سيل الصور المهرّبة من سورية افتُتح بنيويورك واستؤنف بسجن أبو غريب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سامر أبو هواش
أيهما أصدق: الصور أم الكلمات؟ وبدقة أكبر: صور الفيديو المتحركة المنقولة عبر أجهزة الهواتف النقالة، أم الخطابات الجاهزة؟ الصور الملتقَطة بعفوية تامة - عفوية لا تلغي قصديتها التامة أيضاً - أم الخطاب الكلامي المعَدّ سلفاً؟
في المشهد السوري، حاول النظام أن يلعب لعبة الصورة، لكنه أغفل الديناميكية التي تجعل هذه اللعبة مؤثرة حقاً على المقلب الآخر، فمارس في أشرطة الاعترافات التي تبثها قنواته الرسمية، لعبةَ السينوغرافيا والتأليف والإخراج (ومن أبرزها ما بُثّ أخيراً عن الأسلحة بين جثث القتلى)، تلك التي يمارسها بأدوات أخرى - إنما مطابقة في نتائجها - الناطقون باسم النظام على الشاشات الإخبارية. سيان بين الكاميرا المعَدّة سلفاً للتصوير والمشهد المعدّ سلفاً، وبين الخطاب الكلامي، مهما تضمَّن من "معلومات" صحيحة، أو تحليلات صائبة في بعض الأحيان. هناك - حتى الآن- حادثة يتيمة تعود إلى بداية الأحداث في سورية، حاولت الذراع الدعائية للنظام الأمني أن "تقلِّد" من خلالها لعبة مناهضيه، فصورت مجموعة من المسلحين، المتمترسين في منطقة مجهولة وراء بعض الأشجار، مطلقين الرصاص على "الشعب والجيش"، مثلما ادعى الشريط. إن عدم فهم ذراع النظام الدعائية هذه للآليات، أو الديناميكيات التي تحكم تدفق الصور من الشارع السوري، جعلها ببساطة تصوّر هذا "المشهد الخارجي" مقابل، أو كمحاولة لدعم المشاهد الأستوديوية الداخلية المركبة، وذلك باستخدام كاميرا ثابتة تخص التلفزيون الرسمي، من دون أن يتفادى الشريط نفسه القول إن فريق التصوير تعرض لإطلاق الرصاص من قبل هذه المجموعة المسلحة نفسها! إذن، لا يختلف منطق التأليف والتركيب والإخراج هنا، عنه في مشاهد الاستوديو الاعترافية المسجلة، أو "تحليلات" "الأساتذة الجامعيين" و "الصحافيين" وبعض "الفنانين"، الذين ينطقون باسم النظام على الشاشات العربية والأجنبية.
مقابل هذه الصور الواضحة، المرتَّبة، المتسلسلة، المعَدّة سلفاً، والمُمَنْتَجة، تأتينا صور تبدو في أحيان كثيرة ضبابية، مفتقرة إلى الوضوح والدقة، لكنها - ربما لهذا السبب بالذات - أشدُّ وقعاً وأعمق تأثيراً وأكبر مصداقية. يد "المصوّر"/ المواطن حامل الهاتف النقال، ترتعش غالباً، الصور تهتزّ على وقع جسد حامل الجهاز الذي يركض أو يهرول بين الجموع. في كثير من الأحيان، تكون المعلومات التي تتضمنها هذه الصور قليلة جداً، أو ملتبسة، فنرى بضعة أفراد - مثلاً - يحملون المسدسات أوالرشاشات، ثم يقول الخبر إن هؤلاء قاموا بتفريق تظاهرة أو اعتدوا على متظاهرين أو قاموا باعتقالات في هذا المكان أو ذاك، وكذلك رتل من الدبابات يتقدم في شارع ما، ويقول الخبر إن هذه الدبابات متجهة إلى محاصرة هذه المدينة أو تلك المنطقة. الصور ناقصة، لا تقدم سرداً كاملاً، ولا تفي العناصر الخبرية المعلوماتية حقها، غير أننا نصدقها بصورة شبه تلقائية، لأنها تقدّم في الغالب الأعم حقائق يصعب إنكارها، وذلك بالضبط لأنها صور غير دقيقة، ملتبسة، مهتزة، وفقيرة. إنها جزء من ديناميكية جديدة يصعب على النظام (أي نظام) فهمها، ناهيك عن الردّ عليها بمثل طبيعتها أو قوتها. بالطبع - ومن البديهي - يمكن التكلم هنا على المصداقية المفقودة أصلاً للنظام (الأنظمة)، والحجج التي يقدمها مناوئو النظام في هذا الصدد أكثر من أن تحصى، إلا أنه بالإضافة إلى الجانب السياسي من المسألة، وعدم قدرة النظام مثلاً على التعلم من تجارب سابقة قريبة جداً (تونس، مصر، ليبيا...)، مقابل استلهام الجماهير لتجارب الجماهير التي سبقتها إلى الانتفاض، فإن ما فات النظام إدراكه حقاً، هو الثورة الثقافية المفهومية، التي أدت - واليوم نقول إنه كان حتمياً أن تؤدي - إلى هذه الثورات المطلبية والتغييرية في الشارع. لقد امتلك الناس أخيراً الأداة التي تمكّنهم من نقل صورتهم/ صوتهم على نحو لم تعد فيه هذه الصور داعمة لخطاب أو معزِّزة لأيديولوجيا، بل باتت هي الخطاب في حدّ ذاته.
