انسوا .. وتذكروا .!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حسين شبكشي
مات أسامة بن لادن وانشغل الناس في التنظير لكيفية موته ووقت حدوث ذلك، وبات لا همّ لهم الآن سوى الاطلاع على "صورة" تثبت وفاته وتدحض أنه مات وقتما قتلته القوات الأميركية الخاصة، وذلك بحسب الرواية الرسمية للإدارة الأميركية. الأهم في هذه القصة هو معرفة أن لكل منتج عمرا افتراضيا، أي منتج له مرحلة عمرية محددة تبدأ بالانطلاق ثم بالرواج وبعدها النضوج ثم الانحدار، وهذا ما حدث مع "القاعدة" وأسامة بن لادن؛ فقد تم "استنفادهم" وبالتالي انتهى عمرهم الافتراضي في السوق السياسية، وباتت هناك بضاعة أخرى أكثر رواجا، وطبعا أكثر قبولا في السوق، وهي بضاعة الثورات والشباب، فهي منتج لقي قبولا من شرائح مختلفة وبنجاح أولي منقطع النظير، لأنها اعتمدت على الاعتراض السلمي اللاعنفي، على عكس عقيدة "القاعدة" ومن هم على أشكالهم، الذين يكرسون ويروجون للعنف والدم كوسيلة تغيير وإصلاح.
عندما روج لفكرة اللاعنف من قبل مالك بن نبي وجودت سعيد وخالص جلبي، وطرحوا ما طرحوا كفكر جديد وأصلوه شرعا بشكل أخلاقي وجميل، قامت عليهم القيامة، واعتبروهم متزندقين وفسقة، كعادة المتطرفين في ردودهم على كل من يتحدى منظومتهم الفكرية، ولذلك تأتي هذه الحركات السلمية في سوريا واليمن لتدعم أن التغيير السلمي يثبت نجاعته، وسيثبت ذات الشيء إذا انطلق ضد الصهيونية في الداخل الإسرائيلي نفسه. "القاعدة" ولدت تطرفا وكرست تشددا وخلفت فتنا ورعبا بين المسلمين أنفسهم، وبات المسلمون مدانين حتى تثبت براءتهم في عيون أنفسهم وفي عيون الغير أيضا.
وأذكر قصة طريفة حدثت لصديق من رجال الأعمال ويعمل في مجال المقاولات، وكان في زيارة للولايات المتحدة الأميركية لظروف صحية خاصة، واتصل بشركته ليطمئن على سير أعماله؛ فسأل محاسبه عن أخبار العمل، فأجابه: "إن كل المشاريع بخير، ولكن لدينا مشكلات مع (بن لادن) بخصوص مشروع (القاعدة)" وكان المحاسب يتحدث عن شركة "بن لادن" للمقاولات العملاقة، وكان لديه مشروع توريد من الباطن معها لصالح عقد يخص تنفيذ مقاولات في قاعدة بحرية! وطبعا أصاب صديقي مغص شديد واضطراب في الأعصاب من جراء ما قاله المحاسب في المكالمة، وظل يتصبب عرقا لمدة ثلاثة أيام، استنفد فيها كل المناديل الورقية التي كانت عنده، وذلك خوفا من تبعات تفسير المكالمة، إذا ما كان أحد يتنصت عليها ويفهم محتوياتها بشكل خاطئ! ولكنه نموذج من مشاهد الرعب التي كان يعيشها المسلمون بشتى أشكاله.
ولعل من أهم أسباب سقوط "القاعدة" بشكل مدوٍّ هو نفاد وجفاف مصادر التمويل التي كانت متوفرة لها. دائما ابحث عن المال! المال والتبرع والعواطف التي وفرت خطوط الحياة لهذا التنظيم الإرهابي انتهت، وبالتالي صعب ذلك من إمكانية استمرار وتوظيف واستقطاب الشباب وشراء السلاح وإطلاق المواقع ونشر الدعاية وتوفير الخدمات بمختلف أشكالها.
المسلمون اليوم مطالبون بالتمعن بعمق في النماذج التي تنفعهم وتضيف إلى حياتهم وإلى الفكر الذي أثبت جدارته وتعلق الناس به عبر السنين، وليس على الشواذ والاستثناء الذين أثبت الوقت ضررهم وبطلان ما قالوا وعملوا. الصورة التي يبحث عنها الناس كدليل وفاة وإدانة ليست هي القصة، ولكن القصة في الأقوال والأفعال والمواقف والآراء التي ولدت الفتن وأراقت الدماء وشرخت النفوس ومزقت الأمة. فلتدفن "القاعدة" هي الأخرى وتلحق بمؤسسها، ولنسكب عليها تراب النسيان ونتحرك للأمام، استهلكتنا "القاعدة" وقضيتها سنوات من الزمن، ودفعنا بسببها الثمن، وكل الأمل أن لا تستهلكنا أسباب وفاة زعيمها وصورته وحكايات لا تقدم ولا تؤخر أزمانا أخرى على حساب قضايا أهم وأنفع. انسوا بن لادن وتذكروا بوعزيزي!