المصالحة الفلسطينية... وعراقيل التطبيق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جوشوا ميتنك - رام الله
غداة التوقيع على اتفاق المصالحة بين "فتح" و"حماس" في القاهرة خلال الأسبوع الماضي يجد الفلسطينيون أنفسهم وسط أجواء من التفاؤل بشأن "الربيع العربي" ودوره في المساعدة على جسر الهوة بين الطرفين وإصلاح ذات البين بعد قطيعة دامت أربع سنوات لتعزيز مطالبهم بإقامة دولة مستقلة.
وعن هذه المصالحة يقول "باسم الزبيدي"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "بير زيت" بالضفة الغربية "أغلب الفلسطينيين يحبذون الوحدة الوطنية لأنها تمنحهم شعوراً بالقوة في مواجهة إسرائيل"، لكنه اعترف أيضاً "بالعقبات الكثيرة" التي تعترض طريق المصالحة واحتمال "تفجرها".
والحقيقة أنه في الوقت الذي تواجه فيه الدول العربية مشاكل إقامة أنظمة جديدة بعد الإطاحة بتلك القديمة، يدرك الفلسطينيون أنه من الضروري رص الصفوف وإنجاز الوحدة الوطنية بين حكام غزة الإسلاميين وبين الطرف الآخر الذي يدير الضفة الغربية ويحظى بدعم من الغرب.
ومع ذلك تظل الخلافات بين الفصيلين قائمة كما أظهر ذلك التباين في المواقف بين "فتح" و"حماس" إزاء مقتل زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، ففيما استنكر القيادي في حركة "حماس"، إسماعيل هنية، يوم الاثنين الماضي الغارة الأميركية التي أودت بحياة بن لادن، رحبت من جهة أخرى السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها، "فتح"، بمقتل بن دلان، وعبر رئيس الوزراء، سلام فياض، عن أمله في أن يشكل ذلك "نهاية مرحلة قاتمة".
ورغم أجواء التفاؤل السائدة بين الفلسطينيين وعدم رغبتهم في الحديث كثيراً عن المخاطر، لا يمكن إغفال الاختلافات بين قادة "فتح" و"حماس" وتأويلاتهما المتضاربة أحياناً بشأن القضايا الأساسية المتعلقة مثلًا بمعنى الكفاح المسلح ضد إسرائيل، والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والدولة العبرية.
فقد أوضح "فاضل حمدان"، العضو في المجلس التشريعي من حركة "حماس"، أن الحركة لن تتخلى عن المقاومة ضد إسرائيل إلا في المرحلة الأخيرة لأي اتفاق.
وكانت الحركة قد أعلنت في وقت سابق استعدادها التوقيع على هدنة مفتوحة مع إسرائيل دون أن يرقى ذلك إلى اتفاق سلام نهائي.
هذا ووصف "فاضل" التنسيق الأمني بين السلطة وتل أبيب "بالإشكالي"، مشيراً إلى أن التنسيق الأمني لا يساعد الشعب الفلسطيني في مواصلة كفاحه ضد الاحتلال. وفي المقابل يجادل "عزام أبو بكر"، المسؤول في حركة "فتح"، أن التنسيق الأمني مع إسرائيل من الضرورات اليومية لأنه يمنع اجتياح الجيش الإسرائيلي للمدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وفيما يتعلق بالكفاح المسلح أشار "أبو بكر" إلى أنه بموجب اتفاق الوحدة الوطنية لا يمكن استخدام السلاح ضد إسرائيل.
والأمر لا يقتصر حسب أستاذ العلوم السياسية، "الزبيدي"، على العقيدتين الأمنيتين المختلفتين لحركتي "حماس" و"فتح"، بل تمتد الخلافات إلى الشارع الفلسطيني نفسه.
وهو ما يعبر عنه "سعيد صلاح"، عامل البناء الفلسطيني الذي يعمل في المكتب الجديد لرئيس الوزراء، قائلاً "لا يمكن لرأسين أن يجتمعا تحت قبعة واحدة، وأشد ما نخشاه نحن الفلسطينيين أن تنتهي المصالحة إلى كابوس".
لكن رغم تخوف البعض جاء الإعلان عن المصالحة الفلسطينية في الأسبوع الماضي مفاجئاً للجميع وغير متوقع، لا سيما بعد سلسلة المحاولات التي انطلقت منذ عام 2007 وآلت جميعها إلى الفشل، وهو ما دفع الرأي العام الفلسطيني إلى التعبير عن مرارته من استمرار الانقسام، متهماً الفصائل الفلسطينية بتغليب مصالحها الضيقة على حساب المصلحة الوطنية.
هذا ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبته حركات الشباب العربية في تحريك الساحة الفلسطينية، حيث خرجت في شهر مارس الماضي مظاهرات شبابية في الأراضي الفلسطينية مطالبة بإنهاء الانقسام والتعجيل بالوحدة الوطنية، وهو ما يعتقد المراقبون أنه مارس ضغوطاً على النخبة الفلسطينية لرأب الصدع وطي صفحة الخلاف.
ومن العوامل الأخرى التي يرى المراقبون أنها قد تكون سرعت التوقيع على المصالحة، بالإضافة إلى المحيط الإقليمي المضطرب، وصول عملية السلام والمفاوضات بين محمود عباس والحكومة الإسرائيلية إلى طريق مسدود، وبغياب أفق حقيقي للسلام وإمكانية تحريك الجمود الحالي بدت الخلافات بين الفصائل الفلسطينية أقل شأناً من التناقض الأهم بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.
واليوم في ظل المساعي التي تبذلها السلطة الفلسطينية لحشد التأييد الدولي لمشروع الدولة الفلسطينية المتوقع طرحه على الأمم المتحدة في الأشهر القليلة المقبلة، تأتي المصالحة الوطنية لتمثل خطوة إيجابية لتعزيز التطلعات الفلسطينية.
وحتى تتجسد المصالحة على أرض الواقع الفلسطيني، ويُكتب لها النجاح يتعين على الفصائل الفلسطينية الالتزام بما نصت عليه الاتفاقية من تنظيم للانتخابات في غضون عام وتشكيل لجنة مشتركة للتنسيق الأمني واختيار أعضاء الحكومة الجديدة من التكنوقراط المتوافق عليهم، وهو ما يستدعي عملاً مكثفاً على جميع النواحي لمتابعة التنفيذ والتغلب على العقبات المرتقبة والحفاظ على الروح الإيجابية التي سادت في الفترة الأخيرة وقادت إلى المصالحة الفلسطينية.