عودة إلى السينما الصامتة
ربما تجد هذه الصور الملتقَطة عبر كاميرات الهواتف النقالة مثالاً قريباً لها في آخر مكان يمكن تصوره، وهو السينما الصامتة. في هذا النوع من السينما الصدارةُ هي للصورة: إيماءات الجسد، تعابير الوجه، إيقاع الصورة غير المطابق للزمن الواقعي (في البدايات الأولى للسينما الصامتة على الأقل)، والأهم من ذلك كله غياب اللغة، التي تأتي فقط عبر بطاقات شرح مقتضَبة من وقت لآخر، الهدف منها فقط خدمةُ الصورة المتحركة وتبيان ما قد يُغفِله المشاهدُ من السرد. هذه السينما - بحسب الناقد الهنغاري بيلا بالاخ - أعادت الاعتبار للوجه البشري بعد قرون من طغيان الكلمة المكتوبة (عبر الطباعة الجماهيرية)، التي أخفت ملامح الوجه تماماً، ومعها تلك التفاصيل الصغيرة التي تستطيع الكاميرا التقاطها في مشهد واحد. يذهب بالاخ إلى الكلام على الطبقات المتعددة من التعبير على الوجه البشري نفسه، وفي اللحظة نفسها، كما في المثال الذي يقدمه عن الممثلة الدانماركية الصامتة أسترا نيلسن، ذلك أنه في غياب اللغة، يصبح التعبير حكراً على الجسد، وهو ليس الجسد البشري فحسب، بل جسد المكان أيضاً، الجسد البشري، و "الأشياء" هي التي تؤدي التعبير. الكرسي الصامت، أو الشجرة، أو الحيوان في المشهد، لا تقل أهمية عن الممثل.
ومن أبرز أدوات هذا التحول التاريخي، عودةُ الوجه والملمح البشري، وإعادة الاعتبار للتفاصيل - بما فيها الجامدة -، وهو ما يسمى في لغة السينما باللقطة المقرِّبة. رمزياً، ما تمارسه الصور المتحركة الملتقَطة عبر "الموبايلات" (ثمة دلالة لا تُغفَل في التعريف القاموسي لهذه الكلمة: متحرك، متنقل، متحول، متسم بامتزاج الفئات الاجتماعية)، هو تقديم لقطات مقرِّبة لما يجري على الأرض. في المقابل، دعت الأنظمةُ التي وجدت نفسها في مواجهة هذه الصور، الناسَ إلى رؤية الصورة البعيدة، الطويلة، الشاملة أو البانورامية، وهي دعوة وجدت نفسها ضمن إطار التحذير من فقدان الأمن الاجتماعي، والكلام على مؤامرة خارجية تستهدف الوطن، والتذكير بمساهمة رأس النظام القومية والوطنية، والتذكير المستمر بأن الأغلبية لا تؤيد هذه التظاهرات... إلخ. الردّ على "المتحول"، على اللقطة المقرِّبة والمتحركة في آن، كان في لقطة ثابتة، جامدة، نرى فيها الرئيس واقفاً يدلي بخطاب معَدّ سلفاً، مطلِقاً الوعود، أو منكراً الوقائع، أو مستبدلاً إياها بوقائع أخرى. رأينا ذلك يتكرر بصورة نموذجية في تونس ومصر وليبيا وسورية. لعلّ الرئيس الليبي التقط - من دون أن يقصد ومن دون أن يفيده هذا الالتقاط - مغزى ما يجري، فرأيناه يخطب بين ركام أحد المباني وكأنه في لحظة عفوية مرتجلة، وكان منفعلاً يدلي بخطاب غير معدّ سلفاً، أو يخرج كثيراً على النص المعدّ، داعياً الناس إلى الخروج "والرقص في الشوارع". بالنسبة إليه هذا هو الردّ المثالي على سيل الصور التي ينتجها مناوئوه. غير أنه، وليس فقط أمام صور الجماهير التي تخرج إلى الشوارع محتجة على حكمه، بل أيضاً أمام الصور العفوية حقاً التي التقطها أناس عاديون، والتي تظهر مثلاً المرتزقة وهم يغزون شوارع العاصمة طرابلس، سقطت محاولة الرئيس الليبي تقمص صوت الناس أو نبرتهم. المسألة ليست مسألة حجج ولا مشاعر، بل مسألة أصالة صور وزيف أخرى، تركيب صور وعفوية أخرى، وهذه لا تحتاج إلى خبراء للتمييز بينها أو تأكيدها. كل الناس خبراء في ذلك.
