية منذ بدأ انعقادها في1946 في إنشاص وحتى آخر قمة في سرت لعام2010 كانت تتعامل مع المخاطر الخارجية فحسب، وفي حالتنا هذه سوف تجد القمة نفسها مجبرة على أن تنكفئ إلى الداخل لمناقشة ما يجري داخل الوطن العربي، ويعني هذا أن أداءها في مواجهة المخاطر الخارجية سوف يزداد ضعفاً، مع أن هذه المخاطر تتفاقم كما هو الحال بالنسبة لتقدم المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ولذلك قد يكون الأوفق هو عدم الانشغال بموعد القمة على حساب الحرص على أن تبقى مؤسسة قائمة على رأس مؤسسات العمل العربي المشترك.