جريدة الجرائد

جمهوريات مرجعيتها الاستبداد

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله إسكندر


الجزائر، ليبيا (بجماهيريتها)، تونس، مصر، السودان، سورية، اليمن، العراق، لبنان، موريتانيا، يجمعها اعتماد نظام جمهوري والتأزم الشديد. حتى بات النظام الجمهوري العربي مرادفاً للأزمة. وحتى بات العنف المخرج من هذا المأزق، كما تؤكد التجارب في البلدان المذكورة من دون استثناء.

ويتركز المأزق في هذه البلدان بالضبط حيث يُفترض ان يقدم النظام الجمهوري حلاً لأي ازمة سياسية. اي في توفير الفرصة من اجل تغيير السياسة المعتمدة عبر الانتخاب الحر التعددي والتداول على السلطة. هذا هو صمام الأمان الوحيد في النظم الجمهورية، وهذه هي المرجعية الوحيدة الممكنة للخروج من دوامة الازمات والعنف.

اما في بلداننا العربية، فيبدو ان التسمية لا علاقة لها بالمضمون. اذ جاءت هذه الجمهوريات، باستثناء الحالة اللبنانية ذات خصوصية من نوع آخر، إثر انقلاب عسكري حزبي ولتؤسس حكماً مستديماً. ووضعت الدساتير لتبرير هذه الاستدامة. فبات الاستبداد المرجعية في هذه النظم الجمهورية.

ولذلك انقطع التواصل بين دعوات القائمين على هذه النظم الى احترام الدستور والمنادين في الشارع الى تغيير النظام. فاحترام الدستور هنا يعني الاستمرار في اعتماد مرجعية الاستبداد، والدعوة الى تغيير النظام تعني اعتماد مرجعية مغايرة، تتيح التداول السلمي للسلطة.

ولذلك، كان المتظاهرون المحتجون يخرجون بأعداد متزايدة الى الشارع كلما اعلن الحاكم إجراء تجميلياً. فلا اعلان الامتناع عن رئاسة مدى الحياة (تونس) او عدم الترشح لولاية جديدة (مصر) او التغيير عبر الدستور (اليمن وسورية) عنى بالنسبة الى المحتجين ان النظام يتجه الى تغيير مرجعيته.

الحاكم يعلن انه يلبي مطالب، فهو "يتنازل" عند رغبة المحتجين. لكن هؤلاء لا يقتنعون بما قدم، او هكذا يرى المشكلة، فيحوّل المحتجين الى مخربين. وإلا لاقتنعوا بما قدم، وهتفوا بحياته. وتستمر الامور كما كانت في السابق.

وهنا يكمن جوهر الازمة في الجمهوريات العربية. اذ ان مرجعيتها الاستبدادية لا تتيح لها رؤية مغايرة. ولا علاقة جديدة بين الحكم والمواطن.

وتقدم التجربة السورية نموذجاً لهذه المنهجية الخاطئة. اذ، بعد الشهور الثلاثة من التظاهر والقمع والتدمير، لم يرَ الحكم سوى مطالب فئوية او تتعلق بأسعار المحروقات او برفع الأجور. ويستغرب عدم التجاوب الشعبي مع اجراءاته. ما لم يره الحاكم حتى الآن هو ان المواطن الذي يعيش منذ اكثر من نصف قرن في ظل حكم ذي مرجعية استبدادية يريد حكماً ذا مرجعية ديموقراطية. كما ان هذا الشعب الذي قبل يوماً بحكم حزبي كانت له شعبية ما، بات حالياً يخضع لحكم اجهزة تغلفها قشرة حزبية متهاوية. وبات يدرك ايضاً ان ثمة دستوراً وضع على مقاس رئيس يمسك الى اجل غير مسمى اجهزة الحزب ومؤسسات الدولة، ويتمتع بصلاحيات تفوق صلاحيات كليهما. ويعرف ايضاً ان الرئيس يستطيع، بقرار رئاسي، ان يدخل التعديلات التي تدفع الى تغيير مرجعية الحكم، من دون لجان او حوار.

والرئيس بشار الاسد المعروف بولعه بتحديد معاني المصطلحات والمفاهيم لا يزال في مرحلة اعتبار ان في سورية مطالب معيشية شرعية ومطالب سياسية تخريبية. فالمنهج المعتمد لا يزال لا يرى ان المطلوب تغيير المرجعية السياسية للنظام وليس خفض اسعار المحروقات او العفو عن متظاهرين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف