السيد الرئيس.. شكر الله سعيكم!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سعيد حارب
أشرت في مقال الأسبوع الماضي أن مقال هذا الأسبوع سيكون عن تأثير الثورات العربية على مشروع العنف في البلاد العربية، بيد أن مستجدات الأسبوع الماضي جعلتني أرجئ هذا الأمر إلى الأسبوع القادم إن شاء الله، ليكون مقال اليوم حول خطاب الرئيس الأميركي أوباما الذي ألقاه الأسبوع الماضي وتضمن عددا من القضايا الموجهة إلى العالم العربي، فالرئيس أوباما "يطل" علينا بين فترة وأخرى ليخصنا بخطاب دون الآخرين، ولا نعلم إن كان هذا لمزيد اهتمام بنا أم لأننا مصدر إشكال يستدعي توجيهنا بين فترة وأخرى.
ويسجل للرئيس أوباما أنه أكثر حنكة من سلفه الذي كانت إطلالته مصدر توتر ونذير "شر" على البشرية، بينما تأتي خطابات أوباما مغلفة بلغة راقية وكلمات منتقاة مما يجعلنا "نتسمّر" أمام وسائل الإعلام لنتلقى رسائله "الحكيمة". وقد جاء الخطاب الأخير ليؤكد أن الرئيس أوباما "خطيب مفوه" لكنه ليس سياسيا محنكا كما يبدو، فالخطاب الذي وصف بأنه خطاب ثوري، كان خطابا تقريريا، فلم يذكر شيئا لا يعلمه الناس، فإشادته بثورات الشباب العرب لم تكن سوى إضافة في رسائل التحايا التي تلقها الشباب العربي منذ بدء تحركه، وكان سيكون لرسالة أوباما أثر بالغ لو أنها جاءت قبل بداية الثورات حيث ستشير إلى مصداقية الكلمات التي يقولها في تأييده لهذه الثورات ومساندته لخيار الشعوب، أما وقد جاء الخطاب بعد انتشار الثورات في أكثر من بلد عربي فإن الموقف لا يتجاوز "ركوب الموجة" ومحاولة استثمار الموقف لتعزيز الدور الأميركي في المنطقة من خلال القول إن أميركا وإن لم تكن المحركة لهذه الثورات فإنها مساندة لها لأنها تصب في تحقيق المبادئ والقيم التي تسعى لها أميركا ومن بينها نشر الديمقراطية، وهذا القول يكذبه الواقع، فأميركا وقفت طويلا مع الأنظمة التي سقطت أو التي توشك على السقوط وهي تعلم مدى فساد هذه النظم ومعاداتها للديمقراطية، بل إنها سكتت عن كثير من الجرائم التي قامت بها أنظمة هذه الدول، ويوم أن قررت الشعوب انتزاع حقها بيدها أطل علينا السيد الرئيس ليبشرنا بقيم الديمقراطية الأميركية، وكأن هذه الديمقراطية لا تأتي إلا متأخرة، لكن الشيء الذي يحسب للسيد الرئيس أنه اعترف بأخطاء السياسات الأميركية السابقة التي جاملت "النخب على حساب القيم الأساسية وحقوق الإنسان"، لكنه لم يقل لنا من سيصحح هذه الأخطاء؟ وما ثمن هذا التصحيح؟ وهل سيكون موقف الإدارات الأميركية القادمة مثل موقفه أم ستعود إلى مجاملة النخب على حسابا الشعوب تحقيقا لمصالحها؟ كما أن الزعم بأن أميركا تساند الديمقراطية قول يكذبه الواقع، فليست مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا هي التي تعاني من غياب الديمقراطية فقط، فما هو موقفه من غياب الديمقراطية عن مجتمعات ودول أخرى، هل سيصحح خطأ الإدارة الأميركية أم سيمضي في "مجاملة النخب"!! حفاظا على المصالح الأميركية مقابل القيم الأميركية؟!!
أما عن الثورات العربية فبدا وكأن أميركا هي المحرك لها رغم أن أوباما أشار إلى غير ذلك، لكنه أشار إلى أن إدارته تساند هذه الثورات، وهذا القول يجانبه الحق، فأميركا تمارس سياسة "مع من غلب"، وبدا ذلك واضحا من موقفها الغائب عن الثورة التونسية، وحين قامت الثورة المصرية تسرعت وزيرة الخارجية الأميركية بتصريحها المساند للنظام السابق، وعندما تطورت الثورة لم يجد الرئيس الأميركي أوباما بدا من المطالبة بإدخال إصلاحات، وحين مالت الكفة لصالح الثورة لم يجد بدا -مرة أخرى- من المطالبة بتنحي الرئيس السابق، وها هو الدور يتكرر في اليمن فما زالت الحكومة الأميركية تقف خجولة من ثورة الشعب اليمني، رغم الضحايا التي قدمها من أجل حصوله على حقه في ديمقراطية حقيقية، وكان جلّ ما تطالب الإدارة الأميركية به هو إدخال إصلاحات سياسية على النظام أو مساندة المبادرة الخليجية التي تسعى لحل الأزمة اليمنية، لكنها لم تحدد موقفها انتظارا لما ستؤول إليه هذه الثورة حيث ستقفز مرة أخرى إلى مقدمة الصفوف لتقدم النصح والإرشاد!! وبعض الإغراء المادي للقادمين الجدد. ورغم كلمة أوباما التي طالب فيها الرئيس اليمني بالرحيل، فإن هذه الكلمة جاءت بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الثورة، أما عن موقفه من الثورة الليبية، فرغم مشاركة الولايات المتحدة في قوات الحلف الأطلسي فإن هذه المشاركة كانت ضعيفة مقارنة بمشاركة دول أخرى كبريطانيا وفرنسا، كما أن موقفها في ليبيا لا يقارن بمواقفها في أماكن أخرى، وعلى المستوى السياسي لم تعترف الحكومة الأميركية بالمجلس الوطني الليبي كما فعلت بعض الدول، وهذا سيشكل دفعة لبقية الدول لو أن إدارة أوباما فعلت ذلك، لكنها تنتظر "من غلب" لتقف في صفه، أما الموقف الذي لا ينتظر شيئا فهو موقف الإدارة الأميركية من إسرائيل إذ لا يخفي أي زعيم أميركي موقف المساندة والدعم والتأييد لها، رغم أن أوباما أشار إلى "ضرورة" قيام دولة فلسطينية، وللتذكير فإنه سبق أن قال عام 2009 إنه سيعمل على قيام هذه الدولة عام 2011، لكنه هذا العام يكرر القول على استحياء، فلم يقدم تاريخا يمكن محاسبته عليه، وعوضا عن ذلك "حذّر" الفلسطينيين من محاولة الذهاب إلى الأمم المتحدة في شهر سبتمبر للحصول على اعتراف بدولتهم.
لقد كان الرئيس أوباما بليغا ومركز الأفكار، ومحددا لأهدافه، لكن خطابه جاء متأخرا وخاليا مما يريده العرب، فآن لنا أن نقول له: شكرا السيد الرئيس.. شكر الله سعيكم!!