ربيع الثورات العربية وإمكانات التغيير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالكريم محمد العامري
يقدم ربيع الثورات العربية بياناً لبعض ساسة الحكم علي امتداد الوطن العربي ولمن حولهم، إن ما يجري حالياً من ثورات ليست أمراً عابراً، كما هو حال الثورات العسكرية التي حدثت قبل نحو ستين عاماً .
بدءاً يحسن تأكيد أن هذا المقال لا يدعي احتكار حقيقة فهم طبيعة الثورات العربية ولكنه محاولة في اتجاه ذلك الفهم . هناك دلائل واضحة على أن ربيع الثورات العربية يعلن أن الأمة تشهد ميلاد فجر جديد، فجر يعلن بوضوح أن أنظمة حكم الفرد قاربت على نهايتها . فجر يعلن أن ليل تغييب المواطن العربي عن حكم نفسه يوشك على الرحيل . لقد شاخت أنظمة الحكم المطلق في الوطن العربي والعالم غير مأسوف عليها، شأنها في ذلك شأن الأنظمة التي سبقتها في بقية أنحاء العالم .
وبذلك يتعين على أولئك الساسة التحرك سريعاً نحو إصلاح جذري، أو عليهم المكابرة ثم الرحيل، تلك سنن الله في خلقه سواء كانوا بشراً أو أنظمة حكم .
احتاجت الأمة لأكثر من أربعة عشر قرناً لإزاحة ldquo;الملك العضوضrdquo;، وهاهو ldquo;الليل الطويلrdquo; قد ldquo;انجلىrdquo; وبشائر الفجر تبدو مشرقة وضاءة .
دلائل ذلك التغيير الحتمي كثيرة، منها ما يتعلق بطبيعة الثورات نفسها، ومنها مايتعلق بالقوى السياسية المسيطرة .
طبيعة هذه الثورات ومسبباتها تجعل منها ثورات عابرة للحدود، كما تجعل منها حبلى بالتغييرات الجذرية، هي ثورات وليدة قوى شبابية تشكلت خلال فترة وجيزة . عمرها لا يتجاوزعمر مواقع التواصل الإلكتروني .
امتلكت هذه الثورات قوة تعبوية هائلة بفضل التطور التكنولوجي، فاقت في ذلك القدرة التي امتلكتها الدولة واحتكرتها لسنين طويلة .
من عناصر قوة الثورات الحالية أنها غير ldquo;مؤدلجةrdquo; أي أنها ليست مرتبطة بفكر سياسي أو ديني .
كذلك فهي ثورات غير طبقية، بمعنى أنها لم تتولد إثر صراع طبقي، هي ليست ثورات طائفية أو عرقية . لقد انضوت تحت لوائها طوائف المجتمع كافة .
وأخيراً فإن من طبيعتها أنها ثورات سلمية، سلاحها صدور عارية، باستثناء الثورة الليبية التي فرض عليها السلاح فرضاً .
هذا عن طبيعة هذه الثورات، أما عن مسببات انطلاقها فهي بسيطة تعتلج في صدر كل مواطن عربي من المحيط الي الخليج: رغبة الشعوب في حكم نفسها بنفسها من خلال انتخابات حرة .
في مقابل هذه الثورات تقف قوى سياسية استنفدت أسباب وجودها وهي بالتالي مشرفة على الغروب، أول هذه القوى تقف بعض أنظمة الحكم القائمة . لقد فشلت هذه الأنظمة في كل شيء . لم تنجح إلا في إقامة أنظمة استبداد قمعية أهدرت كرامة الإنسان وصادرت حريته، سقطت عروش هذه الأنظمة، ليس تحت وقع هدير الدبابات وإنما تحت وقع هدير الحناجر العارية .
ثاني هذه القوى التي سقطت سقوطاً مدوياً هو الفقه السياسي الديني، فقه تحالف مع السلطان منذ سقوط الخلافة الراشدة علي يد بني أمية .
لقد أزاحت الثورات الحالية فقه السلطان من طريق الشعوب العربية الساعية لاستعادة تقرير مصير حكمها بنفسها من دون مواجهة مع ذلك الفقه .
وبالتالي لن يحتاج حاكم مصر الجديد مثلاً لفتوى لتسلمه الحكم أو لفتوى تحرم الخروج عليه .
ثالث هذه القوى هي حركات العنف الديني، لقد حملت هذه الحركات راية معارضة حكم أنظمة الاستبداد لقرون طويلة، إلا أنها لم تتمكن من تقديم برامج قادرة على تعبئة ما يكفي من جماهير للقضاء على تلك الأنظمة .
استنفذت هذه الحركات مبررات وجودها بإبقاء جذوة المقاومة مشتعلة، وإن كانت كلفت الأمة والإسلام الشيء الكثير، لقد بدأ انحسار العنف الديني المسلح مع بداية عمليات المراجعة التي قامت بها تلك الحركات في نهايات القرن الماضي .
اندلاع الثورات السلمية سحب البساط إذن من تحت أرجل حركات العنف الديني المسلح، التي فقدت بالتالي مبررات وجودها .
رابع القوى التي ستغير المشهد السياسي في الوطن العربي، هي قوى التحالفات الخارجية، لقد فرضت الثورات العربية انقلاباً في مواقف القوى الخارجية، إذ اعلنت تلك القوى وبوضوح لا لبس فيه أنها انتقلت إلى صفوف الجماهير الثائرة .
يعبّر ذلك التحول عن إدراك واعٍ من قبل القوى الخارجية لحقيقة هذه الثورات ولإمكانات التغيير التي ستحدثها .
تلك رسالة ذات دلالة عمقية على بعض أنظمة الحكم الباقية أخذها في الحسبان في تعاطيها مع مطالب التغيير التي حملتها هذه الثورات .
خلاصة كل ذلك أن طبيعة وأسباب الثورات العربية الحالية، وكذلك الحالة الراهنة للقوى السياسية ولتحالفاتها الخارجية تشير إلى أنها تمتلك من المقومات ما يجعلها ثورات عابرة للحدود . كما أنها ثورات ذات إمكانات تغيير حتمي . وبذلك فإن أمام بعض أنظمة الحكم الباقية أمران:
الأول: نبذ الخيار الأمني . حيث تفيد مجريات الثورات الحالية أن اللجوء لذلك الخيار يعتبر بمثابة انتحار سياسي محقق .
الثاني: الشروع في إجراء إصلاحات جذرية واسعة لأنظمتها السياسية تتيح لكافة مواطنيها مشاركة كاملة في العملية السياسية .