البحث عن ملائكة في اليمن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الرميحي
وجهة النظر التقليدية الأميركية التي سادت منذ فترة أن البدائل لعلي صالح في اليمن محدودة، وأنه القادر وحده على ضبط الإيقاع اليمني بقدر ما اكتسبه من خبرة في معالجة الملفات الشائكة، وكان الخبراء الأميركان كثيرا ما يتساءلون أنه حتى ابن علي عبد الله صالح لن يكون في قدرة أو خبرة الأب، لذا لم يكن هناك بدائل مطروحة، غير بقاء علي صالح أطول مدة ممكنة. هذا كان السائد حتى بضعة أشهر خلت، فقد كان المثال السوري هو المطروح بقوة على الجمهوريات العربية، أي قضية التوريث. بسقوط النظام التونسي ومن بعده المصري، سقط المثال السوري تماما من الأجندة السياسية الدولية والعربية، فأول استحقاق قاله حسني مبارك ومن بعده القذافي ثم علي صالح أن "لا توريث".
المشهد اليمني ليس بوضوح ولا حتى بسلاسة المشهدين التونسي والمصري، بل هو أشد تعقيدا من المشهدين الآخرين الليبي والسوري.. في السنوات القليلة الماضية خاض اليمن ست حروب شبه أهلية، وامتدت الحروب إلى خمس محافظات، وخلقت هذه الحروب من الحوثيين الذين كانوا بالمئات قوة لا يستهان بها، وامتدادا شعبيا واسعا، إلى درجة تمثيلهم في الوفد المفاوض مع مجلس التعاون.
في الجنوب، بعد حرب 1994 أقصي عشرات الآلاف من جنود وضباط الجيش الجنوبي، ووزعت أراضي الجنوب كغنائم على بعض المتنفذين، ووصلت سياسات الإهمال وعدم المساواة إلى أن يصبح مطلب انفصال الجنوب مرة أخرى مطلبا مقبولا من شرائح واسعة من أبناء الجنوب. إنه الفشل في إدارة الدولة، والارتكان إلى تطمينات المحيطين وتشجيع الحلفاء الخارجيين.
الثورة الحالية في اليمن لها تقريبا ثلاثة محاور؛ الأول السلطة والحزب الحاكم، والثاني ائتلاف الأحزاب المعارضة، أما الثالث فهو الشارع، الذي لا توجد له قيادة ولكنه يريد التغيير الشامل. السلطة تتحجج بأنها الشرعية، والأحزاب تؤكد على الشرعية العملية، والشارع يتحدث عن الشرعية الشعبية. اللافت أن كل أطياف اليمن السياسية، مثلها في كل من تونس ومصر، توحدت على مطلب رحيل النظام القائم، وكمثل ما حدث في تونس ومصر، ليس هناك وفاق على من، أو ما هو، البديل بعد رحيل النظام، ليس كأشخاص ولكن أيضا كنظام.
الفريق المفاوض من المعارضة الذي ذهب إلى الرياض وأيضا أبوظبي كان يتألف من مندوبي أحزاب، ولكن هذه الأحزاب ضعيفة محدودة التمثيل في الشارع، وترغب في الإمساك بالسلطة، لا في تغيير جذري للنظام الذي يطالب به الذين يخرجون إلى الشوارع في المدن اليمنية. من هنا جاء قبول النظام بالمبادرة الخليجية وقبولها بشروط من الأحزاب المتحالفة، ولكنها لم تُقبل من الشارع المعتصم.
أزمة اليمن أكثر من سياسية، وطريقها طويل، ربما أطول من الساحة الليبية، إنها أزمة اقتصادية بامتياز، فاليمن بلد فقير يقطنه أكثر من 27 مليون نسمة، وقد تقود الأزمة اليمنية إلى ما حدث في بوليفيا بداية الثمانينات من القرن الماضي، وتؤدي إلى مجاعة، تفقد اليمنيين صبرهم ومن ثم حكمتهم التقليدية، وتنقلب الثورة السلمية إلى حرب أهلية ضروس لا تبقي ولا تذر، وقد بدأ البنك المركزي في اليمن بطبع ورق العملة، وفلت عيار التضخم. الدخول إلى فوضى قد يذر قرنه في الجوار أيضا.
النظام اليمني القائم تمرس بالمناورات السياسية ولا أرى أن لديه الرغبة أو حتى الاحتمال بالرحيل، فقد وظف الدولة منذ سنوات ليضع الأقارب والمخلصين في أهم مفاصل الدولة اليمنية، وأكثر المؤسسات في الدولة أهمية، كالحرس الخاص والحرس الجمهوري والأمن القومي، والمؤسسات الاقتصادية كلها ما زالت موالية للنظام القائم. فوق ذلك هناك شريحة معقولة من الشارع اليمني ما زالت موالية للنظام، وتخرج بين فترة وأخرى لاستعراض قوتها. الحرب الأهلية في اليمن ممكنة، ليس كما يتوقع كثيرون بسبب انتشار الأسلحة، فالشعب اليمني أكبر شعب عربي مسلح، ولكن أيضا بسبب غياب الخبز، الضائقة الاقتصادية المنتشرة في اليمن قد تغري بعض القوى الإقليمية بالدخول من هذا المنفذ لتحقيق أجندة ما تريدها.
الانسداد السياسي في اليمن يسابق الوقت، ومجلس التعاون هو الأقرب للتدخل السياسي، إلا أنه ما زال يحاول أن يمسك العصا من الوسط، بسبب تعقد المشهد من جانبين؛ غياب القيادة في الشارع المنتفض، وشره السياسيين في لقاء الأحزاب المشترك لوراثة الدولة اليمنية على علاتها. المطلوب خطة مبتكرة وحثيثة وعلى الأرض من أجل إيجاد مخرج.
لا توجد ملائكة في اليمن، توجد مصالح وتضارب إرادات واحتمال فوضى، وليس صحيحا أنه كلما طال أمد الاعتصامات نضج المجتمع اليمني السياسي، الصحيح أنه كلما تأخر الحل اقترب اليمن من الفوضى، وانطلقت الشياطين.
آخر الكلام
قالت السلطة التونسية إن سبب ما حدث من ثورة في الشارع هو التدخل الخارجي، وقالت السلطة المصرية إنه مجموعة من البلطجية، وقال اليمن إنه إسرائيل وأميركا، أما الأغرب فهو ما قاله بعض الإعلام السوري، المحرك هو جمال الجراح، عضو البرلمان اللبناني، وبندر بن سلطان!! إنها قوة خارقة لرجلين لا يعرف أحد لماذا تأخرا إلى هذا الوقت!! نصيحتي أن انظروا جميعا إلى ما تحت أرجلكم!!