جريدة الجرائد

العرب يصنعون مستقبلهم بأيديهم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

دبي

كتب الدكتور جيمس زغبي تعليقاً على ldquo;الربيع العربيrdquo;، عرض فيه رؤيته لحركة أصيلة نابعة من داخل العالم العربي، رافضاً مقولة إن التغيير في العالم العربي يأتي فقط بدفع من الخارج . والدكتور زغبي هو مؤسس ورئيس ldquo;المعهد العربي الأمريكيrdquo;، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، والذي يشكل أداة سياسية ومركز أبحاث سياسية للجماعة الأمريكية العربية، ومقاله هذا نشر في مواقع عدة، بينها موقع ldquo;تروث آوتrdquo; وقال فيه:

إذا كان ما عرف باسم ldquo;الربيع العربيrdquo; لا يزال أساساً في طور الحركة والتقدم، إلا أنه من المؤكد الآن أن ديناميكية جديدة قد انطلقت عبر المنطقة، ديناميكية سيكون لها أثر عميق، مع استمرار تفاعلها وتداعياتها في السنوات المقبلة .

والأمر الأكثر أهمية الذي يتعين إدراكه، هو واقع أن التطورات التي تجلت منذ تونس قد انبثقت جميعها من الداخل، وهذا يدحض اسطورة الرعاية الخارجية التي روج لها المحافظون الجدد ومن لف لفهم، قائلين منذ وقت طويل إن التغيير لا يمكن أن يأتي إلى العالم العربي إلا بدفع من ضغط خارجي (أي غربي) . وهذا، مثلاً، كان رأي برنارد لويس (1)، الذي كتب مرة يقول إنه في الماضي، لم يكن التغيير يحدث في ldquo;الشرق الأوسط الراكدrdquo; إلا عندما كان ldquo;يبدأه حكام أوروبيونrdquo; .

وهذه المقولة ردد آخرون اصداءها في وقت أقرب عهداً، من مثل دانييل بليتكا، الباحثة في ldquo;مركز الدراسات المحافظrdquo; معهد المشروع الأمريكي، عندما جادلت بأنه إذا قدر للتغيير أن يأتي إلى العالم العربي المعاصر، فسوف ldquo;يتعين على الغرب أن يفتح البابrdquo;، ويمارس ldquo;الضغط الخارجيrdquo; اللازم .

وبالنسبة للبعض في إدارة جورج بوش، كان ذلك بالضبط هو دور حرب العراق، وحسب تصور الذين خططوا لهذا الغزو بقيادة الولايات المتحدة، فإن هذا العمل لن يسقط فقط الديكتاتور ويبشر بديمقراطية جديدة، وإنما سيحدث أيضاً صدمة في المنطقة ويهزها، كما تصوروا أن ldquo;نظاماً جديداًrdquo; سيظهر على انقاض الفوضى التي ستلي الحرب مباشرة، وهذا تصور أيده بحماس معلق ldquo;نيويورك تايمزrdquo; توم فريدمان، الذي كان لوقت طويل يصف العالم العربي بأنه ldquo;منطقة متحجرةrdquo;، والذي هنأ إدارة بوش لاستخدامها الحرب أداة لفتح ldquo;فجوة في جدار الحكم الاستبدادي العربيrdquo;، وهذا التصور ذاته هو الذي جعل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس يتغنيان بrdquo;انهيار الأوضاع القديمةrdquo; في أعقاب الحرب .

وبالمثل، تصور المحافظون الجدد أن ضربات ldquo;إسرائيلrdquo; المدمرة ضد غزة ولبنان ستلعب دوراً في إحداث تحولات، ما جعل رايس تستخف بالدمار الرهيب الذي خلفه الانقضاض ldquo;الإسرائيليrdquo; على لبنان عام 2006 وتصفه بrdquo;آلام مخاض الشرق أوسط جديدrdquo; .

وهذه الآراء لم تكن بالطبع عديمة الإحساس فحسب، وإنما أيضاً خاطئة تماماً، فعلى العكس من توقعات إدارة بوش المتأثرة بالايديولوجيا، فإن غزو واحتلال العراق وحرب ldquo;إسرائيلrdquo; على جيرانها لم تؤد إلى ديمقراطية ولا حتى إلى تغيير متدرج وبدلاً من ذلك فإن ما خلفته هذه النزاعات كان الموت والدمار، والمرارة والمعاناة، وانقسامات طائفية عميقة، ترافقت مع انتشار تطرف مندفع وتوترات اقليمية حادة، وهذه الأحداث نكدت الجماهير العربية، في حين أن حكومات عربية كانت قد قامت بخطوات متواضعة باتجاه التغيير أخذت تتراجع، والمنطقة عموماً أصبحت مسرحاً لقمع متزايد وتضييق على الحريات .

في المقابل، الحركات التي بدأت في تونس وامتدت إلى مصر وما بعدها تستحق أكثر بكثير وصف ldquo;آلام المخاضrdquo; وقد كانت هذه الحركات ملهمة، وولدت اعتزازاً جديداً بين جماهير كانت تشعر لزمن طويل أنها مهمشة وعاجزة عن إحداث تغيير، كما كانت مُعدية - حيث كانت الأساليب والشعارات تؤخذ كنموذج يحتذى، أو يتم تكييفها وفقاً للأوضاع والظروف الخاصة بكل بلد، وفي أي من هذه الانتفاضات، لم تكن هناك أية شخصيات من أمثال ldquo;لورانس العربrdquo; أو ldquo;رامسفيلدrdquo; تصور نفسها على أنها صانعة مصير العرب .

ومن الواضح أن الظروف اختلفت من بلد إلى آخر، فمصر ليست تونس، واليمن أو سوريا لا يمكن أن تكونا نموذجاً واحداً . صحيح أنه كانت هناك بعض المميزات المشتركة، ولكن ما ألهم هذه الثورات في كل حالة كان فريداً في كل بلد على حدة .

ومع ذلك، من المستحيل تجاهل واقع أن ما بدأ في تونس، وأثمر في مصر، قد ولد إحساساً جديداً بالقدرة والسلطة لدى الجماهير عبر العالم العربي .

وبينما كان الشبان يسلكون طريق الاحتجاج السلمي في مواجهة العنف، فإن ذلك لم يفعل سوى تقوية تصميمهم على المطالبة بالتغيير .

والأحداث لا تزال بعيدة جداً عن نهايتها، ولكن العرب أصبحوا الآن مشربين بإحساس جديد بالكبرياء، يلهمهم في حركتهم، في حين أن الحكومات ستصغي بعناية أكبر لاحتياجات مواطنيها . والتغيير سوف يحدث والطريق إلى الأمام ستعترضه عوائق وسوف تكون هناك نكسات، ولكن المسيرة ستستمر، وعندما سيكتب تاريخ هذه المرحلة المبدعة، فإن ما سيسجل هو أن هذه الحركات التي اطلقت المسيرة ودفعتها إلى الأمام قد بدأها العرب أنفسهم، من أجل صنع مستقبلهم بأنفسهم .

هوامش

(1) برنارد لويس (المولود في 31 مايو/ أيار 1916)، هو مؤرخ بريطاني - أمريكي وباحث في الاستشراق، ومتخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب، ويشتهر خصوصاً في الأوساط الأكاديمية بأعماله في تاريخ الإمبراطورية العثمانية .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف