الجيش السوري... ناصر أم قاهر؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مها بدر الدين
الجمعة العظيمة كانت جمعة دامية، قُطفت فيها العشرات من زهور الياسمين التي كانت تتوق لنشر شذاها قبل أن يغتالها رصاص الأمن السوري الذي لا أمن به ولا أمان، جمعة دامية أدمت قلوبنا النابضة شوقاً للحرية، وزادت حرقتنا حزناً على أحباب سروا في عروقنا كما يسري الدم في الوريد، لبوا نداء الحرية وهبوا هبة رجل واحد ليحققوا حلم ملايين السوريين بالتخلص من كابوس جاثم على صدورهم منذ عقود طويلة، لا يجدون منه مهرباً ولايعرفون له علاجاً.
ورغم تسرب بعض المعلومات قبل الجمعة العظيمة حول زيادة تحركات القوى الأمنية في مدن سورية عدة، وملاحظة تعزيزات عسكرية وانتشار واضح للجيش السوري في مناطق عدة شهدت مظاهرات كثيفة في الأيام السابقة، ورغم خوفنا كمواطنين سوريين من تدخل الجيش لقمع المتظاهرين لما لهذا من ذكرى أليمة في نفوسنا لم تندمل جراحها حتى الآن، ورغم توقعنا لحصول مناوشات واعتقالات وإطلاق رصاص من قبل رجال الأمن وشبيحته ووقوع بعض الشهداء، لكننا لم نكن نتصور أن يصل الاستهتار بأرواح السوريين إلى هذا الحد من البرود واللا مبالاة، ولم نكن نتصور أن صناعة مجزرة إنسانية دموية بهذه الشكل الفظيع هي من أسهل الصناعات التي يعرفها الأمن السوري وأحبها إلى قلبه.
وكان يحدونا الأمل المشوب ببعض الخوف والريبة، أن تكون تحركات الجيش العربي السوري لفرض هيبته على المتظاهرين السلميين وعلى قوى الأمن المتأبطة شراً، وأن يكون تواجده لحماية المظاهرات السلمية وتنظيم سيرها لتصل إلى أهدافها في إسماع صوت المحتجين إلى المعنيين دون أرقة نقطة دم سورية واحدة على الأراضي السورية، فالجيش ملك للشعب السوري وقد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية في كتائبه وألويته وفرقه جميع الشباب السوريين ومن لم يلتحق منهم بالخدمة العسكرية دفع شقاء عمل خمسة أعوام من عمره في بلاد الغربة بدلاً لخدمته، هذا البدل الذي يذهب لتقوية الجيش ودفع رواتب ضباطه وجنوده الموكل إليهم حماية حدود البلاد لا قتل الأبرياء ونصرة الفساد.
وكنا نعتقد أن الجيش السوري بتمسكه بالشرف العسكري سيحاول أن يمحو النقطة السوداء التي لوثت تاريخه العسكري بمشاركته بمذبحة حماه في الثمانينات، وإعادة ثقة الشعب السوري به واسترجاع مكانته وهيبته العسكرية أمام الرأي العام السوري والعربي والعالمي أجمع باعتباره بطل حرب تشرين التحريرية وصاحب الانتصار العظيم، وشريك الجيش المصري في نكسته وانتصاره، ومحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم.
لكن يبدو أن النظام السوري استطاع خلال الأعوام الماضية أن يسلب الجيش العربي السوري تاريخه العريق ويحوله من قوات عسكرية شكلت لحماية الشعب السوري والأراضي السورية، إلى مؤسسة خاصة لحماية النظام بأشخاصه وأملاكه، وأصبح مجرد أداة يلوح بها لكسر شوكة المواطنين، أوعصاة خشبية يهش بها الشعب وكأنه قطيع من الخراف.
لقد راهن الشعب السوري عندما انتفض للمطالبة بحريته التي مرغت في وحول الأفرع الأمنية، وبكرامته التي أهدرت في معتقلات وسجون النظام الحالي، على وقوف الجيش السوري معه لأنه من المنطق ألا يدخل في معركة خاسرة بالنسبة للنظام لأن الشعب عندما يثور لا بد أن يكون المنتصر، أو على أقل تقدير كان متوقعاً منه الوقوف بحيادية مشرفة أسوة بالجيش المصري الذي أعز المصريين ورفع رأسهم عالياً بعد أن عانوا بعضاً مما يعانيه الشعب السوري، فالجيشان عاشا تاريخا مشتركا في نكسة حزيران وانتصار تشرين، وساهما جنباً إلى جنب في حرب تحرير الكويت، وشُهد لهما بالبسالة والشجاعة والتكتيك العالي، كما أنهما ينتميان إلى مدرسة عسكرية واحدة وكانا أثناء الوحدة بين مصر وسورية تحت قيادة عسكرية واحدة.
لكن الجيش السوري لم يفطن إلى الهاوية التي يراد زجه بها، ولم يدرك بأن موازين القوى على ساحة الاحتجاجات السورية غير متكافئة وأن هناك بونا شاسعا بين النظام الحاكم الذي يملك كل القوة العسكرية والأمنية وبين المتظاهرين السلميين الذين لا يملكون سوى صوتهم وحقهم الذي يسعون للحصول عليه، وبدل أن ينتصر الجيش لشعبه المقهور فيحتضنه ويكون له الملجأ الأمين والملاذ الآمن، أطلق رصاصه ليخترق صدور المسالمين الذين تفاءلوا بتواجده في ساحاتهم وظنوا أنه لن يخيب ظنهم، وكان الأجدر به وهو المؤسسة العسكرية المنوط بها حماية الحدود واسترجاع الاراضي المحتلة، أن يتوجه بمدرعاته وبنادقه لتحرير بانياس الحولة وغيرها من قرى الجولان الرازحة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، إن كان ما زال يذكرها، لا أن يحاصر بدباباته وجنوده بانياس الساحل ودرعا التي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن الجولان، وغيرها من المدن السورية التي يحكمها النظام السوري بقبضة من رصاص حي.
إن المواطنين السوريين يهيبون بالجيش العربي السوري وقياداته الشريفة وكل ضابط أو عسكري ما زال يتمسك ببعض الشرف العسكري أن يعيد للجيش هيبته ومكانته وأن يختار إما أن يكون القلعة الحصينة التي يحتمي وراء أسوارها طلاب الحرية والكرامة من الشعب السوري، أو أن يتجرد من تاريخه المشرف ومهمته السامية ليكون تلك العصاة التي يريدها النظام لهش الأغنام، علماً أن الشعب السوري يرفض أن يكون قطيعاً من الخراف المهيأة للذبح بعد أن رأى بعينيه المذبح، ولن ينفع معه بعد اليوم التهديد والتلويح بالعصا حتى لو سقط مليون شهيد.
التعليقات
0000
سامر -نناشد الجيش العربي السوري ان لا يطلق النار على الشعب ويقتل الشباب العزل فالشعب لا يريد الا الحرية والكرامة وهو يتحرك لاجل الوطن ككل ويؤمن المستقبل الراغد والمستقر لكل افراد المجتمع