عودة اللغة
كانت السينما الناطقة قد أعادت سيادة اللغة من جديد، وفي الوقت عينه برز الراديو كمدافع شرس عن اللغة. بهذه الأداة، تمكن هتلر مثلاً من أن يقنع الملايين بأفكاره، عبر الخطاب وحده. وبعده كرّت الأمثلة على سطوة الخطاب (الصوت، الكلمة) وصولاً إلى الأمثلة العربية المعروفة، ومنها إبان صعود القوميات العربية. مجدداً انحطّ شأن الجسد البشري، وما كان يمكن لابتسامة أو تكشيرة أو آثار أقدام على الرمل أن تقوله، بات يمكن اختصاره بالكلام، بل بات الكلام هو الذي يبني الملامح والسمات.
ليس عجيباً إذن أنّ أكثر الشهادات الشخصية أو الفردية بلاغة عن الحربين الكونيتين جاءتنا عبر الكلمة المكتوبة (راجع كتاب "الحياة اليومية للجنود خلال الحرب العالمية الأولى" بالإنكليزية، منشورات غرينوود برس)، في شكل يوميات أو شهادات مجتزأة في تحقيقات صحافية، على الرغم من الكميات الهائلة للصور الآتية من جبهات القتال. رأينا التأثير الرهيب للحرب، عمليات القصف الواسعة، الدمار الهائل، الجنود في الخنادق، الجثث المشوهة، لكننا لم نسمع أصوات الجنود أو الضحايا أنفسهم، ولم نعرف شيئا عن مشاعر الخوف، شكلها وطبيعتها وتأثيرها، وكان علينا الاستعانة بالكلام لكي نرى الزوايا الخفية أو غير الواضحة من المشهد.
لا نبالغ إذا قلنا إنه على الصعيد الإخباري الصحافي، كانت الصورة الفوتوغرافية أعمق تأثيراً بكثير، لأنها تمكنت من التعويض عن هذا الجانب السردي المفقود، عن تلك البلاغة الضائعة، لاسيما أن الصورة الفوتوغرافية كانت المعادِل الأقربَ إلى السينما الصامتة، لجهة إفساح المجال للجسد البشري أو للأشياء كي تروي ما غاب من المشهد، ومن هنا نجد أن معظم المشاهد المؤثِّرة عن الحربين العالميتين، وصولاً إلى حرب فييتنام (بين الأمثلة العربية مجازر صبرا وشاتيلا مثلاً)، هي صور فوتوغرافية جامدة، ذلك أنها - بصرف النظر عن "جماليتها" - احتوت على عنصر أساسي لم تحتو عليه حتى الأفلام الصامتة، وهو عفوية اللحظة، أو الإيهام بها على الأقل. الإحساس نفسه الذي تمنحه إياك السينما الصامتة، بتركيزها على الصورة دون الكلام (وهذه تطورت بالطبع لاحقاً مع السينما الناطقة)، ما يسمى بـ "وجهة نظر الكاميرا"، التي تشعرك بأنك لست مجرد متفرج، بل أنك جزء من المشهد، تنظر بعيني البطل في تلك اللحظة المحددة وترى ما يراه، هذا الإحساس تمكنت الصورة الفوتوغرافية الإخبارية من نقله، إذ لا يسع المشاهد ألاّ يتقمص المصوِّرَ نفسَه في اللحظة التي التقط فيها صورته تلك.
الفتى حمزة والصور المهرّبة
ما هذا؟ حرق سيجارة؟ لا، ما هو إذن ذلك الثقب الأسود على صدر الفتى حمزة؟ إنه ثقب رصاصة. في مكان آخر ثمة ثقب آخر، في أنحاء مختلفة من جسد الفتى نرى آثار التعذيب الرهيبة. ما نراه يتجاوز في قوته وتأثيره صور التظاهرات، التي قد تضم أحياناً مشاهد ضرب عنيفة (فضيحة الدوس بالأحذية)، ليس لأنها تصور فتى قُتل بمثل هذه الوحشية التي لا يتصورها عقل فحسب، بل لأنها صورة مختلَسة، مسروقة، ومهرَّبة. هنا أيضاً يبرز بؤس الحجج التي يحاول النظام الردّ من خلالها، والتي تكشف على أي حال مأزقه الكبير: عدم قدرته على التحكم بتدفق الصور. مارس النظام المصري مثل هذه المحاولة، عندما منع مراسلين وكاميرات تلفزيونية إخبارية من تغطية الأحداث. كان تجاوبه "منطقياً"، إنما عبثياً. إذا كانت هذه الصور تتسرب عبر الإنترنت ووسائل تقنيات الاتصال الحديثة، فلنقم إذن بقطع هذه الوسائل. لم تنجح هذه المحاولة، ببساطة لأن آليات مقاومتها وتفاديها كانت قد ولدت قبل ذلك، في الوقت الذي كان فيه ناشطو الإنترنت يطوّرون أساساً أدوات تحايلهم على الرقابة الرسمية المفروضة عليهم، ذلك أنه من دون قطع هذه الوسائل كان هؤلاء الناشطون يدركون حجم المراقبة الأمنية والاستخباراتية، بالتالي بدأوا مبكراً بالعثور على بدائل من ضمن الوسائل نفسها، وواصلت الصور تدفقها.
في سورية، يحاول النظام آليات مشابهة، فيقطع كل وسائل الاتصال بصورة منفردة، وأيُّ منطقة بعينها تكون في مرحلة ما بؤرةَ تركيزٍ من قبل الأجهزة الأمنية، ربما تتأخر الصور قليلاً عن الوصول منها، بسبب هذه الإعاقة (في بعض الحالات تتأخر كثيراً، لكنها في النهاية تظهر، مثل صور الفتى حمزة، التي ظهرت بعد شهر تماماً)، إلا أنها سرعان ما تبدأ بالتدفق.
بين آلاف "المصورين"/ المواطنين، لا بدّ من أن تتمكن بضع أيد من الإفلات ونقل الصورة، التي في هذه الحالة - وتحديداً بسبب شدة الرقابة ووسائل المنع والقمع - تتخذ قوةَ تأثير أكبر. التحدي لم يعد يكمن في الحراك في الشوارع فحسب، رغم الحصار الشديد والخطر المحدق، بل في إمكانية نقل صور هذا الحراك، كما في السينما الصامتة، فإن التعليقات على الصور المتحركة شديدة الاقتضاب: "الشعب يريد إسقاط النظام"، "الله أكبر"، "باطل"، "ما منحبك"... إلخ. إضافة إلى أداة بالغة الأهمية، تتمثل في ذكر يوم التصوير وتاريخه، وذلك للقول إن هذه ليست صوراً مطلقة في المكان والزمان، ولا توثيقية، ولا مركَّبة، بل هي صور يومية، وهذا ما يُكسبها مصداقيتَها ومشروعيتَها وقوتَها.
ثمار العولمة
في خضم الأحداث المتسارعة، ننسى أحياناً العملية - تحديداً العملية الثقافية - التي قادت إليها. لعلّ لحظة البداية التي أدرك فيها الناس أهمية الهاتف المحمول كشاهد على الأحداث يستطيع أن يتفوق على الكاميرا الثابتة، هي لحظة انهيار البرجين في الحادي عشر من ايلول (سبتمبر). صحيح أن هناك بعض الصور الثابتة التي التقطها مصورون محترفون، مثل الصورة الأيقونية التاريخية "الرجل الساقط"، التي التقطها ريتشارد درو من "الأسوشييتد برس"، والتي نرى فيها رجلاً خلال سقوطه على الأرض بعد رميه نفسه من أحد برجي التجارة، إلا أن سيلاً كبيراً من الصور التي انتشرت حول العالم، سواء صور الفيديو أو الصور الفوتوغرافية الثابتة، التقطها هواة تَصادَفَ وجودُهم على مقربة من المكان في تلك اللحظة التاريخية.
حتى تاريخ انطلاقة الثورات العربية، لم تتخذ الصورةُ اليومية المنقولة عبر الخليوي أهميتها الكاملة، لكن كان ثمة لحظات مهّدت لها، غير الحادي عشر من سبتمبر، لعلّ من أكثرها أهمية فضيحة سجن أبو غريب. كانت وزارة الدفاع الأمريكية قد وجدت حلاًّ سحرياً لتغطية غزوها للعراق، تجسَّدَ في مَن أطلق عليهم "الصحافيون المندسون"، وذلك للتحكم قدر الإمكان في تدفق الصور، وهو ما نجح إلى حدّ ما، وإن لم يكن كافياً، فإن أعداد الصحافيين الذين سقطوا في العراق أو قُتلوا "خطأً" كافٍ ليعكس مدى صعوبة نقل الصور والأخبار من هناك. جاءت صور سجن أبو غريب لتخترق جدار التحكم هذا، كانت هي الأخرى صوراً مهربة، أو ثمة إيهام بتهريبها. لم تفلح كل تبريرات المسؤولين الأميركيين وإنكارهم في التخفيف من فظاعة الصور، ومن الحدّ من نتائج هذه الفضيحة على صورة الأميركي "المحرِّر". لا ننسى هنا أن إتاحة استخدام الإنترنت والخليوي للجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان، كان وسيلة أساسية للتخفيف من الأعباء النفسية للقتال هناك، ولكن من بين الآثار الجانبية لهذه الوسيلة كان تسريب عدد من الصور والأخبار والقصص التي تعكس جوانب أخرى من الواقع غير تلك التي تريد المؤسسة الرسمية إيصالها.
كان من أشكال "انفتاح" النظام السوري، إتاحةَ وسائل الاتصال الحديثة للناس. في حقيقة الأمر، كان ذلك في سورية، كما في سواها، انجرافاً حتمياً مع تيار العولمة، الذي لا تشكل فيه وسائل الاتصال مظهراً بديهياً فحسب، بل هي في المقام الأول ثروة استثمارية ربحية لم يكن في وسع رجال المال والأعمال (وهم من أهل السلطة أو المقربين منها) تجاهلها. استجاب هؤلاء مع مصالحهم بالدرجة الأولى، غير مدركين أن مغارة علي بابا المليئة بالكنوز هذه، هي في الوقت ذاته الفانوس السحري، الذي ما إن أخرج الناسُ الماردَ منه عبر مصادفة الحكّ اليائسة، حتى لم يعد ممكناً عكسُ النتيجة. خرج المارد من القمقم، مجهَّزاً هذه المرة بجهاز هاتف خليوي تتجاوز قدراته السحرية الأمنيات الثلاث التي يتيحها المارد التقليدي.
التعليقات
الحقيقة
محمد السوري -الحقيقة في عالم الصور القادمة من سورية السجن الكبير , ليست بالطريقة لتي التقطت بها الصور والتقنية بل بحقيقة الحدث الذي تنقله , ذلك ماجعل الصدقية للصور .أما الإعلام الرسمي للعصابات الأسدية فهو لا يعمل على إقناع المشاهد السوري ولا الخارجي المتابع , هو يعمل لجر المعركة نحو التشويش والوقوع بصدقية الإعلام من عدمه , يجر الرأي العام عن الواقع الحقيقي وهو مطالب الشعب المحقة , وذلك ما يجب أن ينتبه له الجميع والإصرار دائما علىقضية الشعب الثائر وعدالتها.