لماذا يريد المصريون إلغاء كامب ديفيد؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إميل أمين
في الفترة الممتدة بين 24 مارس الماضي و7 إبريل المنصرم، أجرى مركز بيو الأميركي الشهير لأبحاث الرأي في واشنطن، استطلاعا بين عينة من المصريين، حول موقفهم من اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل العام 1979، وقد جاءت النتيجة تشير إلى أن 54% من المصريين، أي أكثر من النصف، يرغبون في إلغاء تلك المعاهدة، مقابل 36% فقط يفضلون الإبقاء عليها.
وعلامة الاستفهام في هذا المقام: لماذا يريد غالبية المصريين إلغاء المعاهدة التي وقعها الرئيس السادات؟
الثابت أنه إذا تركنا كل الإجحافات الكائنة في الاتفاقية، وفي مقدمتها بقاء سيناء منزوعة السلاح، فإن المصريين أو جلهم، مع ذلك قد حلموا بأن تلك الاتفاقية، ستأتي بالأمن والاستقرار الداخلي، وبتحسن حالة الاقتصاد المصري من ناحية ثانية. وقتها تنادت أصوات كثيرة بأن هذه أحلام، سيما وأن لإسرائيل استراتيجيات أساسية، تبطل أحلام المصريين، كيف ذلك؟
تأصيل الحديث عن إسرائيل يعود بنا ولا شك إلى الفكر التوراتي، فإسرائيل دولة دينية تنطلق من رؤى دوغمائية لا تحيد عنها، وغالبية أسفار التوراة، تعادي مصر عداوة بالغة الضراوة.
نقرأ على سبيل المثال، ما يكتبه أشعياء بن أموص، أحد أنبياء بني إسرائيل، إذ يقول في سفره "سأفني جماهير مصر، بيد نبوخذ نصر، فتمتلئ أرضها بالقتلى، وأجفف مجاري نهر النيل، وأبيع الأرض لقوم أشرار، وأضرب البلاد فيها بيد غرباء، أنا الرب قضيت".
هل يمكن أن يقوم سلام أبدي ممتد بين المصريين والإسرائيليين وهذه الخلفية العقائدية قائمة؟
الجواب عند ديفيد بن غوريون، عمود الخيمة في إنشاء دولة إسرائيل الحديثة، والذي يقرر بأنه "لا سلام مع العرب، وأن أي اتفاق يعقد مع العرب كضرورة مرحلية، لا يمكن أن يكون السلام غايته، من حيث ان أي اتفاق مع العرب لن يخرج عن كونه وسيلة مرحلية، تتيح للدولة الصهيونية بناء قوتها وترسيخ أقدامها بالاستفادة من ظروف السلم، أما الغاية فتظل التحقق الكامل والحرفي للمشروع الصهيوني بكل أبعاده".
هل لا يزال قادة إسرائيل أمناء على كلمات بن غوريون التي أدركها المصريون، ومع ذلك ربما حاولوا إعطاء إسرائيل فرصة لتبيان أي نوايا سلمية تجاه مصر؟
بكل تأكيد وتحديد؛ نعم. وخير دليل على ذلك، تلك العبارات التي تفوه بها "عاموس يدلين"، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، خلال تسليمه خلفه الجنرال "افيف كوخي" مهامه في نهاية أكتوبر الماضي، عندما قال "لقد أنجزنا خلال الأربع سنوات والنصف الماضية، كل المهام التي أوكلت الينا، واستكملنا العديد من التي بدأ بها الذين سبقونا...". ماذا عن تلك المهمات وأين موقع وموضع مصر منها؟
يقر عاموس بالتالي "أبدعنا في مصر، نجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما ومنقسمة إلى أكثر من شطر، في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر".
هذه هي إسرائيل، وهو كلام ليس جديدا عليها، ففي مذكرات "موسى شاريت" وزير الخارجية ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق، يقر بأنه لا بد من تفتيت الدول العربية من الداخل. ويعطي لذلك مثالين: مصر، ولبنان. ولهذا يحث إسرائيل على أن تسعى لتشجيع الموارنة على نحو خاص، من أجل إقامة دولة مستقلة لهم في لبنان، وكذلك حتمية استخدام الأقباط كأداة لتحقيق مثل هذا الهدف لاحقا، أي العمل في الأوساط القبطية من أجل تشجيعهم على الانقسام وإثارة المشاكل للدولة المصرية.
كانت هذه هي سطور شاريت على مشارف عام 1952، والتي هي ماضية قدما ولا شك حتى الآن. فهل هذا هو نتاج كامب ديفيد فقط؟
ليس بعد، فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يبدو أنها تصر على تحقيق نبوءة تجفيف نهر النيل، وما تقوم به إثيوبيا الآن من بناء سدود وتغيير لمعاهدة المياه الخاصة بالنيل، يجري ولا شك بتأثيرات إسرائيلية، وآخرها كانت الزيارة المشؤومة التي قام بها وزير خارجية إسرائيل "أفيغدور ليبرمان"، إلى عدد من دول القارة السوداء وفي مقدمتها إثيوبيا، التي لا تزال موئلا لأساطير عن الوجود التاريخي هناك منذ زمن الملك (النبي) سليمان. وقد اصطحب ليبرمان معه وفدا عسكريا، وترددت أنباء وقتها تفيد بأن إسرائيل تسعى إلى تسليح إثيوبيا تحسبا لأي مواجهة عسكرية مع مصر، تحديدا بسبب مياه النهر.
لم تتوقف إسرائيل كذلك طوال العقود الثلاثة الماضية، عن إرسال جواسيسها لمصر، وقد كبدت الاقتصاد المصري خسائر فادحة عبر صفقة توريد الغاز الطبيعي المشبوهة، وباتت قصة "الكويز" ملهاة ومأساة أكثر من كونها دعما للاقتصاد المصري.
مصر الرسمية تؤكد الحفاظ على المعاهدات الموقعة من قبلها، لكن إسرائيل بعنصريتها تدفع العالم لرفضها، وتدفع ذاتها داخل أكبر غيتو في تاريخ شعبها، غيتو دولة إسرائيل، وفي هذا فناؤها الأدبي، وربما نهايتها المادية.