الربيع العربي بين إيران و”إسرائيل”

الحسين الزاوي

بصرف النظر عن الاعتراضات التي يمكن أن توجّه بصدد مقولة الربيع العربي، من منطلق أن انتفاضة الشارع في كل من تونس ومصر حدثت في عز موسم الشتاء والأمطار، فإن المقولة ذاتها أضحت واسعة الانتشار ولم تعد هناك صلة واضحة تربطها بالمعطيات المناخية، من منطلق أن الربيع أصبح يرمز إلى عودة الأمل إلى الشعوب العربية التي طالما حاصرها شتاء عقود من الاستبداد والقهر . والآن وبعد هذا الانتصار المدوي الذي حققته الشعوب العربية تحاول القوى الإقليمية، على غرار ldquo;إسرائيلrdquo; وإيران، أن تستثمر الأحداث الأخيرة لصالحها من أجل التأثير في مسار التحولات العميقة التي تبدو المنطقة مقبلة عليها خلال الشهور والسنوات القليلة المقبلة .

ldquo;إسرائيلrdquo; التي دافعت بكل قوة عن نظام مبارك، ولم تخف بداية أحداث الربيع العربي قلقها من سيناريو عربي شبيه بما حدث من انقلاب سياسي غداة الثورة الإسلامية في إيران، عادت بعد ذلك لتحاول مغازلة الثورات العربية، وأكد رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في سياق متصل، أن الربيع العربي يمكن أن يتحول إلى شتاء إيراني، وأردف قائلاً إن ما نريد رؤيته يتحقق مرة أخرى هو الربيع الأوروبي الذي حدث في سنة ،1989 في إشارة منه إلى الأحداث التي أدت إلى سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يرمز بالنسبة للكثيرين إلى ما يسمى الأنظمة الشمولية والاستبدادية . وتشير بعض التقارير إلى أن الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; يفكر الآن، بجدية كبيرة، في تغيير خططه العسكرية في ما يخص حدوده المشتركة مع مصر، وذلك بعد أن كان قد أجرى تخفيضاً كبيراً في قواته على هذه الجبهة، التي كان يعتبرها آمنة إلى حد كبير في زمن حكم مبارك . ويؤكد كل ذلك أن ldquo;إسرائيلrdquo; مازالت مقتنعة بأن مصر تمثل ثقلاً استراتيجياً كبيراً في معادلة الصراع العربي الصهيوني، وبالتالي فتعديل مسار المقاربة المصرية لهذا الصراع على ضوء نتائج ثورة 25 يناير، يمكن أن يغير الكثير من الوقائع الراهنة، لذلك فإن القوى الغربية وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن توظف الورقة الاقتصادية من أجل الحد من عنفوان واندفاع شباب الثورة المصرية، خاصة في ما يتعلق بالقضايا القومية وفي طليعتها القضية الفلسطينية . ويمكن القول في سياق شديد الصلة بهذا الموضوع، إن ldquo;إسرائيلrdquo; التي لم تتدخل حتى الآن بشكل مباشر في مسار الأحداث الجارية في سوريا، تراهن بشكل واضح على إمكانية إضعاف قوة النظام في سوريا من أجل مساومته مستقبلاً في ما يخص مواقفه المبدئية بشأن ملفات الصراع في المنطقة، فحكومة تل أبيب وإن كانت لا تشعر بالمودة تجاه الجار السوري فإنها لا تحبذ في المقابل أن تؤدي صيرورة الأحداث إلى انقلاب كبير في الوضع الداخلي السوري، الذي يصعب التكهن بتطور مسار الأحداث فيه على غرار الاضطرابات الخطيرة التي شهدها وما زال يشهدها العراق بعد الغزو الأمريكي الذي أدى إلى إسقاط نظام حزب البعث بقيادة صدام حسين .

إيران حاولت، من جهتها، أن تصور الربيع العربي وكأنه يمثل امتداداً للثورة الإيرانية التي حدثت نهاية السبعينات من القرن الماضي، من أجل نصرة المسلمين ضد قوى الاستكبار في المنطقة، التي تقودها كل من الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo; . لذلك فقد وجدت طهران في الربيع العربي، مناسبة من أجل تأكيد مكانتها كقوة إقليمية في المنطقة، ووصف المرشد الأعلى للثورة الإيرانية انتصار الثورة المصرية، بأنه انتصار لكل المسلمين . ومع ذلك يجب الاعتراف بأن تطورات الأحداث لم تكن كلها في صالح النظام الإيراني، فهو رغم الدعم الكبير الذي حاول أن يقدمه للمتظاهرين في البحرين وصولاً إلى إدانته لتدخل قوات درع الجزيرة في هذا البلد العربي العضو في مجلس التعاون الخليجي، فإنه فوجئ في المقابل بالأحداث الجارية في سوريا والتي ستؤثر لا محالة، حسب رأي الكثير من المراقبين للشؤون العربية، في التوازنات الإقليمية التي تراهن عليها إيران في المنطقة، والتي تستند إلى محو قوى المقاومة الذي تحتل فيه سوريا همزة الوصل بين كل من إيران وحزب الله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة التي يقيم رئيس مكتبها السياسي في دمشق . والحقيقة أن العلاقات الإيرانية السورية تعدّ من بين أكثر العلاقات الثنائية استقراراً في منطقة الشرق الأوسط، فقد تطورت بخطى ثابتة منذ توقيع مصر اتفاقية السلام مع ldquo;إسرائيلrdquo;، كما أن سوريا كانت أول بلد عربي يعلن اعترافه بنظام الجمهورية الإسلامية في سنة 1980 . وعليه فإن الاضطرابات التي تعيش على وقعها العديد من المدن والبلدات السورية تقض مضاجع صناع القرار في إيران، لأن تغيرات الأوضاع في هذا البلد لن تكون لمصلحتهم وذلك على خلاف ما حدث في العراق، حيث قدم فيه الاحتلال الأمريكي خدمة تاريخية لا تقدر بثمن لمصلحة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران .

ونستطيع أن نستخلص في الأخير أن الربيع العربي رغم الأهمية الكبرى التي يمثلها بالنسبة لقوى إقليمية أخرى كتركيا، التي تحاول بكافة الوسائل أن تعيد رسم سياستها الخارجية المتعلقة بالمنطقة، إلا أن تأثير الثورات العربية في الجانبين ldquo;الإسرائيليrdquo; والإيراني يبدو شديد الوضوح، نتيجة الرهانات الكبيرة التي يمثلها تطور الأحداث بالنسبة للاستراتيجية الداخلية لهاتين الدولتين، قياساً بتركيا التي تسعى إلى توظيف بعض أوراق المنطقة العربية من أجل التأثير في مواقف الدول الأوروبية في ما يتعلق بملف انضمامها للاتحاد الأوروبي .