جريدة الجرائد

اليمن ينزلق الى انفاق الحرب الاهلية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله الشعيبي


دخلت اليمن قبل اربعة أشهر الى اليوم عمر جديد من انطلاقة ثورة الشباب اليمني السلمية المطالبة باسقاط النظام الحالي ومحاكمة رموزه وعلى رأسهم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ورفضة المستميت في التنحي عن السلطة مرحلة فارقة من تاريخة الحديث ستؤول الى ما يخطط له الرئيس نحو حرب أهلية ومن ثم أجهاض الثورة ومشروعية أهدافها الطبيعية الهادفة لإسقاط هذا النظام المهترئ والفاقد للشرعية 'ولكن كل المؤشرات والمعطيات تشير الى قرب عهد صالح .
وعلينا هنا الاعتراف الصريح بأن النظام السياسي الذي قام على أنقاض النظام الملكي ومن ثم على أنقاض نظامي الشطرين 'الجنوبي والشمالي' فشل في تحقيق اهدافه الرئيسية، ففي ظل هذا النظام ارتفعت معدلات الفقر والبطالة والجهل والمرض والتمزق والفساد ... وكل هذا تحت شعارات ثورية وثوابت مقدسة لم تخدم في الأساس غير الحاكم المستبد والفاسد سواء كان فرداً أو حزباً، وهذا الحاكم كان دوماً مايسعى الى أن يحول الناس الى عبيد وموظفين معه بينما كان يفترض العكس.
والحديث عن اليمن والدولة فهو حديث ذو شجون 'فالحقيقة التي يعرفها الجميع انه لا وجود للدولة بمفهومها ومعناها الحقيقيين والذي هو موجود نيابةً عن شكل الدولة هو الفساد الذي يسود ويقود ويدمر ومن هنا كانت الضرورة تستدعي الى تغيير حقيقي لبناء وضع 'جديد ليس له أي أرتباط بالماضي ... مجتمع مدني جديد وقابل للتطور والنمو أساسه دولة النظام والقانون ...لذا كان لا بد من أسقاط هذا النظام ومكوناته ومخرجاته فقد فشلت كل المسكنات الاصلاحية التي تبناها النظام الحالي السابق في أحداث تغيير حقيقي. ولذا فالثورة الشبابية السلمية كان لا بد منها فهي تشكل الأمل الوحيد والممكن لتحقيق تطلعات أبناء اليمن ومن ثم وضع المعالجات الواقعية والصادقة لكل القضايا التي تعاني منها اليمن وتسبب في صناعتها تحت مفهوم (الثوابت المقدة). '
فصالح وخلال 33 سنة من حكمه لليمن تمكن من الامساك 'بكل الخيوط والأوراق السياسية وكذلك التخلص من الرموز السياسية والزعامات الوطنية التي تشكل مشاريع زعامة تنافسية كي لا يكون هناك من ينافسه على الزعامة، كما أنه من خلال ذلك تمكن من أختزال اليمن وأسقاطه على شخصه وهو أيضاً يتمتع بالدهاء في التخلص من خصومه بل ومن مساعديه الذين يتمتعون بسمعة طيبة ومشاريع زعامة في أوساط الرأي العام اليمني والخارجي ... كما أنه يتمتع بالذكاء في التحالفات السياسية وتحويلها الى أوراق كوتشينة للتسلية ومن ثم التخلص منها وأحراقها ... وصالح أجاد أختزال مصالح اليمن في شخصة وتمكن من خلال ذلك تلبية المصالح الاستراتيجية للاطراف الأقليمية والدولية ويمكن التدليل على ذلك في أختراق السيادة اليمنية من قبل طائرات أمريكية من دون طيار وقتل مواطنين يمنيين بدايةً من ابوعلي الحارثي والشبواني الى المعجلة وغيرهم ... صالح وباعتراف اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة المدرعة وقائد المنطقة الشمالية الغربية واحد الداعمين الاساسيين سابقاً لصالح في اخر بيان له صدر يوم الاربعاء الموافق 26 ايار/مايو 2011م فان صالح محب لحبك المشاكل والفتن والمؤامرات وغيرها من المشاكل التي يعاني منها اليمن الان .
وخلال 33 سنة كان صالح يقود اليمن من نفق الى نفق أطول وأظلم ويبدو أنه مهووس بعشق العمل والتخطيط في الأنفاق ونتذكر كيف تمكن من أقناع السيد علي سالم البيض زعيم الحزب الاشتراكي الحاكم للجنوب قبل الوحدة على قيام وحدة أندماجية وسريعة في نفق غولدمور بمدينة التواهي بالعااصمة عدن ...وفي عهد صالح ومن جراء سياساته الفاشلة وصل الغضب بالمواطنين الى نزع البيعة منه والخروج عن طاعته وانهاء ما تمخضت من نتائج حكمه .
وقد اشتهر صالح بالتنكر لوعوده وأتفاقياته واصبح اليوم يعيش في نفق ميدان السبعين الذي يربط قصره بالميدان وبدأت أوراقه تتطاير وتتلاشى من بين يديه كما اضاع فرصة عمره حينما أتت اليه المبادرة الخليجية لتمنحه فرصة لا تعوض وهي بالتنحي مقابل منحه ضمانات قانونية بعدم الملاحقة والمحاكمة ...
واخر ورقة ضاعت منه بل أضاعها وهي من ضمن الاوراق المنتهية صلاحيتها وهي تحويل خلافة مع عائلة الشيخ الاحمر الى حرب حقيقية وكذا نكوثه بوعوده للوسطاء بينه وبين الاحمر لوقف الحرب التي بدأها صالح ثم أرسل صواريخة لتسقط على رؤوس الوسطاء وغيرهم. وقد سقط العديد من الوسطاء بين قتيل وجريح منهم عدد من المشائخ كما اصيب رئيس لجنة الوساطة اللواء غالب القمش رئيس جهاز الأمن السياسي واقرب المقربين للرئيس الى وقت قريب ربما الى وقت نزع معظم صلاحيات الجهاز وتحويلها الى جهاز الأمن القومي... فعلة صالح الأخيرة جمعت قبائل كانت بين المتحفظة 'والمتفرجة ضده وهذا سيساعد على تقريب ساعة رحيله ويبدو ومن خلال متابعة التطورات الجارية في اليمن بدايةً من الثورة الشبابية الى حربه مع قبيلته ومع قبائل اليمن الأخرى أن صالح لم يرغب ان يكون رئيساً سابقاً بدلاً من مخلوعاً ومطارداً ولا نعرف لما لا يريد أن يكون متميزاً عن غيره من الحكام العرب في تلبية متطلبات وتطلعات شعبه؟
كما أن صالح يجيد لعبة المراهنات واللعب على تناقض المصالح وهي لعبة يحترفها ولكن كما يتضح للمتابعين والمراقبين للشأن اليمني أن رهاناته فشلت امام هتاف الشباب وتحركاتهم الميدانية السلمية والثابتة والمتصاعدة ، فهو راهن على علاقته المتميزة بأمريكا القائمة على شراكته الأمنية في مكافحة الارهاب المتمثل بتنظيم القاعدة من جهة (كثير من اليمنيين يتهمون صالح بدعمه لجماعات منتمية لتنظيم القاعدة بل أنهم يقولون ان القاعدة تخرج من قصر الرئاسة وقتما يشاء) وعلى علاقته المتميزة ببعض الأطراف الاقليمية من جهة أخرى وبذلك يكون قد خسر كل رهاناته مما يدعوه الى ابتكار العاب جديدة ولكنها قديمة ومكشوفة وغير مقبولة من الشعب مثل: اللعب على استخدام القوة وارهاب الخصوم واضعافهم وبالذات شباب الثورة بالاضافة الى زرع الفتن بين مكونات المجتمع ومناصري الثورة الشبابية وخصوصاً بين القبائل المناصرة والمشاركة في الثورة وكذلك التهويل من نشوب حرب أهلية في حالة غيابه عن المسرح ونراه متشوقاً لتلك اللحظة أي لإدخال اليمن في انفاق الحروب الأهلية يتناسى فيها الشعب ثورة الشباب 'منطلقاً من مبادئ حاكم روما نيرون الذي أحرق روما وجلس يتفرج عليها واسارير الفرح تعشق كل جزء من جسده .
لقد ظل صالح يفاخر بصناعته لاحداث تاريخية ومنجزات خلال 33 سنة ومنها تحقيق وحدة اليمن مع أنه لم يكن وحده من صنعها أو حققها بل هناك مؤسسات وشخصيات كثيرة أساسها السيد علي سالم البيض ... وظل صالح يربط استمرار هذه الانجازات باستمراره وبقاءه في الحكم الى مالانهاية ولكن ليس كل الأماني تتحقق، وبأعماله الأخيرة سوف يتعثر المؤرخون وهم يكتبون تاريخ اليمن الجديد ... وللأسف أنه بسبب سياساته غير المنضبطة وغير العادلة تسبب كثيراً في تغيير مشاعر الناس في الجنوب من الحب للوحدة الى الرفض لها والخروج مطالبين بفض الشراكة التي تم اختطافها من قبل صالح ونظامه محاولاً محو تاريخ الجنوب شعباً وأرضاً وهذا سيعرضه للحساب والعقاب مع الايام القادمة كونه أستحل دماء وأرواح وممتلكات أبناء الشعب وبالذات في الجنوب وهذا ما قد يدفع المؤرخون للتعثر المتعمد في الأشارة الى تاريخ صالح ونظامه بسبب ما ارتكبه بحق الوطن والشعب ...
وتحولت فكرة الوحدة الى كابوس بالنسبة لغالبية الجنوبيين وطاردة حتى بالنسبة للفكرة الوحدوية العربية وأتذكر أن لي صديقا حدثني عن حديث تم بين مجموعة من الأصدقاء في مقيل قات بصنعاء وكانوا يتحدثون عن فكرة الوحدة العربية وأهميتها للعرب في العصر الراهن فأذا أحد المتواجدين طلب الحديث فهو معه أيضاً سؤال مهم 'قال: الوحدة شيء جميل لكن لو تمت الوحدة العربية فهل ستكون القاهرة هي العاصمة المركزية؟
فاجابه أحدهم: طبعاً ... فعلق صاحب السؤال: يعني لو واحد معه قضية أو مشكلة يسافر الى القاهرة كي يحلها، لا حبيبي يكفينا مرمطة (تعب) صنعاء التي كرهتنا بالوحدة حقنا (يقصد الوحدة اليمنية). هذا التفكير ناتج عن غياب دولة النظام والقانون ووجود دول عربية تحترم ادمية الانسان العربي.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف