مفاضلة صعبة: الماء أم الوقود؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جيفري كمب
إن ما سينضب من العالم ليس النفط والغاز الطبيعي، وإنما النفط والغاز الطبيعي الرخيصان. هذا الحكم مبني على تقديرات وزارة الطاقة الأميركية التي تشير إلى أن هناك كميات ضخمة من الغاز الطبيعي لا تزال مختزنة بين طبقات من الصخور الرسوبية الرخوة في مختلف أنحاء العالم، كما تشير إلى أن أكبر ثلاثة مستودعات للغاز الطبيعي في العالم، هي تلك الموجودة في الصين، والولايات المتحدة والأرجنتين، وأن هناك -بالإضافة لذلك- كميات أخرى ضخمة موجودة في دول مثل كندا، والمكسيك، وأوكرانيا، وبولندا، وربما في دول أخرى أيضاً لم تمتد إليها جهود البحث والتنقيب حتى الآن.
وتشير تلك التقديرات أيضاً إلى أن إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي قد ازداد بصورة كبيرة في السنة الماضية، وأن احتياطيها من تلك المادة قد يستمر لمدة 110 سنوات قادمة. وهذا الرأي يثير الكثير من الجدل بسبب التأثير الذي سيترتب عن استخراج الكميات المخزنة واستهلاكها على البيئة. فالطريقة المستخدمة في استخراج الغاز الطبيعي المخزن في الصخور الرسوبية، والتي يطلق عليها باللغة الإنجليزية طريقة الـ Fracking، والتي تقوم على ضخ خليط من الرمل والماء والمواد الكيميائية في أعماق بعيدة تحت سطح الأرض بواسطة ضغط عال جداً، لشق الصخور الرملية التي تحوي الغاز الطبيعي واستخراجه منها، هي طريقة غير معروف حتى الآن على وجه الدقة، الأثر بعيد الأمد الذي قد ينتج عنها، ومدى الخطر الذي يمكن أن تمثله على مصادر المياه العذبة في المناطق القريبة من مناطق الاستخراج.
وعلى نفس المنوال، نجد أن هناك مخزونات ضخمة من الوقود الثقيلة موزعة على مختلف مناطق العالم، وخصوصاً في شبه الجزيرة العربية، وأميركا الشمالية، وأميركا اللاتينية. والنفط الثقيل، شأنه في ذلك شأن الغاز الطبيعي المستخرج من الصخور الرسوبية، يستخرج من خلال عملية أكثر تعقيداً وأكثر تكلفة من عمليات استخراج النفط من تلك النوعية التي كانت متوافرة بكميات كبيرة في الشرق الأوسط وغيره من مناطق العالم، لما يزيد عن قرن من الزمن.
لاستخراج النفط الثقيل، يتم ضخ البخار من أجل تخفيف المادة اللزجة المخزنة في الصخور ثم سحبها للسطح بعد ذلك. ويشار في هذا السياق إلى أن هناك مشروعاً تجريبياً يتم تنفيذه على امتداد خط الحدود بين السعودية والكويت، وهو مشروع مشترك بين حكومتي البلدين وشركة "شيفرون ".
وهذه الطريقة تتطلب عادة استخدام كميات هائلة من المياه العذبة، غير المتوافرة بحجم كافٍ في البلدين معاً، السعودية والكويت. ونظراً لقلة المياه العذبة، فإن "شيفرون" تلجأ لاستخدام المياه المالحة الموجودة تحت الطبقات الحاملة لاحتياطات النفط. لكن المشكلة هي أن تلك المياه مليئة بالشوائب التي يلزم إزالتها قبل أن يتم تسخين الماء لدرجة الغليان، وتحويله إلى بخار وهي عملية مكلفة للغاية.
وهذه مشكلة الحاجة إلى كميات هائلة من المياه العذبة، هي مشكلة تواجهها أيضاً الولايات المتحدة والصين عند قيامهما باستخراج الغاز الطبيعي من الصخور الرسوبية. ورغم أن نقص المياه في الولايات المتحدة ليس بنفس المستوى من الحدة لدى الصين، إلا أنه يمكن أن يصبح كذلك خصوصاً في المناطق التي يوجد فيها الغاز الطبيعي، وتقل فيها كميات المياه كما هو الحال في ولاية تكساس وغيرها من الولايات الواقعة في غرب البلاد.
والصين، كما هو معروف، تعاني من نقص شديد في المياه، وهو ما يدفع بعض الخبراء للقول بأنه حتى لو كانت راقدة على كنز من احتياطيات الغاز الطبيعي، فإن المفاضلة بين استخدام مخزون المياه الآخذ في التناقص، وبين استخراج الغاز الذي تحتاج إليه بصورة ماسة لدفع عجلة اقتصادها الجبار، تعد مفاضلة غاية في الصعوبة.
ومشكلة الصين مع الطاقة ترجع إلى أنها مازالت تعتمد اعتماداً كثيفاً على إحراق الفحم من أجل توليد الكهرباء. ورغم الجهود التي تبذلها من أجل استخدام الفحم بطرق أكثر نظافة، فإنه لا يزال المسؤول الأول عن التلوث المباشر، وعن إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو. والمشكلات الصحية التي يعاني منها الصينيون بسبب التلوث تعد سبباً من ضمن الأسباب التي تدعو السلطات المسؤولة هناك للابتعاد تدريجياً عن استخدام الفحم إلى استخدام الغاز الطبيعي الأكثر نظافة بكثير مقارنة بالفحم، والأقل خطورة كذلك، في توليد الكهرباء.
ومع ذلك، لا يستطيع أحد أن يقلل من أهمية الماء القصوى للحياة والزراعة على حد سواء. وهذه الأهمية القصوى هي السبب في صعوبة الخيارات التي يتعين اتخاذها من قبل الدول التي توجد لديها كميات وفيرة من الوقود الأحفوري، وكميات محدودة من المياه.
وإذا ما جاز لنا اتخاذ التاريخ كدليل، فسنتوصل إلى أن صعوبة تلك الخيارات سوف تدفع العلماء لبذل الجهود من أجل اكتشاف تقنيات جديدة لتقليل كميات المياه التي تحتاجها الدول المختلفة لاستخراج الغاز الطبيعي أو النفط الثقيل. لكن ذلك لن يتم بين يوم وليلة بالطبع، فالأمر قد يستغرق فترة زمنية تتراوح بين 10 أعوام و20 عاماً.
ومع ذلك فالشيء الذي نخلص إليه من كل ذلك هو أن عصر نفاد الوقود الأحفوري ما يزال بعيداً، رغم كل ما يقال في هذا الشأن. كما أنه ليس هناك دليل على أن إمدادات الطاقة البديلة اللازمة لاستخراج الكهرباء أو للنقل سوف تحدث تأثيراً كبيراً على الطلب على النفط أو الغاز الطبيعي. وهذا وقد أثارت الحوادث النووية التي وقعت في اليابان، والتي نتجت عن موجات المد البحري (تسونامي)، العديد من علامات الاستفهام حول برامج التوسع في إنتاج الطاقة النووية، والتي تبني العديد من الدول خططها التنموية على أساسها.
وطالما استمر الطلب على الطاقة في الزيادة، فسوف يتعذر العثور على حلول سهلة للمشكلة. وهذا الطلب على الطاقة سوف يستمر في الزيادة بالطبع، فليس من المتوقع مثلاً أن ينصرف مواطنو الدول الآخذة في الازدهار في قارة آسيا، وعلى رأسها الصين والهند مثلاً، عن استخدام السيارات التي بدؤوا أخيراً في الاستمتاع بركوبها.
معنى ذلك أنه إذا لم يحدث اختراق جذري في مصادر طاقة الوقود غير الأحفوري، فإن الجدل حول الكيفية التي يمكن بها حل مشكلة النقص في موارد الطاقة في العالم، سوف يستمر، بل وسيزداد حدة.