السياسة الخارجية الأمريكية وتطورات الشرق الأوسط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشطنrlm;:rlm; عزت إبراهيم
واحدة من معضلات تعامل الولايات المتحدة مع موجة التغيير في منطقة الشرق الأوسط هي عدم قدرة مؤسسة صناعة السياسة الخارجية علي ملاحقة الأحداثrlm;,rlm; واستمرار بعض دوائر السياسة الأمريكية في محاولة فهم
ما يحدث في إطار علاقات القوي القديمة التي كانت تربط واشنطن بأغلب حكومات المنطقة خاصة النظام السابق في مصر. في الوقت نفسه سارعت السلطة الجديدة في القاهرة في التحضير لعودة مصر إلي مكانتها الإقليمية من خلال تصحيح مسار العلاقات ببعض الأطراف الفاعلة في الإقليم مثل حركة حماس وإيران.
ويتبدي انزعاج دوائر أمريكية بعينها من التحول في السياسة الخارجية المصرية في موجة من الزيارات لمسئولين كبار من وزارات الدفاع والخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكي في محاولة لفهم طبيعة التحولات الجارية بعد أن فشلت الدبلوماسية التقليدية التي اعتمدت عليها واشنطن لعقود طويلة في تفسير ما جري عقب الثورة الشعبية التي اقتلعت النظام السياسي السابق وحلت محله حكومة تملك شرعية وإرادة شعبية.
وسوف يكون نصيب القاهرة من زيارات المسئولين الأمريكيين وفيرا خلال الأسبوع الحالي, خاصة بعد توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية. وسائل الإعلام الأمريكية تظهر القلق الظاهر من التوجهات الجديدة للقيادة السياسية في مصر من خلال منطلقات عدة أولها بالقطع مستقبل العلاقات بين مصر وإسرائيل ومصير معاهدة السلام الموقعة قبل30 عاما, وثانيها مدي التقارب بين مصر وإيران وتأثير الأمر علي التوازنات الإقليمية, والأمر الثالث هو تأثير موجة الديمقراطية علي العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وحسب مصدر أمريكي مطلع المشكلة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يردد مقولة أن موقف إدارته هو مساندة الشعب المصري دون أن يحدد أو يطور ما هو المقصود بالمساندة. بمعني أن السياسة الخارجية حيال مصر لاتوجد جهة واحدة تتعامل معها في الوقت الراهن بل تتعدد المنابر التي تحاول فهم التغيير سواء كانت الخارجية الأمريكية أو وزارة الدفاع البنتاجون أو مجلس الأمن القومي الذي يعمل بالقرب من الرئيس في البيت الأبيض. وقد طالت فترة جس النبض مع القاهرة بعد الثورة نتيجة تنازع الاختصاصات والتكليفات ومحاولة جهات بعينها فرض سيناريوهات لإدارة العلاقة في المرحلة الجديدة لا تروق للبعض الآخر من المقربين من الرئيس أوباما. بالعودة إلي الإعلام, هناك صحف تعبر عن توجهات متوازنة في الآونة الأخيرة مثل صحيفة واشنطن بوست التي تعطي الأولوية في معالجة الوضع في مصر لضرورة ترتيب الولايات المتحدة لأولويات السياسة الخارجية في الشرق الأوسط بمنح مصر مكانة متقدمة في المساندة المادية من خلال تعديل سلم الأولويات لتصبح مصر هي الدولة المحورية في التوجه الجديد وتخصيص مساعدات اقتصادية تليق بالثورة المصرية المرشحة لتغيير وجه العالم العربي والشرق الأوسط.
وكان الكاتب الشهير ديفيد إجناشيوس- المقرب من توجهات الرئيس أوباما- قد بادر بمطالبة الإدارة الأمريكية بتعديل الهرم المقلوب للسياسة ومنح مصر أولوية في الدعم الاقتصادي قبل أفغانستان التي تنفق الولايات المتحدة في حربها علي القاعدة هناك حوالي110 مليارات دولار سنويا بينما تحتاج مصر إلي إعادة تحفيز الاقتصاد وبناء دولة ديمقراطية مدنية وتكتفي واشنطن بتقديم150 مليون دولار في صورة مساعدات اقتصادية ومنح للمجتمع المدني. وبصورة أكثر وضوحا, يقول الكاتب روبرت كيجان إن النزعة البراجماتية ـ التي تغلب المصالح القومية الأمريكية ـ تخوض معركة ضد النزعة المثالية في إدارة أوباما حيث يقول البراجماتيون أو النفعيون إن المصلحة الأمريكية تقتضي التمسك بما هو موجود حفاظا علي تلك المصالح. وبالتالي كان رأي تلك المجموعة هو مساندة الرئيس السابق حسني مبارك في بداية الإنتفاضة الشعبية ثم تقدمت المدرسة المثالية ـ التي تروج للمبادئ الأخلاقية في السياسة الخارجية ـ خطوة بعد أن بات واضحا أن أمريكا في طريقها لخسارة سمعتها بشكل كامل لو ظلت متمسكة بموقفها في مواجهة الشعب المصري الرافض للنظام.
