جريدة الجرائد

تركيا...هل تضطر إلي نهج مغاير مع سوريا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تركيا...ماذا بعد تدفق الآلاف علي الحدود

هتاي تركياrlm;:rlm; سيد عبدالمجيد


كان علي ان أتذكر تلك المشاهد التي كنت أظنها تلاشت ولم يعد منها سوي طيف شبحrlm;.rlm; قبل ما يزيد علي اثنتي عشرة سنة بداrlm;'rlm; باب الهويrlm;'rlm; غريبا في اسمه وزاد من دهشتي أنه أطلق علي نقطة الحدود للقادم من الاناضول إلي ارض العروبة: الشام الأبي الممانع الصلد الوحدوي ضد الإمبريالية الأمريكية وقطتها المدللة دوما وأبدا إسرائيل.


وفي ساحة الانتظار اشفقت علي الضابط وأنا أرمقه بطرف عيني علي مسافة خطوات وهو منكب يحشر كل تفاصيل جواز السفر حشرا في ورقة بيضاء بوجهيها بيد أنه لم يترك فيها أي فراغ مثل بقايا السيجارة التي كان يشعلها' وكدت أن أمده ببضع وريقات تزدحم بها حقيبتي وتساءلت بيني وبين نفسي: لم كل هذا العذاب ألا توجد آلة تصوير؟ لكن ظني أن الرجل خاف أن تلتهم حواف الماكينة حرفا هنا وآخر هناك قد يكون علي قدر من الأهمية وغيابه قد يعرضه لمساءلة عسيرة وهكذا حرص أن يدون بيده حتي يكون مطمئنا تمام الاطمئنان.
وفي العدد البسيط من الكيلومترات منذ الخروج من الدائرة الجمركية وحتي أول استراحة في الاراضي السورية بدت مشاهد الحياة جدباء مكفهرة وظهر حرس الحدود متواضعا في كل شئ بدءا من ملبسهم وانتهاء بما يحملونه من بنادق تذكرك بتلك التي كانت تستعمل أبان الحرب العالمية الثانية ولم تكن هناك مقارنة بنظائرهم الاتراك درع الناتو الشرقي علي الضفة الأخري من الحدود, أما البشر فيخيل لك أنهم تائهون ينتظرون شيئا ما ورغم أن شواهد الواقع المعيش كانت تقول انه لن يأتي إلا أن نظراتهم كان يحدوها أمل في يوم يجدون ما كانوا يتوقون اليه وهم يعيشون علي رعي الأغنام بالاضافة إلي فتات ما تدره تجارة جالونات السولار والبنزين المدعوم غير المشروعة من أرباح والتي يشاركهم فيها موظفو الدولة بنصيب الاسد, حينما تنقل في طريق عودة الحافلات بعد أن تفرغ ركابها في دمشق إلي بعض الترك ومافياتهم من أصحاب الشاحنات إذن كان الانتقال مروعا من بلد ينتمي إلي عالم الألفية الثالثة وآخر مازال يعيش في ستينيات القرن المنصرم, الشئ الناصع الوحيد والذي يتم تجديده وصيانته باستمرار إنحصر في تلك الجداريات المتواضعة فنيا والمزيلة بالشعارات النضالية ورسومات بدائية للاب وابنه الشهيد باسل ونسيت آنذاك في اي معركة سقط فيها هذا الشاب الذي كان مرشحا لخلافة أبيه وعندما اقتنصه الموت راح مشروع الرئاسة إلي شقيقه.
وما اشبه اليوم بالبارحة فرغم مرور هذه السنين إلا أن أوضاع القري السورية الملاصقة للحدود علي حالها دون تغير اللهم أنها توغلت في الفقر وتوحش سطوة الأمن بأجهزته الاخطبوطية المخيفة التي لا مثيل لها إلا في ثلاثية الجزائرية أحلام مستغانمي ذاكرة جسد. والثابت فإن الحياة كانت مرشحة للاستمرار لولا تداعيات الربيع العربي ورياح التغيير الجسورة التي عصفت بحاكمي تونس ومصر وها هو بشار الاسد ينضم إلي رفقائه ممن يستعدون إلي الرحيل غير مأسوف عليهم.
وكان طبيعيا مع تصاعد آلة الابادة أن يندفع هؤلاء المهمشون ومعهم النساء والاطفال والعجزة وكبار السن إلي الملاذ الآمن في هتاي والذي كان يسمي بلواء الاسكندرون السليب ولعلهم الآن يشـكرون أجدادهم الذين أصروا علي أن يكونوا جــزءا من التـــراب التركي في قلب أنطاكيا العتيــدة التي يختلط فيها الماضي بالحاضر علي نحو فريد. ويبدو ان ما لجأوا إليه كان هو الصواب بعينه إذ أن الأتراك لم يخذلوهم مستقبلين إياهم عن طيب خاطر وربما يأتي الدور علي تلك المناطق الملاصقة لحلب إذ ما امتدت اليها الانتفاضة وهو أمر غيـر مستبعد علي اية حال فقد أعلنت العاصمة أنقرة أنها لن توصد أبوابها امام الأهل في الشام.
ويستمر الزحف والاعداد تتزايد صحيح الجميع يلقون معاملة حسنة إلا أنهم يخشون من المجهول خاصة مع تواتر الانباء السيئة التي يسمعونها وبدورها تؤكد صعوبة العودة لأنهم ببساطة يدركون أن البعث جاهز للانتقام منهم والذي لاتفرق بين النساء أو الاطفال, ورغم تلك المشاهد الحزينة إلا أن نسمات فرحة هبت لترتسم علي وجوه الكبار قبل الصغار وذلك مع قدوم نجمة هوليود سفيرة النوايا الحسنة' إنجيلا جولي' والتي أمضت ساعتين ونصف الساعة يوم الجمعة الماضي جابت خلالها قطاعا من المخيمات وتبادلت بعض' الحكي' مع الصبية بامتنان لعلمها أنهم أنتظروها لساعات منذ الصباح الباكر قبل أن يحط موكبها بعد منتصف النهار ولم تنس جولي أن تردد التحية بلهجة شامية جاهدت طويلا كي تتلفظها. والحق كان اللقاء حميميا وعاطفيا وإنسانيا وفي ختام زيارتها كان شكرها للحكومة التركية لما بذلته وتبذله صادقا فهي حتما قارنت بين ما رأته في أفغانستان وبقاع أخري في افريقيا وهايتي وما لمسته هنا في تلك الاجزاء العزيزة من هضبة الاناضول وهو لا شك يصب في صالح تركيا التي تمتلك الخبرة الكافية لمواجهة تلك الازمات.
غير أن السؤال هو: إلي أي مدي يمكن ان يستمر فرار النازحين؟ وفي المقابل: هل هناك سقف محدد يضطر بعده البلد المضيف إلي نهج مغاير يكون نقيض المتبع حتي اللحظة الآنية؟.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف