متى يتعلم البعض فقه الحرية في سورية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خالد هنداوي
إن الحرية كلمة غالية نفيسة ترتسم على كل ألسنة البشر ولا يمكن أن ينكرها بمفهومها السليم إلا كل مختل مضطرب في الفكر والسلوك والدراية بأحوال حياة الناس، ويكفي أن نقرأ أن أي إنسان منذ أن يظهر على مسرح هذه الدنيا فإنه يجب أن يتمتع بحق الحرية لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة.". والفطرة تقتضي الحرية ولذلك فإن أي مخالفة لهذا الأمر الذي وهبه الله للإنسان تعتبر اعتداء صارخا على أصل تكوينه جسدا وروحا منذ البداية ولا بأس أن نذكر هنا بشاهد لمثل هذا الأمر وهو الذي يتمثل في حكم ذكره الفقهاء وهو أنه لو عثر على صبي صغير مجهول النسب فادعى رجل مسلم أنه عبده وهو سيده وادعى رجل كافر أنه ابنه حكم به له لا للمسلم وذلك لأجل أن ينشأ هذا الطفل حرا لا عبدا ثم الله كفيل بهدايته إلى الإسلام أو عدم هدايته، إذ المهم هو أن يشم رائحة الحرية من أول حياته وأن تتنفس رئته هذه الحرية لأن الحرية هي أيضا رئته التي لا يعيش من دونها وهذا يصدق على المجتمع كذلك فإذا ما كان حامل هذه الرئة كان حرا وعاش الناس فيه بأنعم سعادة وإلا عم الشقاء واستفحل البلاء إذ ثمة فرق كبير بين جنة الحرية وجهنم العبودية وإذا كان ذلك كذلك فإن الإسلام جعل الناس أحراراً في اختيار معتقداتهم وأفكارهم وتعابيرهم (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي...)، "البقرة: 255"، وغاية نظرة الإسلام في الدعوة إلى دينه القويم أنه يعرض ولا يفرض أبداً النظرة الإسلامية عند المسلمين هي فيما ذكره ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر أن العقل أصل الشرع والإسلام يحترم عقول الناس ولا يستخف بها فيجبرها أن توافق على ما لم تقتنع به وتنحصر مهمته في التبليغ والدعوة والتنوير (وهديناه النجدين)، "البلد: 9".
ومن المعروف أنه في حين كان هذا الإسلام يعمل على تحرير الإنسان في هذا الجانب كنا نرى مواطني أوروبا يزدادون ذلاً وعبودية ويتغطرس قادتهم وأحبارهم معتدين على العقل والحرية وما يزلل إسلامنا الحضاري والحمد لله ينصب علامات ومنائر الهداية لإنارة حياة الحرية وطمس ظلام العبودية ماديا ومعنويا وإنما الإشكال الخطير هو في انحراف الحكام الظلمة عن هذا المنهج لأن فتيل الحرية يحرق مناصبهم ولعل في المفهوم الغالب عن هذه الحرية أن يراد بها على وجه الحقيقة اليوم حرية الفكر والتعبير بالرأي والرأي الآخر وبحوار الذات وحوار الآخر وأن كل إنسان في ظلال الحرية موجود ومعتبر ويشعر أن له معنى جوهريا في الحياة يشارك مع الآخرين أدوارهم على مختلف الأصعدة والمستويات، حيث يدرك أن الحرية هي بداية كل تقدم وتحضر ولا يمكن أن يسلبها فهي ليست علماً يدرس أكاديميا ولكنها حاجة إنسانية كالطعام والشراب والهواء والماء وأن العدالة بين بني البشر لا يمكن أن تتحقق بغير الحرية، هذه الحرية التي وضع لها الإسلام ضمانات حقيقية لا يمكن لأحد أن يلعب بها كما يشاء وأنه متى ما التزم الحاكم والمحكوم بصيانتها وحراستها حل الأمن الخارجي والداخلي في البلاد ولم يتمكن أي طاغية مهما امتلك قوات خارقة من سلطان وجاه ومال وأتباع أن يبقى محتكراً لها طويلاً دون مراعاة لحقوق الشعب لأنه في النهاية سيظهر أن هذا الشعب أقوى منه ومن سلطته وباطله واستبداده وأن هذا الشعب وإن أرهقته الأمراض التي سببها الحاكم غالبا فسرعان ما يتعافى وينتفض ويثور كما حدث عبر التاريخ وحدث اليوم ويحدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وأن الفكرة القوية والمبدأ الثابت حيث المطالبة بدفن النظم البالية وإحلال النظم الجديدة لمرحلتنا هذه قد نجحت سلميا وشكلت طوق النجاة لتجاوز أمواج كثير من الحماقات ولم تخسر إلا القليل من الضحايا غالبا وهي التي تنجح أيضا بامتلاك القوة ليبزغ إلى الناس نظام جديد أساسه الرضا الشعبي العام من شرائح المجتمع المدني بكل أطيافه ومكوناته وهنا هنا يشعر الناس بالحرية الحقيقية التي ينادون بها خاصة منها السياسية والاجتماعية، ويخطئ من وجهة نظرنا من يظن أن الحرية لها مفهوم هلامي لا ينطلق إلا من لسان السلطان وفهمه للتعاطي معها مهما كان ظالما شعبه سالبا حقوقه وحتى لو كان حائزا على بعض شروطه كحاكم منتخب مثلا وظهرت له بدايات من الإصلاح والنهضة.
ففي حديث صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: "إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم!" ويشرح الإمام النووي ذلك أن الحطمة هو العنيف في رعيته بحيث يؤذي الأمة ويحطمها والتحذير هنا لأنه يرعى أمة لا قطعيا وهذا ما لاحظنا شواهد له تاريخيا ونشاهده اليوم في ليبيا واليمن وسوريا من شر الرعاء الذين تسببت قراراتهم الطائشة بكل ضرر وخيم على الأمة وما ذلك إلا لأنهم ضربوا المقوم الأول لحياتها وهو الحرية كما يقول أحمد لطفي السيد وبذلك دمروا ويدمرون الوطن بسبب أنانياتهم ونرجسياتهم إذ الوطن هو الحرية وهي التي تحيكه أيضا وكذلك فإن مثل هؤلاء الحكام الظلمة والمتحدثين بألسنتهم عبر الإعلام كثيرا ما يتشدقون أن لديهم حرية كبيرة يمنحونها شعوبهم ناسين أو متناسين أن الحرية تؤخذ ولا توهب وغافلين عن مسؤولياتهم تجاه شعوبهم لأن المسؤولية والحرية توأمان ولا حرية دون تحمل المسؤولية كما قال جان جاك روسو إنهم ومن يلوذ بهم أحرار في كل شيء في الحياة ولا تنقصهم أي حاجة فيتوهمون أن الشعب كذلك ويقنعون أنفسهم بهذه الخيالات والأحلام وإذا سلطنا الضوء على شمس الحقيقة رأينا أنهم يقتلون شعوبهم باسم هذه الحرية والديمقراطية المزعومتين ويستخدمون أبواقهم لتضليل الناس والرد على المطالبين بالحرية متسائلين أي حرية تريدون يا أرباب المؤامرات والعصابات.
هذه النغمات والأسطوانات والفبركات التي كنا نسمع بها منذ أكثر من أربعة عقود من الزمان كلما لاح بارق للتغيير من مصلحين أحرار ولعل الذي جرى ويجري في الشام سورية الحبيبة أبرز مثال على الاعتداء الصارخ ضد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فبينما يعتبر مونتسيكو أن الحرية خير يمكن الجميع من التمتع بسائر الخيرات فإننا نجد أن امتيازات الخيرات في بلادنا لا يظفر بها إلا النظام العائلي وشركاؤه من المقربين على مختلف الجوانب فأين هي الحرية التي تحقق المساواة للشعب وبينما نرى البلابل كحيوانات تعتبر أبطال الحرية نرى بلابل الشعب السوري الذين أطلقوا شرارة وشعلة الحرية ونادوا بها يطلق عليهم الرصاص الحي القاتل ليكون الشهداء الشواهد الحقيقيين على أعداء الحرية، وإذا كانت العقوبات في الإسلام بحسب الجنايات فمن يقول إن الذي يعارض بلسانه يجب أن يزول من الوجود شباب في عمر الزهور والورود رباهم أهلوهم لينتفع المجتمع منهم فكان جزاؤهم القتل والجرح والخطف والركل على وجوههم والرقص فوق أجسادهم يا لها من حرية فريدة كما يفهمها المتجبرون الحاقدون، القتلى أكثر من ألف والجرحى أزيد كثيرا ولا تنسى الشهيدات من النساء والمعتقلين والمعتقلات في سجون الحرية، ما أجبن وأنذل من يطلق الرصاص ويقتل الأمهات ويعذب الأطفال لدرجة قلع أظفارهم دون رحمة وشفقة.
ثم الحرية التي ينادون بها إعلاميا هي في التعتيم الرهيب وحظر أي جهة عربية أو إسلامية أو عالمية لتغطية الحقائق لأخذ الفرصة لتزويرها بإعلام كذاب أحادي وعلى الجميع أن يقتنع برواياته محبة للحرية السورية في فهمهم ثم دعوة لحوار وطني لا يشمل الجميع تمسكا بالسلطة فأين الحرية وبالجملة كيف يفهم الحرية نظام الطغمة والمافيا الاقتصادية والسياسية ورفض الاعتراف بالواقع الذي فرضه الأحرار في مظاهراتهم وتضحياتهم بأبهظ الثمن وهم يهتفون:
حر ومذهب كل حر مذهبي
ما كنت بالغاوي ولا المتعصب
فمتى تفهمون معنى الحرية في سورية؟
التعليقات
عشنا وشفنا
ماجد الدومري -صار الإعلام القطري يتشدق بالحرية! لا بل ويستخدمون النصوص المقدسة لإثبات فطريتها في الإنسان! هههههههه... وأين حرية الشعب القطري المسلم بلا استثناء يا عباقرة؟ هل يستطيع قطري أن يخاطب أميره في وجود أكبر قاعدة للاحتلال الأمريكي في الشرق الأوسط في بلاده؟.. هل يستطيع ;فقهاء; البلاط القطري الحديث عن بر الوالدين وحاكم قطر أول عاق لوالده؟ ... جميعكم بالعار سواء يا عرب... فاخرسوا بلا استثناء.