استقراء لمراحل حرية الصحافة في قطر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سهلة أل سعد
نستطيع أن نقول إن طرفي النقيض الحرية الإعلامية والمنع أو الحجب مرا بعدة مراحل، الأولى: (مرحلة إعلان إلغاء الرقابة)، حيث أعلن عن ذلك في عام 1998 وهو العام ذاته الذي صدر فيه قانون الانتخابات البلدية -لا عجب أن لم يوّفق الاثنان- وهي مرحلة ظلت فيها الصحف متخوفة وحذرة وغير آمنة لعواقب تحررها وانفصالها عن الرقيب ولو جزئيا، أو بالأحرى متريثة لترى أبعاد الأمر ولتتأكد هل عنى الجماعة ما قالوه فعلا؟ وما نتائج تحللها من مساحات من ثقل الرقيب وإن كانت غير كبيرة؟ في تلك المرحلة المبكرة من عمر الإعلان عن إسقاط الرقابة لم تكن هناك حرية إعلامية وقد يكون ذلك لأن الكتّاب وصحفهم حينها ما زالوا مقيدين بفكر ومنهجية الفترة السابقة لإعلان الإلغاء، ونقول إعلان الإلغاء ولا نقول الإلغاء، لأن الرقابة لم تلغ، فهي موجودة دائما أبداً، وستظل موجودة دائما مختفية خلف سواترها الخفية لا يراها إلا العالمون بها، وإن بدت لغيرهم غير موجودة، وهناك فرق بين غير موجودة وغير مرئية، وليس الاعتراض على وجودها على إطلاقه، ولكن الاعتراض على تضخم حجمها بين فينة وأخرى بفعل العوامل الخارجية كالثورات مؤخرا، رغم مأمننا منها في قطر!!
المرحلة الثانية وهي (مرحلة الازدهار) في هذه المرحلة تراجع مقص الرقيب إلى آخر حد يستطيع أن يتراجع إليه، ولزم آخر حد يستطيع أن يلزمه، نعمنا ككتاب بالرفاهية الإعلامية في تلك الحقبة من عمر الحريات الصحافية والإعلامية لدينا، لم يكن هناك خوف حكومي بحدود كبيرة أو مبالغ فيها مما يكتب أو يقال، لزمت الأمور نطاقها الصحيح بما فيها التعاطي الرسمي مع الكتابات والآراء، وإن تخللها بعض الاقتطاعات من بعض المقالات برضا واستشارة الطرف المقتطع من كتاباته، وسأظل أذكر تلك الفترة بتقدير كبير وأدعو الله أن يعيدها علينا معشر الكتاب، أو أن يرزقنا بأفضل منها والأفضل منها لن يتأتى إلاّ بإصدار قانون جديد للمطبوعات والنشر وجمعيات مهنية للكتاب والصحافيين.
المرحلة الثالثة هي (مرحلة التكبيل الذاتي) وهي مرحلة قام فيها بعض رؤساء التحرير -في الحقيقة المستجدون منهم- والبعيدون فكريا وموهبيا عن عالم الصحافة بقمع الكتابات وتكبيل الحريات وتكميم الأفواه في محاولة ناجحة لتهجير الكتاب والتخلص منهم واحدا تلو الآخر، وإن كانت بداية عملية التطهير -إن شئتم تسميتها بذلك- قد تمت بطريقة فجة ومباشرة بالطلب المباشر والصريح بالتوقف عن الكتابة دون أسباب مبررة، ثم إلحاقها بالحرب النفسية والتضييق لتنفير الكتاب نفرا نفرا، وأسلوب التضييق غير المباشر هذا اتبعته أكثر من صحيفة في أوقات متقاربة، تلك كانت فترة التكبيل الذاتي كبّلت فيها الصحف نفسها بنفسها، وقد حباها الله السعة، ولكنها استغنت عنها مفضلة الضيق، إلى أن جاء الضيق الحقيقي اللااختياري في مرحلة لاحقة.
المرحلة الرابعة هي مرحلة قيام الثورات العربية في أرجاء الوطن العربي و(مرحلة عودة الحجب من جديد) هل أحدثت الثورات العربية فعلها ومفعولها بالحكومات التي يفترض معرفتها بنفسها وببعدها هي بالذات عن مكامن الخطر، الحكومات المفترض أنها أكثر الحكومات العربية الحالية انفتاحا وارتياحا وتحررا؟!!
ترى ما الحسابات التي حسبت بالخطأ وأدت لعودة النمط القديم في الرقابة حتى زهدنا الكتابة لشدة تدقيقنا في حروفنا وقت كتابتها، ما الإبداع الذي يرتجى في ظل سياسات منع وحجب واعتذار عن النشر، ما النفسية التي سيكتب فيها من كانوا يتطرقون للشأن العام بشىء من الثقة والارتياح وليس الشأن العام مقصوراً على سفلتة الشوارع ومناهج المدارس والهموم التطبيبية فحسب، فهناك هموم الحريات الإعلامية والنقابية والبرلمانية التي يدل إطلاقها على الثقة في النفس وفي الآخرين.
** سألتني الأخت الزميلة هناء الرحيم الصحافية بجريدة "العرب" عن موقفي من سياسة الصحف في حجب بعض المقالات انطلاقا من تجربتي الشخصية لتحقيق صحافي تجريه حول هذا الموضوع، ولتأخري في الرد طبع التحقيق دون تعليقي الذي أورده لكم هنا:
هناك موقفان من الجريدة يمكن التعاطي بهما في هذا الخصوص بحسب نوع المنع:
الأول أن يكون الحجب من الجريدة ذاتها لا من جهة أعلى منها، أي أن تكون الجريدة مخيرة، وقد اختارت الضيق أو تركت المحاولة وبذل الجهد لتمرير المقال، هذا النوع من الصحف عادة لا يقدّر الكاتب ولا يتعامل معه بشفافية، بل غالبا يحاول التخلص من الكاتب الجاد والجريء ظانا أنه بذلك يبعد نفسه عن القلق ووجع الرأس، وهذا النوع من الصحف يصح أن يلقب بالنوع التجاري البحت.
الثاني أن يكون الحجب آتياً من خارج الجريدة، وهنا يمكن للجريدة أن تكون دمثة وشفافة في تعاملها بإخطار الكاتب بالأمر أو أن تكون ديكتاتورية ومتجبرة بالمنع دون تجشم عناء الإخطار والاعتذار، نحترم النوع الأول الذي يحترم كتّابه حين تكون السيطرة خارج يديه، فيعتذر لهم ويحيطهم علما بالأمر ويعرض عليهم التعويض بمقال آخر عوضا للمقال المحجوب -وإن لم أكن من مؤيدي التعويض بمقالات بديلة-.
تسألين عن تجربتي مع الحجب؟ لقد جربت النوعين، وأجد طعمهما الاثنين مرّا، وأجد وقعهما كريها على النفس ومحزناً لها، وإن كان الأمر حين يصدر من خارج الجريدة ويخطر به الكاتب في حينه ولا يفاجأ ببساطة بعدم وجود مقاله في اليوم التالي على صفحات الجريدة يبقي على حبل الود بين الجريدة والكاتب موصولا، لأنها تعاملت معه حسب أصول وقواعد التعامل الصحافي الحقة.
في النهاية أتمنى أن ننعم بالحريات الصحافية والإعلامية المطلوبة والصحية التي تدل على تمتع الطرفين بالثقة في النفس مطلقها ومتلقيها، وأتمنى إصدار قانون المطبوعات الذي طالما تحدثنا عنه وطالبنا به، وإنشاء جمعيات مهنية مفعلة ومفعل قانونها، لديها الصلاحية لحماية منتسبيها من أي نوع من أنواع الغبن وهضم الحقوق والتلاعبات بهم.