حسني مبارك... عميد الرؤساء السجناء ؟!

راجح الخوري

ليس من "عادة" الرؤساء والمسؤولين الكبار في هذه المنطقة الذهاب الى السجون. فقد كانوا في الغالب يذهبون اما الى القبور بعد الانقلابات الدموية التي تصفّيهم، واما للهرب الى "الجنة" التي يكونون قد جهزوها لمثل هذا "اليوم الاسود"، واما الى الاختفاء في المجهول او الظل واكمال العمر في شرنقة من التحسّر والمرارة، ولا ندري ما اذا كان الندم يخالج مشاعر هؤلاء!
السجين حسني مبارك يفتتح عصراً جديداً في هذه المنطقة، تماماً مثل العصر الذي افتتحه شباب تونس ومن بعدهم شباب مصر، اي التغيير الذي اتخذ عنواناً صارخاً: "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو ما شكّل ويشكّل عدوى عافية تصيب الجماهير، التي نامت طويلاً وصمتت طويلاً وتحمّلت الاستبداد طويلاً واستفاقت الآن لتقلب الواقع المتكلّس منذ نصف قرن تقريباً رأساً على عقب.
قبل ايام نقل عن حسني مبارك انه نادم لانه رفض ان يرحل يوم كان المتظاهرون يطالبون بالرحيل، اي انه لم يهرب يوم كان الهروب متاحاً للظفر بشيخوخة آمنة في مكان ما من هذا العالم. ولكن الندم لم يعد نافعاً الآن، وخصوصاً بعد التصدي الدموي للمتظاهرين في ميدان التحرير بأمر منه ومن وزير داخليته، وهو ما ادى الى سقوط المئات من القتلى. ربما لكي تكتمل فصول "اليوم الاسود" الذي قضى دائماً بأن التغيير يكتب بدماء الذين يقتلون، سواء في الانقلابات العسكرية التي عرفتها المنطقة، وسواء في التغيير القسري الذي يحدث الآن تحت ضغط الجماهير.
حسني مبارك الذي خاطب المتظاهرين اول مرة بلهجة طاووسية قائلاً انه لن يغادر مصر وسيموت فيها، لم يكن يتخيّل قط انه سيصير عميد الرؤساء العرب السجناء، وانه سيدخل مثل الكثيرين سجن "ليمان طرة"، حيث سيكون الى جانب ولديه جمال وعلاء اللذين يواجهان ايضاً اتهامات تتعلق بالتحريض على قتل المتظاهرين من ابناء ثورة 25 كانون الثاني، اضافة الى عدد من المسؤولين الكبار في عهده الطويل، الذين كانوا قد غرقوا في الفساد الى آذانهم!
ادخال حسني مبارك الى السجن مع عائلته واركان عهده، يشكل بداية صحيحة لمبدأ المحاسبة، لان المحاسبة تبدأ الآن من المنطلق الضروري، اي انها تنطلق من قمة الهرم بحيث تصطلح القاعدة تلقائياً اذا شاهدت ان المحاسبة العادلة تستطيع ان تعاقب الزعماء والرؤوس الكبيرة وانها فعلاً تظهر الحق وتدين الفساد.
من اجل هذا، فإن المحاكمات يجب ان تكون واضحة وشفافة، لأنها تشكل هي ايضاً، بداية محاسبات عادلة قد نشهدها في محاكمات مماثلة في دول عربية اخرى، ولأن حلقة التغيير المنطلقة من تونس فمصر لا تكتمل ايجابياتها وتبدأ ديموقراطيتها المنشودة، إلا من خلال العدالة والشفافية.