جريدة الجرائد

مياه «القاعدة»

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

غسان شربل


تستخدم بعض الأنظمة خطر تنظيم "القاعدة" فزاعة لإخافة العالم من التغيير. للتذكير بضرورة استمرارها والأدوار التي يمكن أن تؤديها. وحققت هذه اللعبة نجاحات في السنوات الماضية. وغضت أميركا والدول الغربية الطرف عن بعض ممارسات تلك الأنظمة في مقابل الخدمات التي كانت تؤديها في إطار ما كان يعرف بـ "الحرب على الإرهاب". مع اندلاع "الربيع العربي" تغيرت الصورة والحسابات.

يمكن القول إن "القاعدة" ليست في افضل أيامها. وإن المطاردة الكبيرة والمكلفة قلصت قدرتها على تسديد الضربات المدوية. وإن مجريات "الربيع العربي" كشفت عزلتها وعدم تمثيلها لمشاعر الجموع. لم تكن "القاعدة" مصدر الهام لمن تظاهروا في تونس أو اعتصموا في ميدان التحرير في القاهرة. لم ترفع صور قادتها في بنغازي أو صنعاء. لم يرد ذكر "القاعدة" في هتافات المحتجين في سورية. تلقت "القاعدة" ضربة أخرى. قتل أسامة بن لادن ليس حدثاً بسيطاً. صحيح أن قتله لا يعني نهاية التنظيم لكن الصحيح أيضاً هو انه كانت للرجل رمزية تتعلق بشخصه ووضعه وانتمائه ونجوميته الطاغية بعد هجمات 11 أيلول(سبتمبر). ما يطالب به الشبان العرب في ساحات التغيير من تعددية وشفافية وانتخابات وتداول للسلطة يسير في الاتجاه المعاكس لفكر "القاعدة".

تخسر "القاعدة" حين تحسم معركة التغيير بإرادة وطنية ومن دون انفجار التركيبة الداخلية وتشظي المؤسسات الأمنية ومن دون دور اجنبي وتحديداً غربي في حسم المعركة. تجد "القاعدة" فرصتها في الانهيار الكبير للدولة ومؤسساتها ودخول الأطراف الخارجية والدولية طرفاً في حسم الصراع وفي يقظة المشاعر المذهبية. وتخسر حين تعلن القوى ذات التوجه الإسلامي المشاركة في معركة التغيير عن انحيازها إلى قيام دولة مدنية تتسع لكل مكونات المجتمع.

نكتب عن "القاعدة" بعد الأنباء التي وردت امس من اليمن وتحدثت عن سيطرة "القاعدة" وإسلاميين متشددين على مدينة زنجبار. وجود "القاعدة" في اليمن ليس جديداً وكذلك محاولتها التحصن داخل تضاريس الجغرافيا اليمنية وكذلك داخل تضاريس التركيبة السكانية ونزاعاتها. ما يعطي للحدث خطورة مضاعفة هو ما يجري في صنعاء نفسها ويشير إلى احتمال انفجار التركيبة اليمنية والانزلاق إلى لون من الحرب الأهلية مع تآكل ما تبقى من حضور الدولة ومؤسساتها الأمنية. وواضح أن أفغنة اليمن أو جزء منه تعني اندلاع حروب وحصول تدخلات وتصدير الإرهاب. الانهيار حليف "القاعدة" والفراغ السياسي والأمني يتيح لها السباحة في مياه الأزمات.

تحجب أخبار الثورات والاحتجاجات الأخبار العراقية. لكن ما يجري في العراق خطر أيضاً: عودة الهجمات الإرهابية إلى التصاعد. محاولات لإعادة إطلاق التوتر المذهبي. صب الزيت على نار المشاعر المتأججة أصلاً في كركوك. عودة التيار الصدري إلى استعراض قوته في الشارع تحت ستار معارضة التمديد للقوات الأميركية. وبديهي أن مثل هذه العودة للتيار واستعراضاته الميليشياوية ستجدد مخاوف السنة الذين يهمس بعضهم في مجالسهم أن الدولة الحالية هي دولة الآخرين. يضاعف من قتامة الصورة ظهور الديموقراطية العراقية في صورة تجربة مريضة ذلك أن رئيس الوزراء نوري المالكي يعجز منذ نحو عام تقريباً عن تعيين وزراء للحقائب الأمنية في حكومته. ولا شك في أن عودة مناخ أزمة المكونات ستشكل فرصة لـ "القاعدة" للعثور مجدداً على مياه تسمح لها بالإقامة والسباحة.

يمكن إبداء المخاوف نفسها في ما يتعلق بليبيا. لا بد من الالتفات أيضاً إلى خطورة الفراغ الحكومي الحالي في لبنان وفي وقت تعيش سورية حركة احتجاجات ومواجهات تنذر بأزمة طويلة. استباحة ما تبقى من ركائز الدولة اللبنانية أمر مقلق. وجوهر الأزمة الحكومية هو أزمة علاقات بين المكونات خصوصاً بين السنة والشيعة وإن تم استخدام واجهات لتمويهها. لا شيء حتى الساعة يشير إلى وجود جدي لـ "القاعدة" في لبنان. لكن التوتر المذهبي والفراغ يشكلان فرصة لمجموعات من هذا النوع. طبعاً ثمة فارق بين وجود لـ "القاعدة" واختراع وجود لتوظيفه.

إن اخطر ما يمكن أن نشهده في المرحلة المقبلة هو اجتماع الزلازل أي الثورات والاحتجاجات وانفجار بعض الدول وإعلان فشل أخرى وتصدير النار واستيرادها وفي مثل هذه المناخات تعثر "القاعدة" وأخواتها على فرص للعودة إلى التحصن هنا وهناك.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف