جريدة الجرائد

الظواهري زعيماً لـ"القاعدة".. من يهتم؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالوها بدر خان

اسألوا الشباب في ساحات التغيير، في تظاهرات الاحتجاج والمطالبة بإسقاط النظام: هل يعنيكم بشيء تعيين أيمن الظواهري زعيماً لتنظيم "القاعدة"؟ المؤكد أن السؤال يتعلق حاليا برجل وتنظيم خارج السياق، ولكن هل كان يوما في السياق العربي الطبيعي؟ نظرياً: نعم، عملياً: لا.. كيف؟ لعل الطرح السياسي الذي قدمه الظواهري، وكذلك أسامة بن لادن، ينطوي على العديد من الأحكام الصائبة، والمآخذ المحقة فيما يتعلق بنقد الأنظمة العربية وسياسات الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. أما النهج الذي اتبع للتخلص من المظالم والهيمنة والتسلط والاحتلالات فظل هامشياً حتى مع تسببه بنتائج كارثية للبلدان العربية وشعوبها.
كان بن لادن، قبيل قتله، قد أذاع رسالة صوتية تفيد باستحسانه الانتفاضات العربية. وقبل أسبوعين عاد الظواهري، الرجل الثاني الذي سيصبح الأول، إلى الموضوع نفسه وكأنه يعتبر تلك الانتفاضات نتيجة للحوافز والتحريضات التي وفرتها "القاعدة" خلال العقد الماضي.
ورغم أن التنظيم برهن دائما عدم اكتراثه بصورته أو شعبيته العربية والإسلامية، إلا أن زعيميه استشعرا على الأرجح أن الحراك الحاصل يمثل شكلا ومضمونا، تهديدا للحيز الذي صنعه التنظيم وشغله في حياة الشعوب العربية والمسلمة. فاللافت في الشكل أنه ركز على الطابع السلمي ونبذ العنف، أما المضمون فيميل إلى دول وحكومات مدنية، منتخبة، وملتزمة إقامة القضاء العادل ومحترمة حقوق الإنسان بمعاييرها الدولية، وقد استتبع ذلك أن تعمد أكثر الجماعات قرباً ومشاركة للنهج الديني، الذي تدافع عنه "القاعدة"، إلى الانتظام في أحزاب والاستعداد للاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
والواقع أن النهج الديني لا يشكل هنا معيارا صارما لمسائلة "القاعدة" فهي اتخذته على أي حال غطاء ومصيدة للترويج والتجنيد، أما أساليب العمل فاستمدتها من هنا وهناك بحسب الظروف والتسهيلات، وغني عن البيان أن الدين الإسلامي تعرض للكثير من الإساءات بسبب القاعدة، ولم يكسب شيئا بفعل تجربتها المستمرة، إذ تحولت نموذجا لعصابات مسلحة تستسهل القتل، وتقدم عليه أحيانا بدم بارد لا يمكن أن يكون وراؤه أي وازع أو دافع له علاقة بأي دين على الإطلاق.
كان لافتا في شريط الظواهري الذي سبق إعلان اختياره للزعامة، أنه طلب من القاعديين تجنب إيذاء المدنيين أو القيام بعمليات في أماكن عامة يحتمل تعرض الناس العاديين فيها للموت أو للإصابة. فالقراءة الأولى لهذه التوصية أنها قد تكون متأثرة بأجواء الحراكات الشعبية ومحاولة للتفاعل مع "السلمية" التي تنادي بها. ولكن تنظيم "القاعدة" لا يستطيع، مهما بذل من جهد، أن يكون جزءا من تلك الحراكات أو مواكبا لها يسعى إلى إنجاحها، وحتى لو وضع نفسه في خط مواز لخطّها، إلا أنهما لن يلتقيا أبدا، والسبب الأول والأهم لذلك أن "القاعدة" ظاهرة نقيضة لفكرة الدولة، في حين أن ساحات التغيير العربية تتوق إلى تأسيس سياق حقيقي لـ"دولة القانون" وللحكم المدني الذي لا يستقيم مع النموذج الذي أنشأته حركة "طالبان" في أفغانستان واعتبرته "القاعدة" مناسباً لتطلعاتها.
صحيح أن أجواء الانتفاضات والثورات أقرت بشكل تلقائي إلى خفوت وهج "القاعدة" وانتفاء المنطق الهش الذي كانت تستند إليه، إلا أن التحديات التي يواجهها، "الربيع العربي" أعادت إليها بعض الأمل بأن استمرارها مبرر أو سيتحصل على مبررات جديدة، فـ"القاعدة" أو ما يشبهها صديقة للدول أو البيئات المائلة إلى الغرق في الفشل أو في الفوضى، لأن هذه تفتح الأبواب لإنشاء "إمارات إسلامية" وفقاً للمعايير القاعدية كما طبقت في الصومال مثلا، أو كما تجرى المحاولات لتطبيقها في العراق وأخيراً في اليمن، أما الفرع المسمى "المغرب الإسلامي" فاقتصرت "جهاديته" في الأعوام الأخيرة على التفاوض لانتزاع أكبر الفدى لقاء إطلاق رهائنه.
يمكن التعرف إلى تلك المبررات الجديدة في ثنايا البيان الذي أعلن فيه تنظيم "القاعدة" تولي الظواهري قيادته، فعدا استعادته مقولة "الجهاد حتى يوم القيامة" ضد "الكفار الغزاة المحتلين لديار المسلمين" وضد "الحكام المرتدين المبدلين لشرائع الإسلام"، يحدد البيان المواصفات التي يريدها لانتصار الثورات الشعبية. إذ يقول إنه "حتى يأتي التغيير الحقيقي الكامل المنشود، الذي لن يأتي إلا بعودة الأمة المسلمة إلى شريعة ربها بعدما نحتها قوى الاحتلال عن الحكم لابد أن تعود شريعة الإسلام خالصة تحكم أمة الإسلام لا تزاحمها شريعة ولا تشاركها مرجعية.
بل إن التغيير لن يتحقق إلا بتخلص الأمة من كل أشكال الاحتلال والهيمنة والسيطرة العسكرية والاقتصادية والثقافية والقضائية التي يفرضها الغرب علينا، وهكذا فإن البرنامج "القاعدي" يعيد إنتاج ثوابته نفسه من خلال التموضع في سياق الثورات الشعبية.
هذا ما يجعله في مواجهة متجددة مع قوى الغرب التي تحاول استقطاب "الربيع العربي" وتضع برامج ومساعدات لدعم تطلعاته الديمقراطية، ولا شك أن الدور الذي يضطلع به حلف الأطلسي في ليبيا يشكل بالنسبة إلى "القاعدة" نموذجاً مرفوضاً، إلا أن التنظيم الذي أبدى مآخذه على هذا الدور، وبلسان الظواهري حتى قبل غياب بن لادن، ربما سلّم مؤقتاً بأن الأولوية هي لإزاحة معمر القذافي بمعزل عمن يسهلها، ليكون له رأي أو فعل في مرحلة ما بعد القذافي، لكنه سيفاجأ على الأرجح بأن البيئة التي ستنشأ لن تتيح له التدخل، وحيثما لا تكون هناك بيئة حاضنة لا يمكن "القاعدة" أن تشكل حالة للعمل من خلالها.
والواقع أن الاهتمام الإعلامي والسياسي بإعلان الظواهري خلفا لابن لادن كان في معظمه غربي، فالمعنيون من خبراء أمنيين اعتبروا أن تنظيم "القاعدة" يخاطبهم لإبلاغهم أن شيئا لم يتغير وأن المخاوف والمخاطر بل لعلها ستزيد، فالزعيم الجديد يريد أن يضع بصمته، وربما من خلال الثأر لقتل سلفه، وبعملية مدوية يعتقد أنها ستجدد إقبال المتطوعين للجهاد، والمشكلة أن مشاريع الحروب الأهلية التي تستبطنها ردود فعل الأنظمة على الثورات الشعبية تبدو كأنها ستفتح لـ"القاعدة" احتمالات غير متوقعة لإطالة عمرها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مغفلون
AKRAM HABIBI -

الواقع أن الاهتمام الإعلامي والسياسي بإعلان الظواهري خلفا لابن لادن كان في معظمه غربي.المغفلون في بلاد الغرب أشكال وألوان. كان الله في عونك وستر على ولاياك. أكرم. رام الله

مغفلون
AKRAM HABIBI -

الواقع أن الاهتمام الإعلامي والسياسي بإعلان الظواهري خلفا لابن لادن كان في معظمه غربي.المغفلون في بلاد الغرب أشكال وألوان. كان الله في عونك وستر على ولاياك. أكرم. رام الله

الحقيقة ولو مرة
طارق هنية -

استاد بدر خان أقرأ لك من 18 عاما ولكن اسمح لي أن أختلف معك هذه المرة. الجميع يهتم لخليفة بن لادن لأن عيونهم مفتوحة على الحقائق. انتبه و لا تنزعج. أنت في مقام أبي ليس الا.

الحقيقة ولو مرة
طارق هنية -

استاد بدر خان أقرأ لك من 18 عاما ولكن اسمح لي أن أختلف معك هذه المرة. الجميع يهتم لخليفة بن لادن لأن عيونهم مفتوحة على الحقائق. انتبه و لا تنزعج. أنت في مقام أبي ليس الا.

كبرياء الظواهري
ياسر حسني -

رغم تصريحاته المتعددة المعادية للغرب، خاطب الشيخ أيمن الظواهري في رسالته لرثاء الشيخ أبي اليزيد بتاريخ 27 – 7 – 2010 قائلاً ;عرضنا عليكم خطة للسلم وتبادل المنافع فشمخت حكوماتكم وإستكبرت ; ... وفي الآونة الأخيرة حاول الظواهري في رسائله المتعددة لشباب الثورات العربية السلمية أن يحرضهم على العنف ضد حكوماتهم في تعاونها مع الغرب الذي يدعم تطلعات الشباب الديمقراطية، ولو كلفهم الأمر فقدان ما حققوه ما حققته ثوراتهم من مكاسب. ولا شك أن الظواهري في ذلك يثبت أنه لا تهمه مصالح أو دماء الشعوب المسلمة، ولكنه يريد الزج بهم في مصادمات تمكن القاعدة من التغلغل بينهم، وتشبع كبرياءة الذي قهر برفض الغرب لعرضه.

كبرياء الظواهري
ياسر حسني -

رغم تصريحاته المتعددة المعادية للغرب، خاطب الشيخ أيمن الظواهري في رسالته لرثاء الشيخ أبي اليزيد بتاريخ 27 – 7 – 2010 قائلاً ;عرضنا عليكم خطة للسلم وتبادل المنافع فشمخت حكوماتكم وإستكبرت ; ... وفي الآونة الأخيرة حاول الظواهري في رسائله المتعددة لشباب الثورات العربية السلمية أن يحرضهم على العنف ضد حكوماتهم في تعاونها مع الغرب الذي يدعم تطلعات الشباب الديمقراطية، ولو كلفهم الأمر فقدان ما حققوه ما حققته ثوراتهم من مكاسب. ولا شك أن الظواهري في ذلك يثبت أنه لا تهمه مصالح أو دماء الشعوب المسلمة، ولكنه يريد الزج بهم في مصادمات تمكن القاعدة من التغلغل بينهم، وتشبع كبرياءة الذي قهر برفض الغرب لعرضه.