ساركوزي في الطريق إلى قتال لإعادة تشكيل فرنسا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وجه نيكولا ساركوزي اللوم في الماضي في تدني شعبيته في استطلاعات الرأي إلى الغيرة. وقال الرئيس الفرنسي أمام ضيوف في مهمة خاصة قبل بضعة أشهر: ''يعتقد الناس أن لدي زوجة جميلة، ووظيفة جيدة، وبالتالي يجب تصعيب الأمور بالنسبة إليّ''.
أما الآن، فعلى الأرجح أن يكون في مواجهة أوقات أكثر صعوبة في الوقت الذي يبدأ فيه العد التنازلي نحو الانتخابات الرئاسية التي تبعد فترة عام واحد. وتبدو باريس منشغلة بالحديث حول احتمال أن تكون كارلا بروني - ساركوزي، السوبر موديل التي أصبحت مغنية شعبية، والتي تزوجها بعد قصة حب عاصفة وعلنية للغاية في عام 2008، حاملا في شهرها الثالث.
لكن بعيدا عن تشجيع صرخات الفرح، فإن هذه النعمة الأبوية المحتملة في وقت الصعوبات الاقتصادية تقرع أجراس الخطر في بعض أقسام يمين الوسط من حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الذي يرأسه ساركوزي. ويقول أحد كبار أعضاء الحزب: ''لقد جعل حياته الخاصة علنية للغاية، بحيث إن الناس يشكون على الأرجح في أن أي طفل على الطريق تم توقيت مولده لهدف ما. ولا يريد الشعب أن يقوم الرئيس بالتفاخر بسعادته المشرقة. ويريدون أن يعاني كما يفعلون''.
في يوم الجمعة الماضي، يشير ساركوزي البالغ من العمر 56 عاما إلى الذكرى الرابعة لنصر انتخابي وعد فيه ''الفصل'' - الانسلاخ عن ممارسات النخبة في الماضي، ومنطلق لإصلاحات جذرية لإعادة تشكيل فرنسا من أجل القرن الحادي والعشرين. وخلال ذلك الوقت، قدم فعليا ''انفصالا'' ما - ولكن الانفصال كان عن الجمهور، وليس عن أساليب الماضي القديمة. ولم يكن هناك أي رئيس للجمهورية الخامسة على الإطلاق بتدني شعبيته في الاستطلاعات قبل عام فقط عن الانتخابات التالية.
ستكون النتيجة مهمة بالنسبة إلى أوروبا التي يتوجب على قادتها خوض معركة للتغلب على أزمة ديون سيادية، ودعم الثقة في اليورو الذي يضم 17 بلدا، وضمان وحدة دول الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة في وقت تتزايد فيه مشاعر الوطنية، والآفاق الاقتصادية غير المؤكدة. وسيكون وجود فرنسا حاسمة، ولينة العريكة في الوقت ذاته، أكثر أهمية منذ منتصف عام 2012، مثل ألمانيا، حليفها الرئيس التقليدي في تشكيل الاتحاد الأوروبي والتي ستصبح منشغلة بانتخاباتها الاتحادية الخاصة بها المقررة في العام التالي.
مثل العديد من القادة عبر أوروبا، على الأرجح أن يدفع ساركوزي ثمن القلق الذي أحدثته الأزمة الاقتصادية العالمية. ويتهم الناخبون الرئيس بعدم الوفاء بوعوده فيما يتعلق بالوظائف، والقوة الشرائية. ولكن هذا المحامي الذي يبدو ضخم الصدر، ويأتي من الضواحي البرجوازية في باريس، يعاقب كذلك بسبب أسلوبه في السلطة الذي تغلب عليه الصفة الشخصية للغاية - وهو أسلوب ينظر إليه على أنه عشائري، ويخدم الذات، ومتهور، وأهدافه قصيرة الأجل. وإنه باختصار، أسلوب ليس رئاسيا.
تنعكس النتيجة في الاستطلاعات. ويظهر استطلاع تلو الآخر أن ليس الاشتراكيين المعارضين فقط، وإنما كذلك أقصى يمين الجبهة الوطنية، يمكن أن يتغلبا على ساركوزي في السباق إلى الرئاسة في العام المقبل. وللحملة الجارية فعليا الآن، تداعيات تتعدى نطاق فرنسا في الوقت الذي تطالب فيه باريس، إلى جانب روما، بإحداث تغييرات في معاهدة شينجن التي تسمح بحرية الحركة عبر حدود أوروبا. وفي الوقت ذاته، كانت فرنسا في خضم نزاع مع إيطاليا بشأن وصول المهاجرين غير الشرعيين من شمال إفريقيا - الأمر الذي كان من الممكن أن يكون أقل قوة لو أن الجبهة الوطنية لم تهدد بسحب الأصوات بعيدا عن حزب ساركوزي.
يفكر أعضاء حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الآن من جميع الرتب والمراكز بما لا يمكن التفكير فيه. فهل يمكن الوثوق بساركوزي ليفوز في الانتخابات المقبلة؟ يقول جان - لويس كريست، النائب البرلماني من حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية من هوت - راين في منطقة الألزاس: ''ثمة أسئلة حقيقة تدور في قلب الأغلبية. ولقد تشوهت صورته فعليا''.
منذ ليلة الاحتفال بالانتخابات الحاشدة بالمشاهير في الشانزليزيه، لم يكن بمقدور ساركوزي إبعاد صورة رئيس المسلسلات الدرامية الصباحية الذي سبب حبه الأشبه بطراز دالاس (فيلم أمريكي مشهور) للمال والسلطة والشهرة صدمة للناخبين المحافظين. وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في العام الماضي لتغيير صورته - البقاء بعيدا عن أضواء وسائل الإعلام، والتدخل على نحو أقل في الإدارة اليومية للحكومة - إلا أن الكره للرجل نفسه يبقى شديدا. وبناءً عليه، حتى حينما يتخذ إجراء يدعمه الرأي العام على نطاق واسع - مثل إطلاق التدخل العسكري في ليبيا، أو ساحل العاج - لا توجد أية نتائج إيجابية في الاستطلاعات.
يكتب فرانز - أوليفر جيزبيرت، المعلق السياسي، ومدير تحرير لو بوان، المجلة الإخبارية، وذلك تحت عنوان الرئيس، وهي مراجعة للممارسة ساركوزي للسلطة: ''من النادر أن رأينا سلطة مكروهة للغاية، بسبب قائدها، وليس بسبب سياساتها''.
على الرغم من تطبيق بعض أكثر الإصلاحات جذرية التي شهدتها فرنسا منذ أكثر من عقد - على سبيل المثال رفع سن التقاعد، وإجراء تخفيضات على الخدمة المدنية - وحشد جهود أوروبا لإنقاذ اليورو خلال أزمة الديون السيادية في العام الماضي، يبقى ساركوزي منتقدا من جانب وسائل الإعلام بصفته ''الرئيس المسيطر على كل شيء''، وتسببه في خيبة أمل مريرة بالنسبة إلى أولئك الذين صوتوا له عام 2007.
يقول جان - فرانسوا بيوماري، عمدة روكنكورت، وهي قرية ذات موارد كبيرة في ضواحي فيرساي، حيث صوّت أكثر من 80 في المائة من سكانها عام 2007 لصالح ساركوزي: ''يعترف الجميع بشجاعته، وأنه أجرى إصلاحات لم ينفذها أي من أسلافه. لكنهم لا يحبون أسلوبه في العيش، وسلوكه. ويجد الشعب أن أسلوبه متفاخر للغاية. وهو شخص عصبي، ومتهور للغاية''.
يقول أحد كبار أعضاء حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية: ''ثمة كره حقيقي للشخص ذاته''. ويذكر الشخص آثارا تركتها فضائح حول محاباة الأقارب، والمحاباة السياسية خلال الشهور الثلاثة الأولى لساركوزي في المنصب. ويضيف: ''لم يسبق على الإطلاق أن تفوق رئيس منفتح في أي انتخابات بهذا الكره الكبير. والأغلبية برمتها قلقة للغاية بهذا الصدد''.
كما أن قادة قطاع الأعمال كذلك خاب أملهم بسبب جنون الإصلاحات واسعة الانتشار - الأمر الذي أدى إلى أن يلقب باسم ''الرئيس راكب الأمواج'' - بينما تبقى المشكلات الأساسية المتمثلة بالرسوم الاجتماعية العالية، وتنظيمات قطاع الأعمال التي تشكل عبئا. ويقول رئيس إحدى الشركات الكبرى: ''ما زال سجله الأفضل بين قلة من آخر الرؤساء الذين حظينا بهم. لكننا في حاجة إلى عمل أكثر اتساقا وتركيزا ... فهو لا يركز على إعطاء رؤية، وعلى القول rsquo;إليكم خمسة أشياء عظيمة سأنفذهاlsquo;''.
يقول أعضاء الحزب المتجذرون: إن فرص ساركوزي بإعادة انتخابه مهددة بسبب الارتباك إزاء وتيرته السريعة، ومبادراته المتناقضة في بعض الأحيان. ويقول فريدريك فاليتوكس، عمدة معقل ساركوزي، فونتينبلو، خارج باريس: ''ثمة حاجة إلى إعادة الأمور إلى منظورها. وأصبح الشعب غير مستقر بسبب عدم وضوح الاتجاه''.
طالما تم استضعاف الصدقية الرئاسية بسبب الانقسامات داخل حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية نظرا للأساليب التي استخدمها للتعامل مع أحد أكثر المخاوف إلحاحا للحزب - النهضة السريعة المدهشة لحزب الجبهة الوطنية في ظل زعيمته الجديدة، والأقل إثارة للاستفزاز العلني، مارين لوبين.
صعّدت الحكومة من حجم المواضيع الانفعالية التي يستخدمها أقصى اليمين تقليديا، وتشددت فيما يتعلق بمواضيع الجريمة، والهجرة، وأطلقت نقاشات حول الهوية الوطنية والإسلام، وحتى أنها أشارت إلى أن الشعب الفرنسي لم يعد يشعر وكأنه في ''وطنه'' في وجود العدد المتزايد من السكان المسلمين.
جعل الانحراف المفاجئ نحو اليمين الكثيرين يشعرون بعدم الارتياح في التحالف الضعيف الذي يشكل عمر حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الذي يعود تاريخه إلى عشر سنوات، وأثار أسئلة حول ما إذا كانت سياسات ساركوزي قد أملتها القناعات، أو مجرد الشعبوية. ويقول أحد أعضاء البرلمان من حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية: ''إن الشعب ليس غبيا. ولديه الانطباع بأن الحكومة تلوح مهددة شخصيات مهزوزة لإخفاء الحالة الحقيقية لفرنسا. ومن شأن ذلك أن يولد القلق، ولم يسهم في منفعة الحزب''.
أما أعضاء الحزب من الوسطيين الذين تم استبعادهم بدرجة كبيرة في أحدث تعديل وزاري قام به ساركوزي، فإنهم يهددون بترك الحزب. ويمكنهم أن يقدموا كذلك مرشحهم الرئاسي الخاص بهم في عام 2012، في شخصية جان - لوي بورلو، وزير البيئة السابق المحبوب للغاية. وكانت هناك بعض التخمينات فيما يتعلق بتهديد الانقسام بأن فرنسا يمكن أن تواجه تكرارا لكابوس شهر نيسان (إبريل) 2002، حينما ساهمت المشاحنات، والرضا عن الذات في اليسار في الجولة الثانية من الانتخابات بوضع النهاية الانتخابية لوالد لو بين، جان - ماري، في مواجهة جاك شيراك من يمين الوسط. وفي هذه المرة على أية حال، ربما تكون المواجهة بين ساركوزي واليمين، وليس الاشتراكيين الذين تم تركهم في العراء.
حيث أن الأجواء صعبة في وسط اليمين، فإن عددا قليلا يتجرأ علنا في تسمية مرشح مختلف لانتخابات عام 2012. ويقول كريستوفر باربر، محرر مجلة لاكسبرس: ''لا أحد يستطيع القول إن شخصا آخر من حزبه سيفوز بشكل مؤكد. ومن شأن ذلك أن يحمي الرئيس''.
علاوة على ذلك، فإن الأزمة تبرز مقاتل الشارع في الرئيس - وهو مدافع فعال على نحو شهير. ويقول جيزبرت: ''تتمثل نفسية ساركوزي في أنه يحارب حتى النهاية. ويجب أن يكون في وضع صعب لكي يرد. وحينما يسير كل شيء على ما يرام، فإنه يكون مقيتا، ومتغطرسا، وأنانيا. ولكن حينما لا تسير الأمور على نحو جيد، فإنه ليس شخصا سيئا. ويكون وحيدا، وهذا أمر يثير التعاطف''.
يتمثل جزء من المشكلة في أن خصمه الرئيس لم يتم تحديده بعد. وتظهر الاستطلاعات باستمرار أن دومينيك شتراوس - كاهن، الاشتراكي الذي يرأس صندوق النقد الدولي، سيحقق نصرا ساحقا إذا اختاره اليسار ليقوده في الانتخابات بعد عقد الانتخابات التمهيدية هذا الصيف.
شتراوس - كاهن، الاقتصادي الذي يتمتع بالاحترام، والذي تم صقل سمعته الدولية بالوقت الذي أمضاه في صندوق النقد الدولي، يتمتع بجاذبية يمكن أن تمتد إلى خارج نطاق قلب حزبه الاشتراكي لتصل إلى معاقل ساركوزي. ويقول فاليتوس في هذا الصدد: ''بإمكان دومينيك شتراوس - كاهن اجتذاب بلدة مثل فونتينبلو. ويميل الناخبون إلى أن يكونوا من يمين الوسط المفتوح والأوروبي - ويمكن أن يكون خصما خطيرا''.
لكن شتراوس - كاهن يواجه تحديات خاصة به. وعززت الفترة التي أمضاها لدى صندوق النقد الدولي الشكوك داخل الحزب الاشتراكي بشأن قوة مؤهلاته اليسارية. ويشكك البعض في احتمال إجباره على القيام بتحوله الأسلوبي الخاص به، وربما إلى اليسار على نحو أبعد، لكي يفوز بالترشيح، الأمر الذي قد يسبب ضررا قاتلا لجاذبيته الأوسع نطاقا.
يصر ساركوزي بخجل على أنه لم يقرر بعد ما إذا كان يريد الترشح. ولكن بقيامه بزيارات إلى المقاطعة مرتين أسبوعيا، وخطة للتركيز على التعليم، والقضايا الاجتماعية، وتخفيض العجز في الميزانية، فإن حملته الانتخابية تجري فعليا. وستكون المهمة بالدرجة الأولى، والقصوى، التعامل مع الإدراك بأنه لم يحافظ على تعهده أثناء الحملة بأن يكون ''رئيس القوة الشرائية''. وهذا ليس بالأمر السهل في الوقت الذي لا يوجد فيه حيز للمناورة بما يتعلق بمصادر التمويل العام المرهقة فعليا. ويقول كريست: ''إذا أراد أن يتم انتخابه الآن، فإن عليه أن يرضي الفرع الأكثر ذهنية اجتماعية من حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية. ويزداد الشعور بالظلم ترسخا''.
على الرئيس كذلك أن يعقد صفقات لتحييد المنافسين الذين يمكنهم إبعاده عن الجولة الثانية - أشعث الشعر، بورلو، على وجه الخصوص. وأخيرا، سيتوجب عليه أن يبرهن على أنه يعرف ما يعنيه أن يكون رئيسا. ويقول بيوموري من روكنكورت: ''في أعماقهم، ما زال الفرنسيون يحبون رئيسا ملكيا. ولا يحب الشعب الطريقة التي يتحدث بها ساركوزي، والطريقة التي يرغب بها التحدث عن كل شيء. والملكي لا يعبر عن نفسه بهذه الطريقة''.
حالما يتم تنفيذ ذلك، فإن كل ما سيبقى هو الاستعداد لليوم السعيد - سواء كان ذلك قادما جديدا إلى الإليزيه هذا الخريف، أو عودة شخص قديم في فصل الربيع المقبل. وفي الحالتين، ينبغي على ساركوزي أن يكون حذرا لكي لا يتفاخر بحظه الجيد علنيا للغاية، حسبما يقول عضو حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية المخضرم. ويضيف: ''كلما تباهى بالمتع التي يحصل عليها على نحو أكثر، جعله الناس يدفع ثمنا أعلى لقاء ذلك''.