جريدة الجرائد

الفنانون السوريون والامتحان الصعب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مارلين سلوم

تكلموا، أين أنتم، ألستم من أبناء هذا الوطن ومن الشعب أم أنكم كنتم تمثلون علينا طوال هذه السنوات وتدعون أنكم تحملون همومنا وأوجاعنا لتقدموها في قوالب درامية وكوميدية على الشاشة؟

هذه لغة الشارع السوري اليوم، والفنانون السوريون أمام امتحان صعب بسبب الأحداث التي تشهدها بلادهم، وهم منشقون بين صامت رغماً عنه أو طواعية خوفاً من أن تؤخذ عليه أي كلمة ينطق بها ويحاسب عليها لاحقاً من هذا الطرف أو ذاك، وبين ناطق باسم الإنسانية لينادي بفك الطوق عن أهالي درعا، وطرف ثالث ارتأى أن يحتمي ldquo;تحت سقف الوطنrdquo; ويحمل العصا من منتصفها، وفق بيان أصدرته مجموعة منهم كأول تحرك فني، لتنتقل القوائم السوداء التي شهدناها سابقاً في مصر إلى سوريا، وإنما هذه المرة تحت اسم ldquo;قائمة العارrdquo;، ولست أدري أي عار يقصدون .

ماذا على الفنان أن يفعل حين ينسلخ جلد الوطن عن جسده ويحترق نصف القلب وتخرج الجنازات في الشوارع وتلبس الأحياء الشعبية وrdquo;الأمنيةrdquo; السواد حداداً على أبناء وأطفال ورجال سقطوا في نفس المعركة وبنفس السلاح إنما لأهداف متباعدة؟

هل عليه أن يحمل كفنه بيده كما قالت الفنانة القديرة منى واصف وينزل وسط الناس ليكون منهم ومعهم؟ وهل عليه أن يحكّم ضميره ويتخذ الموقف الذي يرضيه بغض النظر عن المحسوبيات والمصالح ويقول كلمة الحق التي يراها صائبة وفق قناعاته الشخصية، ولا يحق لأحد محاسبته عليها، لأن لكل إنسان الحق في التفكير والتصرف بما يتناسب مع معتقداته ورؤاه؟ أم الأفضل أن يزيد الفنان من طبقات الماكياج على وجهه ويتحول إلى مهرج يخفي الألم بالضحك وrdquo;الاستغباءrdquo;، أو يلبس العباءة التي تناسب دوره الجديد ويقف على مسرح الحياة يردد ما يلقنه إياه ldquo;الملقنrdquo; من خلف الكواليس؟

الكل خائف مما يحصل اليوم في سوريا والكل حزين . لكن للأسف ليس الكل متضايق من ldquo;حرب التخوينrdquo; والإهانات التي يشنها البعض ضد الفنانين الذين اختاروا أن يقفوا إلى جانب أهل درعا والمطالبة بفك الحصار عنهم وإدخال المؤونة والعلاج إليهم رفقاً بالأطفال والمرضى . فالبيان الذي أصدرته مجموعة من الفنانين السوريين تحت عنوان ldquo;نداء عاجل للحكومة السورية من أجل أطفالناrdquo; ووصل عدد الموقعين إلى أكثر من 160 فناناً ومثقفاً من بينهم منى واصف، كندة علوش، يارا صبري، المخرجة رشا شربتجي، ماهر صليبي، الكاتبة ريما فليحان، الكاتبة يم مشهدي، السيناريست عدنان عودة، الكاتب الفارس الذهبي، والممثلة عزة البحرة وغيرهم، طالبوا فيه الحكومة السورية بإيقاف الحصار الغذائي والطبي المفروض على درعا وقراها، ومما ورد في البيان ldquo;إنّ الحصار أدى إلى نقص المواد التموينية والضرورية لاستمرار الحياة، وأثر سلباً في الأطفال الأبرياء الذين لا يمكن أن يكونوا مندسين في أي من العصابات أو المشاريع الفتنوية بكل أنواعها . . نحن نطالب بدخول إمدادات غذائية من مواد تموينية وأدوية وأغذية أطفال بإشراف وزارة الصحة السورية أو الهلال الأحمرrdquo; .

ليس الهدف من سرد أهم ما جاء في بيان الفنانين هو الدعوة للانضمام إليهم، بل لأن ما ورد فيه لا يمس سوى الجانب الإنساني ولا يخرج عن إطار اللياقة والاحترام في المخاطبة والحق المشروع في المطالبة بالحقوق الإنسانية ldquo;الأوليةrdquo; .

واسمحوا لنا أن نستغرب مواقف بعض الفنانين الذين رفعوا شعارات كبيرة وتحريضية وrdquo;ثوريةrdquo; في أعمالهم، تأثر بها الناس وفئة كبيرة من الشباب وصدقوها وآمنوا بها وحفظوها، ويوم جاء موعد تطبيقها على الأرض، انفض الممثلون والمخرجون ووجد الناس الحقيقيون أنفسهم وحيدين في الميدان، وأن من قالوا لهم دافعوا عن كرامتكم كانوا مجرد أبواق فارغة ldquo;مثلت عليهم ببراعةrdquo; دور الشهيد والمواطن المعذب والضمير الحي والداعي إلى الوحدة العربية وإلى حرية الرأي والتعبير وإلى فك القيود وفتح السجون وعدم اعتقال المفكرين أو تهجيرهم من البلد .

أليس هذا ما ردده على مسامعنا مطولاً الفنان دريد لحام في مسرحيته ldquo;كاسك يا وطنrdquo;، وأبكانا وما زلنا نبكي على أحوالنا وعلى الظلم الواقع على بعض الشعوب العربية من قهر وقمع ومن فساد السلطات وبعض الحكام، وهو من ردد في المسرحية ldquo;مو ناقصنا غير شوية كرامةrdquo;؟ وهل دريد لحام ldquo;المدافع عن حقوق أطفال العالمrdquo; والذي اتخذ مواقف عدة من منظمة اليونسكو بسبب عدم ldquo;عدالتهاrdquo; في حق أطفال فلسطين المعذبين والجائعين والمحاصرين، ويشن حملات وبرامج توعوية تناشد بحق الأطفال في احترامهم إنسانياً ووجوب حمايتهم من الحروب والنزاعات؟ أم أن دريد الذي هاجم بيان زملائه الإنساني وزايد عليهم ldquo;وطنيةrdquo; بدفاعه عن النظام وما يفعله، هو الوجه الحقيقي الذي لم نره قبل اليوم والذي يثبت كم أن ldquo;لحامrdquo; برع في التمثيل طوال هذه السنوات سواء على الشاشة أو المسرح أو في حواراته الصحافية؟ وهل كانت استقالته من منصبه كسفير للنوايا الحسنة مسرحية من نوع خاص؟

نستغرب أيضاً لغة التخوين التي انتقلت من مصر إلى سوريا، كأن الدرس الأول لم يكن كافياً ليتعظ منه الفنانون في أي بلد عربي كانوا . كثير من الفنانين اتخذوا من التلفزيون السوري وقناة ldquo;الدنياrdquo; منصة لمهاجمة زملائهم ونعتهم بألفاظ لا تليق بمن يفترض أنهم من فئة المثقفين والمفكرين، مثل الممثل زهير عبدالكريم الذي وصف زملاءه الموقعين على البيان بrdquo;الخائنينrdquo; وطالب السلطات بسحب الجنسية منهم، داعياً هؤلاء الموقعين إلى دعم السلطة والعمل ldquo;على تلميع صورتهاrdquo; . واللافت أن قناة ldquo;الدنياrdquo; تفرز الاتصالات التي تردها من الفنانين والمشاهدين، وتقطع أي اتصال لا يتوافق مع صوت السلطة، وتفتح الأبواب أمام وصلات المجاملة واللعب على العواطف التي ساهم فيها عدد من الفنانين . ألا يذكرنا هذا المشهد بآخر شاهدناه على التلفزيون المصري خلال الثورة؟

ليس المطلوب شحن النفوس، ولا محاكمة هذا الطرف أو ذاك، ولكن العدل وكلمة الحق هي الفيصل وهي الحكم . وكما أن ldquo;الموالينrdquo; للسلطة يدافعون عنها بكل الوسائل، من حق المناهضين أن يقولوا كلمتهم إذا كان ldquo;سقف الوطنrdquo; يستحمل هذا الصراع الديمقراطي ويفسح المجال أمام أبنائه ليعبروا عن أنفسهم كما يقولون . أما إذا كان السقف أدنى من هذه الحدود، فدعونا نسأل: ماذا إذا أزيل السقف وتعرى الوطن؟

بوركت الأصوات التي تنادي بالوسطية وبحماية الناس من الهمجية ومن التعذيب الإنساني وتفصله عن أي موقف سياسي، وبئس من يرفع شعار: اصلبوهم، اجلدوهم، قاطعوهم، انهشوا لحمهم، لأنهم قالوا كلمة بحق أهلهم وناشدوا الضمير الحي أن يجنب الوطن مجازر أهلية .


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
محاكمة بشار
سوري يكره بشار -

دريد لحام انطلق ضد الثورة من مبدأ طائفي لأنه شيعي. لسنا طائفيين لكننا نريد كشف طائفية الآخرين. يا حيف. عاشت الثورة ويسقط بشار.

سيناريو واخراج سلوم
احمد ابو الياس -

اعتقد ان لكل حريته ورأيه فيما يدور من احداث في بلده انما صاحبة المقالة وكأنها كتبت للفنانين نص للتمثيل وتريدهم تمثيله بالقوة هذه الطريقة ليست بجديده عليكم ومن يحاول الصيد في الماء العكر لن يكون نظيفا وان كنتم تحاولون استجرار العباد الى خراب البلاد لن تفلحوا الا اذا كنتم تريدون ان تقدموا كمية من الحليب كامل الدسم للمناطق التي تدعون بانها محاصرة ولا اعتقد ان من تظاهر سلميا اصيب او تعرض لاي مكروه اما من تظاهر وبيده السلاح وقصده التخريب وهذا ما يحصل كل جمعة بعد اداء حركات الصلاة فلا بد لا بل يجب ان ينال جزائه لان من لا يتظاهر لاذنب له ان يتعرض للايذاء من المتظاهرين كفاكم وكفى هذه الامة التي لن ينصرها الله بهؤلاء المخربين -نسال الله الهداية لشعبنا وبلدنا

الى رقم 1
سوري -

أخي وهناك ايضا فنانين سنة وقفوا مع النظام كأمل عرفة وايمن زيدان وسلاف فواخرجي وميادة الحناوي وسامر المصري ومها المصري وسلمى المصري ونادين تحسين بيك ووائل رمضان وسيف الدين سبيعي وغيرهم فالموضوع ليس بهذا التصور وهناك شرفاء من كل الطوائف كمي سكاف المسيحية وكنده علوش العلوية واصالة السنية وجمال سليمان العلوي وغيرهم

الاخراج والتمثيل
محمد وليد -

لا تلوموهم ! فالتمثيل ادوار يمليها المخرج السينمائي او التلفزيوني او المسرحي.وفيلم الرعب الاسود،الذي تخرجه قوات الامن السورية اليوم ،يتطلب ادوارا اكثر درامية، لايملك الممثل تعديلات عليها ، ولا يقدر ان يبدي اعتراضا ، لانه منقاد اليها ، مصوبة نحوه الكاميرا والبندقية، الامر الذي يحتاج الى شجاعة كبيرة تفوق حدود المسرح ، وفتات العطاء،وموت الضمير،وفقدان المشاعر ،وسكرة التمثيل ،وغشاوة النفاق،وانعدام الوفاء للمواطن المهان ،وللوطن الذي تدفن ابناؤه في المقابر الجماعية، وتبكي نساؤه دموعا ودما ،وهي ترى الاعتقال والتعذيب والقتل لرجالها،والتمثيل بجثث ابنائها واطفالها. فالتمثيل لا تقتصر براعته على الفنانين . فالقتلة هم اكثر براعة واشد تنكيلا.

النصر
الثورة السورية -

الثورة ستنتصر، والظلم سيزول، وهؤلاء الذين وقفوا في وجه الثورة من الممثلين سيندمون، لم نكن نعول على موقف الممثلين لأنه يسهل عليهم التمثيل.

المهرج شا رلي
غربة -

هذا النكرة الطوشة تاريخه يشهد عليه , كان كركوز رفعت اسد أيامه والآن أصبح مع رامي مخلوف ( ... ) حالياّ ,هل يعقل أن يعول على مثله بموقف شريف حضرة السيد سفير النوايا الحسنة ؟

لا حياددية في الحق
محمد الحجازي -

الفنانون أغلبهم مرتزقة على جراحات وعذابات السوريين , ولم نكن نظن بهم أو بمعظمهم أكثر مما فعلوا , تحية للشرفاء الذين ناصروا الحق والعدالة والشعب الأعزل حين يواجه الرصاص بالصدر العاري , نرجوا أن يتعلموا الشجاعة من شباب سورية ومن حمزة الخطيب , لا من باب الجارة, لا توجد منطقة وسطى بين الحرية والإستبداد , بين الظلم والعدل.