جريدة الجرائد

الملك عبدالله الثاني والسعي الى السلام في زمن الخطر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

منى سكرية


الموقع الجيوسياسي لمملكة الأردن جعلها في عين الاعصار أو الاستقرار.

هذا ما يوضحه الملك عبدالله الثاني في كتابه - المذكرات بعنوان "فرصتنا الأخيرة - السعي نحو السلام في زمن الخطر" (دار الساقي - لندن - بيروت). وتكاد مقدمة الكتاب تختصر ما أراد الملك قوله (بما سمح بقوله؟)... ومعها تبرز بعض من ملامح شخصيته كالصراحة والجرأة، مبرراً ذلك "بلغتي العسكرية".

وإذ تطفو مرارة الملك الأردني من إخفاقات عملية السلام "حيث منسوب التفاؤل أكثر انخفاضاً من منسوب المياه"، (مقارنة مستوحاة من شح المياه في الأردن)! فإنه يتهم إسرائيل بذلك، ويرى أن الحل "على أساس الدولتين"، ينزع "أي تبرير معنوي - أخلاقي لاستمرار الصراع". ولكن، هل ما يتوسله الملك عبد الله لمسه أو لامسه في حراكه السياسي من أجل السلام؟

هنا ننقل واقعة من تلك الوقائع التي ترسم ملامح مرارته من السعي الى السلام مع إسرائيل وتتعلق بالمبادرة العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة بيروت عام 2002 فيقول: "... أصابتني الدهشة من رفض إسرائيل، وحتى بعض أعضاء الإدارة الأميركية هذه المبادرة بالمطلق. وتبيّن لي من خلال محادثاتي في ما بعد مع العديد من هؤلاء انهم لم يكلفوا أنفسهم حتى قراءتها (ص-19)... كما يبدي تعجبه من تعجب الإسرائيليين عندما شرحت لهم معنى جملة "يتفق عليه" الواردة في البند المتعلق بعودة اللاجئين؟!

ويبدي الملك انزعاجه من القول بصدام الحضارات، متأففاً من وصف العربي والمسلم في الغرب بالإرهابي، والايرلندي بالناشط السياسي.

وعلى وقع أحداث المنطقة، روى الملك عبدالله الثاني سيرته الشخصية المواكبة لتلك الأحداث، أو لتلك التي من أرشيف العائلة، منذ بروز جده الأكبر الشريف حسين بن علي، الى الضابط البريطاني "لورنس العرب" "وكان جدي الأكبر الملك عبدالله الأول يراه شخصية غريبة الطباع، الى وعد بلفور وإقامة وطن قومي للشعب اليهودي، و "إرهاب المنظمات الصهيونية"، و "اعتراف الرئيس الأميركي ترومان بإعلان تأسيس إسرائيل في 14 أيار (مايو) 1948 بعد 11 دقيقة من الإعلان"، وتبعه الاتحاد السوفياتي، ثم مفاوضات الهدنة في رودوس بين جده والوفد الإسرائيلي، واستعانة جده الذي كان "يفهم اللغة الإنكليزية ولم يكن يتكلمها"، بوالده مترجماً له، واغتيال جده الأكبر الملك عبد الله الأول، وتولي جده طلال بن عبدالله العرش و "كان يعاني نوعاً من مرض الفصام"، ثم تولي والده الملك حسين العرش ليكون "شاهداً على حروب وسلام مع إسرائيل واغتيال شريكه رابين" عقاباً له ... الى صعود نجم عبد الناصر، و "قرار إسرائيل بالتحضير لحرب 1967 تحت غطاء اتهامه بالتحضير لها"، ومحاولة العمل الفدائي "إقامة دولة ضمن الأردن". لدرجة أن والدتي الأميرة منى الحسين البريطانية الأصل لم تكن تغادر المنزل من دون أن تضع الكلاشنيكوف على المقعد الى جانبها"... شارحاً للأحداث التي أدت الى أيلول الأسود "وخروج ياسر عرفات من السفارة المصرية بعباءة نسائية سوداء".

بعد تعرض والده لـ18 محاولة اغتيال، انتقل لقب ولي العهد منه الى عمه الامير الحسن، ليتبعها نقل آخر الى مدرسة سانت إدمند في بريطانيا و "عمري 6 سنوات"، ثم في المدرسة الداخلية في إغلبروك في ولاية ماساتشوستس عام 1972 مع شقيقي فيصل حيث "أشعرني الطلاب اليهود بأنني شخص غير مرحب به".

من كليــة ساند هرست العسكريـــة، وأسفه "لحرمانه من تلقي التعليم الجامعي"، عاد الى الأردن العام 1983 و "بداية المعاناة مع كبار الضباط في الجيش ومحاولاتي تحديث الجيش" لأنه "كان علينا ان نبقى مستعدين في كل لحظة لمواجهة جارنا صاحب السلاح النووي، على رغم حالة الحرب الباردة مع إسرائيل"... ليعود ويكشف عن أول مهمة سرية الى العقبة للاجتماع مع أحد مسؤولي الموساد، واصفاً التوتر الذي انتابه الى "أرض العدو" بأنه "عبء ثقيل... ثم مرافقته والده الى بغداد، مقارناً بين منزل والده و "يحتوي عشر غرف" وقصر الرضوانية" وكان يضم مئات الغرف، و "عدم مشاركتنا قصي وعدي ذوقهما في الملابس"... ولاحقاً وساطة الملك حسين عند بوش الأب كي لا يخرج صدام بالقوة من الكويت "لكن بوش كان قد إتخذ قراره"، الى اتفاق أوسلو "وغضب والدي من إخفاء عرفات عنه هذا المسار".

بعد حرب الخليج الثانية تدفق الفلسطينيون من الكويت الى الأردن، وكان بينهم رانيا الياسين... رانيا التي صارت الملكة رانيا والتي تستحوذ الكثير من أخبار الملك في صفحات كتابه حتى ليبدو أن الحكم في المملكة الأردنية هو الملك والملكة وقليلاً رئيس جهاز الاستخبارات، تماماً كما كان بين الملك عبدالله ووالده الملك حسين، وبين الملك حسين وجده الملك عبدالله الأول... "رانية الذكية والديبلوماسية والتي تحب الشوكولا"... وأنا "الذي أحب الطبخ كوسيلة للاسترخاء والترويح عن النفس"، ملمحاً الى "رفع منسوب الغيرة لدى البعض من رانية"، ومنها "العلاقة الفاترة مع الملكة نور".

بكثير من الطرافة يصف زيارته الى كوريا الشمالية وتناوله "قبيل الفجر الحساء كعربون صداقة"، الى تعيينه قائداً للقوات الخاصة، مروراً بتوقيع اتفاق السلام في البيت الأبيض بين رابين ووالدي "وكلاهما متمرس في التدخين"، وكان هذا لقاءهما العلني الأول... ولكن بعد اغتيال رابين "لم يخط على طريقه أي من قادة إسرائيل".

يستحوذ الجانب العسكري في حياة الملك عبدالله الثاني ممارسة ولغة على جوانب في شخصه، مبدياً مرارة من أن مهنته العسكرية "أعدتني لأكون عرضة لاطلاق النار، ولم تعدني للحياة السياسية"، فيحكي عن انتقال السلطة له بعد مرض والده بالسرطان بدلاً من عمه ولي العهد الأمير الحسن "والمشاعر المتفاوتة للمحيطين به".

وفي الصفحة 191 يبدأ الملك عملياً ممارسة دوره السياسي بعيداً عن ظل الوالد، وفي بناء علاقاته مع القادة، مميزاً بين رئيس وآخر، منوهاً بالملك عبدالله بن عبدالعزيز (وكان يومها ولياً للعهد) وقد التقيته الى مأدبة عشاء في جدة "وأخبرني كيف كان يصيب السيجارة بمسدسه، وعن زيارته سورية "ولم أكن أعرف الكثير عن الرئيس حافظ الأسد"، لكنه يتحدث "عن لقاء جرى بين الأسد وصدام حسين بترتيب من الملك حسين في منطقة الجفر الصحراوية، وكيف أن اللقاء بدأ بعد الظهر (أواسط الثمانينات خلال الحرب العراقية - الإيرانية) وانتهى فجراً ليسأل الملك حسين صدام حسين عن أجواء اللقاء فقال له أنه لم يتكلم من كل هذه الساعات سوى ربع ساعة فقط"!. أما العلاقة مع الرئيس بشار الأسد فقد تطورت "وأطفالنا أصدقاء".

ويسرد تداعيات حادثة 11 أيلول (سبتمبر)، وتركيز بوش على العراق، وإيمانه "بأن الحرب عليها واجب ديني"، و "نأي العديد من القادة في الشرق الأوسط بأنفسهم عن واشنطن في تلك الفترة تعبيراً عن استيائهم من سياسة بوش وحكومته"، وعدم مشاركتي في القمة العربية في بيروت العام 2002 "بسبب وجود محاولة لاغتيالي" (لم يذكر الجهة)...

يصف الملك عبدالله "الحرب التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد العراق بالخطأ الكبير"، لافتاً الى خداع البيان الرسمي البريطاني، واختراق الطائرات الإسرائيلية لأجواء الأردن باتجاه الحدود العراقية - السعودية قبل بدء الحرب على العراق، والى "قدرتي على انتزاع سر شواء اللحم من إبن تكساس الجنرال تومي فرانكس"، مشيراً الى "عنجهية بريمر"، وحليفه أحمد الجلبي "الذي يتقاضى 350 ألف دولار شهرياً من البنتاغون"، على رغم تحذيري بوش منه، والى "صدمتي" من تحذير ليز ديك تشيني وولفوفيتز "لي".

في العام 2003 زار إيران، كاشفاً عن "طلب مسؤولين مني التوسط لفتح قنوات حوار مع واشنطن حول مستقبل العراق، واستعدادهم لتسليم القوات الأميركية حوالى سبعين رجلاً من تنظيم القاعدة لجأوا إليهم"... وعن ترحيب السيد خامنئي "بي كهاشمي".

صراحة الملك لم تمنع تناقضات، فتارة صدام حسين "علماني" وتارة أخرى هو "قائد سني"، مرة "موقف ضد إيران" ومرة "استعانة بخبراتها لتحديد النسل"، موضحاً مقولته عن "الهلال الشيعي". وكما في تركيز الأميركي على العراق، - يقول - وإهمال تسوية الصراع مع إسرائيل، تجدد تركيز إسرائيل عند اوباما "على إيران ثم إيران ثم إيران"، و "فعل نتانياهو الأمر نفسه معي".

لا شيء يوحي مما ورد على لسان الملك عبدالله الثاني بأن إسرائيل تريد السلام، فيشيد باللواء المعروف باسم لواء الله في الجيش الأردني لحلمه "في إمكانية استعادة أراضينا المحتلة". ما الفرق بين لواء الله الأردني، وحزب الله اللبناني وأهدافهما؟ وألا يمكن للعرب الوقوف أمام إشارة الضوء الحمراء قليلاً، كما فعل السائق البريطاني وهو ينقل سفير الأردن في لندن زيد الرفاعي المصاب بطلقات رصاص الاغتيال والنازف دماً (عام 1971) حين خاطبه: "سعادة السفير، نحن أمام إشارة ضوئية حمراء"؟!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف