جريدة الجرائد

The Economist : الثورة والقمع في سورية... هل يسقط نظام الأسد؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لندن

قبل أن يطلق الجيش السوري هجومه على درعا، قُطعت الكهرباء والاتصالات عنها ومُنع الناس من الدخول إليها، وتراجعت كمية المياه والخبز المتوافرة، وحُرم المحتجون الجرحى من العلاج، وقد حُجزت أعداد كبيرة من الناس هناك وفي مناطق أخرى، ويشعر مواطنون في بعض أنحاء البلد بأنهم يعيشون تحت الحصار.

بعد التخبّط بين تطبيق الإصلاح وتنفيذ أعمال القمع، قرر الرئيس بشار الأسد شن حملة قمعية بحق المحتجين ضد النظام بزخمٍ متجدد ينم عن يأس واضح، في 22 أبريل، قُتل أكثر من مئة سوري في 14 بلدة مختلفة على الأقل، مما أدى إلى رفع حصيلة القتلى، منذ بدء التظاهرات قبل شهر تقريباً، إلى أكثر من 450 شخصاً.

في 25 أبريل، بلغت أعمال القمع مستوى جديداً من الوحشية، فقد دخلت الدبابات إلى مدينة درعا الجنوبية التي شكّلت نقطة انطلاق الاحتجاجات، ويمكن أن ترتفع حصيلة القتلى إلى مستويات أعلى تزامناً مع تراجع شرعية الأسد بسرعة فائقة.

قبل أن يطلق الجيش هجومه على درعا، قُطعت الكهرباء والاتصالات عنها ومُنع الناس من الدخول إليها، وكذلك، تراجعت كمية المياه والخبز المتوافرة، ويُحرَم المحتجون الجرحى الآن من الحصول على العلاج الطبي، وقد حُجزت أعداد كبيرة من الناس هناك وفي مناطق أخرى، منها دوما، إحدى ضواحي العاصمة دمشق، كما انتشرت الحواجز في شتى المناطق، ويشعر المواطنون في بعض أنحاء البلد بأنهم يعيشون تحت الحصار.

بعد رفع حالة الطوارئ التي استمرت في سورية طوال نصف قرن تقريباً، يبدو أن الأسد لم يعد يستطيع تقديم أي تنازلات أخرى إلى المحتجين الذين يطالبون برحيله وبسقوط نظامه بإصرار غير مسبوق، لكن قد يفكر الأسد بأنه يستطيع استخدام الوسائل نفسها التي ضمنت بقاء والده حافظ الأسد في السلطة طوال 30 عاماً حتى وفاته في عام 2000. حين شن الإسلاميون ثورتهم في عام 1982 في بلدة حماة، يعرف الجميع أن الأسد الأب أمر جيشه بقصف المدينة، مما أسفر عن مقتل 20 ألف شخص.

لقد أظهر الرئيس الراهن أيضاً أنه يستطيع التعامل مع الوضع بكل صرامة: عند قمع الانتفاضة الكردية في شمال شرق سورية، عام 2004، قُتل 30 شخصاً، ولكنه يبدو مستعداً الآن لقتل أعداد إضافية.

الأمن و"البلطجة"

لايزال الأسد يعتمد على ولاء قواته المسلحة والشرطة، وقد حصلت مجموعة منظمة من 'البلطجية' على العصيّ ومسدسات الصعق الكهربائي، في البلدات الساحلية، مثل اللاذقية، أقدمت عصابة معروفة باسم 'الشبّيحة'- وهي على ارتباط بالنظام- على إطلاق النار على المتظاهرين أثناء مرور عناصرها بالسيارات، ويدير الجيش أشخاص مُنتَقون بعناية بسبب ولائهم للنظام، وكذلك، تضم المخابرات، أو الشرطة السرية، عدداً هائلاً من الموظفين الحكوميين.

لقد كان جهاز الأمن، الذي يضم 65 ألف عنصر يعملون بدوام كامل، مسؤولاً عن معظم أعمال العنف، فقد أسس حافظ الأسد هذا الجهاز الأمني بعد فترة قصيرة من الانقلاب الذي نفذه في عام 1970، وتخضع فروعه الخمسة عشر لسيطرة أربع مؤسسات استخبارية أساسية: الاستخبارات العامة، والسياسية، والعسكرية، والقوات الجوية، وهذه المؤسسات، التي ترتبط بشكل طفيف بأي مؤسسة مدنية أخرى، هي فوق القانون وهي التي تتخذ جميع القرارات المهمة، ويقوم كبار المسؤولين فيها بإبلاغ الأسد بالمستجدات مباشرةً.

يشرح أحد المسؤولين المحليين هذه التركيبة قائلاً: 'هم يوفرون الأمن للنظام، لا للدولة، وبالتالي، لا يمكن أن ينشقوا عن النظام مطلقاً'، كما أنهم يتجسسون على بعضهم بعضا، وكان لافتاً خلال حملة القمع الراهنة أن يقوم عناصر تلك الاستخبارات باعتقال أو إطلاق النار على أشخاص منتمين إلى فروع منافِسة لهم.

قد يكون الأسد واثقاً بجهاز أمنه النافذ، لكن يجب أن يقلق من التقارير التي تشير إلى أن بعض الجنود قُتلوا لأنهم رفضوا إطلاق النار على المحتجين، إذ يقول البعض إن الوحدات العسكرية في درعا شهدت انقسامات وانقلابات داخلية، لكن من المستبعد أن يحصل أي انشقاق واسع النطاق، إذ ينتمي عدد كبير من الضباط إلى الطائفة التي ينتمي إليها الأسد أو إلى أقليات أخرى، ويبدي هؤلاء ولاءً استثنائياً للنظام، وحفاظاً على بعض الشكليات، عادةً ما يكون وزير الدفاع سنياً، لكن في عام 2009، أصبح علي حبيب محمود أول شخص علوي يتولى ذلك المنصب منذ سنوات.

الجدل الساخن

في الماضي، كان البعض يشعر بانعدام الثقة بين الحرس الرئاسي والفرقة الرابعة من الجيش، ويسود اعتقاد الآن بأن الطرفين يخضعان لأوامر ماهر الأسد، الشقيق النافذ الأصغر للرئيس، وتُعتبر الفرقة الرابعة موازية لأي ميليشيا خاصة، ويُذكَر أن عدداً كبيراً من الضباط فيها هم أبناء ضباط مخضرمين كانوا في السابق موالين لشقيق حافظ الأسد الأصغر، رفعت الأسد، الذي كان يقود القوات المسؤولة عن قمع تحركات حماة في عام 1982، وهو يعيش الآن في المنفى.

صحيح أن جميع المستأثرين بالسلطة يخضعون لجماعة من المقربين من عائلة الأسد، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان الرئيس نفسه هو المسؤول الوحيد عن مجريات الأمور، فيقول البعض إن ماهر الأسد هو من يتخذ القرارات المهمة من وراء الكواليس، وتشير تقارير كثيرة إلى نشوب جدل محتدم داخل الأوساط الحاكمة بين من يريدون الإصلاح من جهة ومن يفضلون التمسك بالنظام القديم من جهة أخرى، ولطالما ظهر الرئيس بصورة الرجل الإصلاحي الذي لا يميل إلى استعمال القوة.

لكن سرعان ما ثبت العكس! بعد أن انشق نائب الرئيس السابق عبدالحليم خدام عن النظام، في عام 2005، وأعلن انضمامه إلى صفوف المعارضة في باريس، قام الأسد بتطهير نظامه، فطرد أو استبدل عدداً من كبار رجال الأمن وتخلى عمن يشغلون منصب نواب الرئيس، وفي عام 2005، بعد اغتيال رفيق الحريري الذي كان رجل أعمال نافذا، تولى رئاسة الحكومة في لبنان خمس مرات، ألقى كثيرون اللوم على الأسد أو على المقربين منه على الأقل. بعد تلك المرحلة بفترة قصيرة، انتحر غازي كنعان في ظروف غامضة، بعد أن كان وزيراً للداخلية وقد أدار الاستخبارات السورية في لبنان طوال سنوات عدة.

احتكارات الأهل

في مطلق الأحوال، تشمل أوساط النظام الداخلية اليوم ماهر الأسد، وآصف شوكت، صهر الرئيس الذي كان سابقاً رئيس الاستخبارات العسكرية وهو الآن نائب رئيس هيئة أركان الجيش، ورامي مخلوف، ابن خال الرئيس الذي يُعتبر حتى الآن أغنى رجل أعمال في سورية.

وراء هذا الثلاثي النافذ ضمن العائلة الحاكمة، نجد مجموعة من أهم رجال الأعمال الأثرياء المعروفين باسم 'أبناء السلطة'، وهم ينتمون في معظمهم إلى عائلات ضباط عسكريين كانوا مقربين من حافظ الأسد، فكان هؤلاء يسيطرون على قطاعات النفط والغاز والسياحة والاتصالات، وكذلك، من المعروف أن ابن رئيس الاستخبارات السابق، بهجت سليمان، هو قطب إعلامي بارز، ويحتكر ابن مصطفى طلاس- وزير دفاع سابق خدم لسنوات طويلة- سوق السكر في سورية، وحتى الآن، يتمتع الرئيس الراهن بشعبية أكبر من الثلاثي الآنف ذكره وأصدقائهم من رجال الأعمال في أوساط السوريين العاديين.

القفز من السفينة

لكن النظام لا يقتصر على العلويين، فيعتمد الأسد أيضاً على ولاء التجار السُنّة في دمشق وحلب، فضلاً عن دعم الدروز والمسيحيين المختلفين الذين يتولون مناصب عليا، لكن تبرز مؤشرات على تراجع قوة هذا التحالف الواسع الآن، فقد انشق أخيراً عضوان من البرلمان على الأقل، فضلاً عن شيخ قبلي وعدد من الشخصيات المنتمية إلى حزب البعث الحاكم في درعا، وفي 27 أبريل، سرت أخبار مفادها أن 200 عضو من حزب البعث، معظمهم من درعا، استقالوا من الحزب، ويتوقع البعض أن ينشق نائب الرئيس فاروق الشرع عن النظام أيضاً، كونه في الأصل من درعا.

لقد نجح الأسد في توسيع قاعدة نفوذه، وفي هذا الإطار، يقول أحد كبار الدبلوماسيين: 'النظام عزز قوته عبر شراء دعم شريحة واسعة من فئات الشعب، فإذا اعتبر بعض هؤلاء الموالين أنهم لا يملكون شيئاً ليخسروه، فقد تتحول هذه الاستراتيجية إلى نقطة ضعف'.

لطالما اعتمد النظام على استراتيجية 'فرِّقْ تَسُدْ'، وبالتالي، يتم تعيين حكام المحافظات في بلدات لا ينتمون إليها، ويميل المجندون في الجيش إلى العمل في مناطق لا يعرفونها، على صعيد آخر، ظهرت ملصقات على الجدران للتحذير من انتشار الفتنة.

غير أن السبب الرئيس للاضطرابات التي تجتاح سورية الآن يتعلق بالشرخ الكبير بين ما يجب فعله وما يجب الامتناع عن فعله، ولا علاقة له بالجماعات الدينية أو العرقية، إذ راح المحتجون يهتفون بالشعار الشهير: 'واحد! واحد! واحد! الشعب السوري واحد!' معظم السوريين هم من المسلمين المؤمنين، لكن تُعتبر شبكة الإنترنت، لا الدين، صلة الوصل الأساسية بين المحتجين والمواطنين الآخرين.

ربيع دمشق وخريفها

في هذا السياق، تقول ريم علاف، خبيرة في الشؤون السورية في معهد 'تشاثام هاوس' الملكي للشؤون الدولية، في لندن: 'إن المخاوف من اندلاع صراع طائفي أمر مبالغ فيه، فلا أحد يدعي أن جميع المذاهب تحب بعضها بعضا، لكن لا وجود لأي تاريخ من الصراعات الطائفية في سورية ولا أحد يتوق إلى شن صراع مماثل الآن'، وتجدر الإشارة إلى أن ثلاثة أرباع السوريين هم من السُّنة، بينما يشكل العلويون عُشر عدد السكان والمسيحيون عُشراً آخر منهم.

لكن تبرز مشكلة أكبر بالنسبة إلى المعارضة الآن، وهي تتمثل بغياب أي تماسك واضح أو قيادة فاعلة فيها، إذ لطالما كانت الأحزاب السياسية غير شرعية، فقد اعتُقل معظم السوريين الذين أسسوا جماعات مدنية، وفي عام 2001، بعد أن تنفس الشعب الصعداء لفترة وجيزة بعد وفاة حافظ الأسد، في ما يُعرف باسم 'ربيع دمشق'، سرعان ما ضيّق الرئيس الجديد الخناق على المعارضة، وفي عام 2005، انطلق جدل محتدم آخر تزامناً مع إطلاق سراح بعض المعارضين المعروفين، لكن سرعان ما هدأت الأوضاع مجدداً كما يحصل في الأحوال الطبيعية.

النزول إلى الشارع

لكن لم تختفِ المعارضة في المنفى، وهي تضم خدّام في باريس، و'الجماعة الإسلامية للعدالة والتنمية' في لندن، و'حزب الإصلاح' برئاسة فريد غادري في واشنطن، وداخل سورية، بدأ بعض الموقعين على إعلان دمشق- وهو عبارة عن تحالف بين السوريين العلمانيين والأكراد والإسلاميين الذين اجتمعوا في عام 2005- بالتعبير عن مواقفهم وهم على اطلاع تام على الأوضاع، وكذلك، وقع أكثر من 150 شخصاً على مبادرة وطنية جديدة لإحداث تغيير ديمقراطي.

بعض هؤلاء الأشخاص كانوا قد وقعوا سابقاً على إعلان دمشق، ويضم هؤلاء أفراداً علمانيين، وإسلاميين، وأكراداً، وناشطين شباباً نزلوا في الفترة الأخيرة إلى الشوارع في مدن سورية المختلفة، وقد اضطرت شبكة من الناشطين الشباب، منهم سيدات بارزات مثل سهير الأتاسي، إلى الاضطلاع بدور سياسي علني أكبر، وكذلك، عاد الكتاب الشباب والناشطون في مجال حقوق الإنسان إلى الواجهة بعد أن كانوا يمارسون الضغوط في قضايا عدة مثل اللاجئين العراقيين، ويُعتبر رياض الترك، رجل الأعمال السُّني الذي أمضى 25 عاماً في السجن، أحد الشخصيات المحترمة التي تدعم المعارضة.

للمرة الأولى منذ سنوات، قدّم المحتجون للسوريين فرصة مناقشة مستقبلهم خارج إطار حزب البعث، وقد وافقوا جميعاً على ضرورة وضع حد لحكم الحزب الواحد.

لا شك أن 'الإخوان المسلمين' سيستفيدون من سقوط الأسد، إذ لايزال بعض أعضاء هذه الجماعة محكومين بالإعدام، لكن يجد قادتهم المنفيّون صعوبة في نشر رؤية تناهض استعمال العنف. يقول محمد رياض الشقفة، قائد الفرع السوري لـ'الإخوان المسلمين'، مقره لندن، إنه لا يريد قيام دولة إسلامية، لكن يخالفه الرأي الإسلاميون والسنّة في سورية، إذ يرفض معظمهم مفهوم الإسلام السياسي، ولطالما اضطرّت الأحزاب السنية المتطرفة إلى العمل سرّاً، لكن يشك معظم المراقبين في أن تلك الأحزاب ستحظى بشعبية واسعة في حال أصبحت شرعية.

لقد انتقدت الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية النظام السوري بسبب استهدافه للمحتجين، في حين فضّلت جميع الحكومات العربية تقريباً التزام الصمت، خوفاً من اندلاع صراع طائفي في حال تدهور الوضع أو توسع الاضطرابات، وتتشارك تركيا من جهتها الحدود مع سورية على طول مسافة 900 كلم وهي تخشى تدفق اللاجئين إليها، ولاسيما الأكراد منهم، وقد تمتعت الحكومة التركية بعلاقات حسنة مع الحكومة السورية في السنوات الأخيرة، ومع ذلك، حث رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الرئيس الأسد على الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس للتعامل مع المحتجين، ولكن من المستبعد على ما يبدو أن يصغي الأسد إلى تلك الكلمات، لكن حتى لو استمر بقتل عدد إضافي من المحتجين، سرعان ما ستنقلب حدة الأحداث المتسارعة ضده.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف