على إيران أن تنتظر قليلاً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
علي الظفيري
من الواضح أن خارطة التحالفات تتغير في المنطقة تأثراً بربيع الثورات العربية، فبعد أن كان عنصر السياسة الخارجية المتبعة للدولة هو معيار التصنيف الرئيسي بغض النظر عن أية أمور الأخرى، باتت حزمة متكاملة من العناصر تزاحم استفراد السياسة الخارجية بتحديد طبيعة التحالفات القائمة بين دول المنطقة، ووجود هذه العوامل مجتمعةً ظاهرةٌ صحية تؤدي إلى علاقات متوازنة وقابلة للاستمرار، كما أنها تسهم في وجود اشتراطات لدولة مقبولة على الصعيد الإقليمي والدولي، ليس على شاكلة محاور الخير والشر في العقد النازي الشوفيني للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة، بل على أسس دولة عربية يتوافر فيها الحد الأدنى من مستلزمات العيش بحرية وكرامة.
كان كافياً في السابق أن تكون مناهضاً بدرجة ما لسياسات الولايات المتحدة لتكون في محور الممانعة العربي، المناهضة بشعار أو خطبة سياسية مليئة بالصراخ تكفل لك أن تكون ممانعاً حتى لو كان مقدار لقاءاتك واتصالاتك بالأميركيين يفوق أعتى حلفائها في المنطقة! وأن تكون ممانعا يعني أن مؤامرة خارجية تستهدفك على الدوام وتدفعك لتصفية شعبك دون رقيب أو حسيب، وأن مطالب الحياة الكريمة لمواطنيك وأمانيهم البسيطة لا قيمة لها أمام المؤامرة الخارجية الكبرى المتربصة بحرية شعبك وكرامته واستقلاله، والملاحظة الوحيدة هنا، أن شعبك لا حرية ولا كرامة ولا استقلال له مذ بسطت حكمك عليه طيلة هذه العقود، وتوارثتها جيلا بعد جيل!
ما كان قائما في المنطقة طوال السنين الماضية اعتمد على سياسة الأمر الواقع، والفصل بين الدول على أساس تماهيها أو اختلافها مع السياسات الأميركية في المنطقة أجبر الكثير على غض الطرف عن أمور أخرى، لم يكن بالإمكان فتح الملفات جميعها دفعة واحدة، يكفي موقف السياسة الخارجية للدولة للاصطفاف معها أو ضدها، مع الحسرات القائمة والتأكيد بين الحين والآخر على رداءة إدارتها الداخلية وظلمها لشعوبها، وكما كان الاعتدال سبّة في وجه الدول فإن الممانعة استحالت ميزة ورصيدا للدول المنضوية تحت لوائها، فباتت تسحب من هذا الرصيد دون شعور أو حساب، حتى قيل إن ربيع العرب لن يطالنا فنحن أهل المقاومة والداعمون لها!
هناك دولة اعتدال جديدة تتشكل في المنطقة وتخلق نموذجا يحتذى به، تتمتع هذه الدولة بجملة من المواصفات في إدارتها للشأنين الداخلي والخارجي، ما يجعل منها مقبولة على كافة الصعد، فهي من ناحية تعتمد الديمقراطية في إدارة شؤونها الداخلية على أساس مجتمع حر فاعل ينشد التنمية والكفاية، ومن ناحية أخرى تنطلق في علاقاتها الخارجية من رؤية عروبية محضة تراعي مصالحها وتحميها كما تحمي الآخرين وتحقق لهم مصالحهم، وهذا ليس بعسير على أي نظام يعتمد العقلانية في التفكير ويرغب أن يكون فاعلا في المنطقة ومؤثرا فيها.
مصر الثورة هي الأقرب لهذا النموذج، وسياساتها الجديدة المعتمدة خارجيا إضافة لتحولاتها الداخلية تدفعها بشكل سريع لإنضاج هذا النموذج العربي المنتظر، النظام السوري خرج من اللعبة خاسرا بعد اعتماده لسياسة الحديد والنار مع شعبه وانكشاف حجم الاهتراء الداخلي في بنيته القائمة على الفساد والمصالح العائلية وتحالفها مع القمع، العراق مازال إيرانيا بحماية أميركية، والسعودية لم تقرر حتى الآن التفكير بالمستقبل، تيار المقاومة في فلسطين ولبنان لا يمكنه أن يقرر الآن أي وجهة سيختار، والمقاومة معذورة في ذلك كونها لا تملك القدرة على العمل بشكل منفرد ومنفصل عن سياسات الدول المحيطة والحاضنة، لكن الدولة النموذج لا يمكنها أن تحتل مكانتها في المنطقة دون أن يكون تحالفها ودعمها واضحا وعلنيا وقويا لتيار المقاومة، بدون حركة حماس وحزب الله وتقديم الدعم اللازم لهما لا يمكن لدولة عربية أن تحتل مكانة مركزية ويكون لها التأثير المطلوب، هذا بخلاف أن قضية مواجهة إسرائيل وتحجيمها والإيمان بالقضية الفلسطينية العادلة هو المحرك الرئيسي والقوة الدافعة لهذه الدولة الوليدة.
إيران تعمل بقوة الآن، وغيرها يتحرك أيضا، لكن الوقت مازال باكرا، هناك بعض العمل في صنعاء ودمشق والقاهرة وعواصم أخرى، بغداد أيضا سيكون لها حضور كبير، وعلى إيران أن تنتظر قليلا، فالربيع العربي لم يكمل لوحته البهية بعد!.