وفي تقدير الكاتب ريتشارد سبنسر أن الولايات المتحدة أمام إختبار حقيقي للخروج من تسلط فكرة فرض قيم إمبريالية جديدة ويقول إن مصر هي المرشحة لما سماه الخطة البديلة في النظام العالمي الجديد باظهار فضائل المبادئ الأمريكية في التعامل مع شعبها- وليس محاولة فرض قيم أو سياسات بعينها. في المقابل, تضغط صحف أخري في اتجاه إثارة أسئلة كثيرة بشأن السياسة الخارجية المصرية الجديدة وفي مقدمتها صحيفة نيويورك تايمز الواسعة الانتشار والأكثر تأثيرا عالميا, والتي تستشعر أن التغيير في السياسة المصرية سوف يأتي بالسلب علي إسرائيل ومستقبل التسوية في المنطقة. وما تخشاه دوائر مصرية وعربية وأمريكية أن يعمد اللوبي المؤيد لإسرائيل إلي محاولة فرض وجهة نظر واحدة علي مسار عملية السلام التي تمر بمنعطف حرج, حيث تستعد السلطة الفلسطينية للتوجه إلي الأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل, بينما تؤكد إسرائيل ضرورة أن تنفرد الولايات المتحدة بملف التسوية في تلك المرحلة, خشية تدخل أطراف دولية مثل الاتحاد الأوروبي والمجموعة الرباعية ضد مصالحها.
ومن جانبه, يستعد الكونجرس للنظر في قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية بسبب الاتفاق علي تشكيل حكومة وحدة مع حركة حماس التي تعتبرها واشنطن منظمة إرهابية. وفي ظل التشابك الحالي تبدو فرص الصدام وخسارة الولايات المتحدة لأرضية في المنطقة هي الأرجح من وراء الضغوط الإسرائيلية التي تتعامل بالمعايير القديمة وتروج أن إسرائيل هي الشريك الديمقراطي الوحيد الموثوق فيه في الشرق الأوسط. وقال السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل أورين إن إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي لن تضطر أمامها الولايات المتحدة للاختيار ما بين التمسك بمبادئها الديمقراطية والسعي إلي تحقيق مصالحها الحيوية مؤكدا أن أمريكا في حاجة إلي إسرائيل أكثر من أي وقت مضي!
وهو المنطق الذي رد عليه الباحث الشهير ستيفن والت ـ صاحب كتاب اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية ـ بنقد عنيف قبل أيام. مفهوم ان الدوائر الأمريكية تشعر بقلق من إمكانية وجود التيار الإسلامي في السلطة ـ خاصة في مصر ـ ومفهوم أيضا تحرك اللوبي الإسرائيلي للدفاع عنها في مواجهة إمكانية تحول السياسات الأمريكية في المنطقة لكن المثير للقلق في تلك التوجهات هو محاولة اللوبي دفع الكونجرس إلي تبني الخطاب القديم وحده دون وضع تطورات الثورات العربية, وبخاصة الثورة المصرية, التي وضعت رغبات وإرادة الشعوب في مكانة لم ترتقها من قبل, حيث المنطق السائد لعقود طويلة أن الرأي العام هو آخر من يحسب حسابه في الشرق الأوسط. ومن المنتظر أن يصعد اللوبي من ضغوطه قبل المؤتمر السنوي لكبري جماعات الضغط في الولايات المتحدة إيباك في مايو المقبل في الوقت الذي بدأ التلويح بورقة الانتخابات الأمريكية في وجه الرئيس أوباما قبل أكثر من عام ونصف العام من الانتخابات الرئاسية. غياب رؤية امريكية موحدة للأوضاع في الشرق الأوسط وإصرار بعض تلك الدوائر علي التمسك بقواعد اللعبة القديمة هو مقدمة للوقوع في الخطأ الأكبر وهو تجاهل الشعوب واللعب علي ورقة الضغوط ولو رضخت الإدارة للمنطق السابق فستكون السياسة الأمريكية في منعطف غير معلوم!
قبل زيارات مسئولين أمريكيين للقاهرة هذا الأسبوع