الانتهاكات... جّرت الاحتجاجات !
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أحمد عبد الملك
حسب تفسير الفيلسوف الإنجليزي "توماس هوبز" لنظرية العقد الاجتماعي، فإن الأفراد في المجتمع قد اتفقوا -دون نظام الحكم- أن يتنازلوا عن حقوقهم التي يمتلكونها مقابل أن يوفر لهم حياة الأمن والاستقرار. ولذلك، وكون نظام الحكم ليس طرفاً في "العقد" فإنه لا يقع عليه أي التزام حتى لو أساء استخدام صلاحياته، لأن الجميع قد توافق على ذلك! ويرى البعض أن الظروف السياسية التي أدت إلى اضطرابات في أنجلترا وفرنسا كان لها تأثير كبير على فكر "هوبز" وتأييده الحكم المطلق.
ثم جاءت الثورة لتقضي على الملكية في أنجلترا ولتحارب الحكم المطلق! وتم إنشاء البرلمان، حيث كان "جون لوك" منظِّراً لثورة 1688 ومروِّجاً لفكرة العقد الذي يضم الحاكم والأفراد، ولكل طرف حقوق وعليه واجبات. وإذا ما تقاعس أي طرف عن الوفاء بالتزاماته كان على الطرف الثاني أن يقوِّمه نحو الصواب، بما في ذلك قدرة الشعب على عزل نظام الحكم، وقيام الحاكم بمحاسبة الشعب. ولذلك أرسى "لوك" نظرية حق الإنسان في الحياة الكريمة والملكية والمساواة والحرية. وفي رأيه أن ذلك شرط للاستقرار السياسي والتنمية والتقدم. وفي فرنسا تأثر "مونتسكيو" بأفكار "لوك" وارتأى أن أنجع نظام لفرنسا هو النظام الملكي، الذي يخضع فيه نظام الحكم لرقابة برلمان يمثل الشعب، ويقوم على الفصل بين السلطات. وزاد في قوة رؤية الفيلسوف "لوك" بأن عمم الفكرة على كل شعوب العالم واعترض على العبودية مثل: تجارة الرقيق في أميركا، كما دافع عن حرية الرأي والتعبير والفكر والمعتقد. وهذا ما حدا به إلى اعتبار الإنسان "قيمة" في حد ذاته مهما كان جنسه أو لونه أو دينه. وقد تأثر الفلاسفة المتعاقبون مثل "جان جاك روسو" و"فولتير"، وكذلك الألماني "كانط"، بالنموذج الفرنسي في مجال حقوق الإنسان، ومبدأ تعايش حرية الفرد مع حرية الآخرين.
وقد وردت عبارة "حقوق الإنسان" في نص ميثاق "عصبة الأمم" ولكنها كانت غير شاملة. كما أنها خصت شعوب الدول التي كانت تحت الحماية في المستعمرات. وفشل هذا النظام فيما بعد.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الجهود الحثيثة لإقامة الأمم المتحدة وكان موضوع حقوق الإنسان من الأولويات التي رعتها هذه المنظمة الدولية؛ بحيث غدا الموضوع شاملاً لكل شعوب الأرض ودون تفرقة بين الرجال والنساء! كما أنشأت الأمم المتحدة أجهزة رقابية تتحقق من تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي أنيط به العديد من المهام ولعل أهمها موضوع: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم تطبيقه اعتباراً من عام 1948، ووافقت عليه 48 دولة دون معارضة، بينما امتنعت 8 دول عن التصويت. (انظر: حقوق الإنسان في ظل العولمة. علي يوسف، 2010).
ويتكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من 30 مادة تناولت جميع المسائل المتعلقة مباشرة بحياة الإنسان وحقه سواء من الجانب الذاتي (حرية المعتقد، والفكر والتعبير) أو من ناحية الدولة أو النطاق الذي يعيش فيه الفرد (الحرية، السلامة الشخصية، عدم التعذيب أو الإهانة، عدم المعاملة الوحشية، السواسية أمام القانون، الحماية القانونية، استقلال القضاء، عدم الحجز التعسفي، الحماية الشخصية وعدم التدخل في معاملات الفرد أو مراسلاته أو سكنه أو أفراد أسرته، أو تعرضه لحملات مغرضة تؤثر على سمعته وشرفه، وضمان حرية الرأي والتعبير.. وحق الأمومة للمرأة، وحق التعليم والاشتراك في الحياة الثقافية للمجتمع والمساهمة في التقدم العلمي)... الخ، (راجع: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة، 1948).
ولو تتبعنا تطور الأحداث الأخيرة في بعض البلاد العربية لوجدنا أن أغلبها، إن لم يكن كلها، جاء نتيجة إهمالها أو تغافلها عن صيانة حقوق الإنسان لمواطنيها، وعدم احترامها لتلك الحقوق المشروعة. ففي تلك البلدان نجد أن الحزب الواحد الحاكم هو الذي يبقى ممثلاً للشعب ولو بالقوة مدى حياة الرئيس، الذي هو رئيس الحزب، كما نجد أن العدالة غير متاحة لجميع أفراد الشعب، واستئثار فئة أو جماعة محددة -قريبة من الرئيس أو الحزب- بمقدرات البلاد، والأمثلة كثيرة فيما أوردته الأخبار بعد سقوط بن علي ومبارك. كما نجد أن السلامة الشخصية غير متوفرة وأن التعذيب أو الزج في السجون طال العديد من المطالبين بالعدالة والحرية عبر الطرق السلمية. وقد ظلت محاكم الدول أو القضاء بيد السلطة في تلك الدول، تتصرف فيها كما تشاء ووقتما تشاء! كما تغولت السلطات على الحياة الشخصية للمواطنين، وتم تفتيش بيوتهم وفتح بريدهم، والاعتداء على حرماتهم تحت ذريعة "الأمن الوطني" وقانون الطوارئ. كما طالت الإجراءات التعسفية في تلك البلدان حرية الرأي! وأصبح كل رأي مخالف لمزاج نظام الحكم أو الحزب أو الحكومة رأياً "كافراً" وجاحداً ولابد من إخراس صاحبه أو قطع لسانه، أو قطع رزقه. وبذلك سقط العديد من الإعلاميين الشرفاء في ساحات الظلم دون وجه حق، فقط لأنهم قالوا كلمة الحق، التي يضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وقد منعت بعض الأنظمة أداء مؤسسات المجتمع المدني لعملها، بل إن بعض القوانين التي تنظم عمل الجمعيات المدنية في تلك البلدان كانت جائرة. كما تم التلاعب بأحقية الإنسان في المشاركة السياسية وإدارة شؤون البلاد، فتلاعب الحزب الحاكم بنتائج الانتخابات نظراً لإشراف الحكومة عليها. كما لعبت بعض الأجهزة التنفيذية دوراً مؤثراً في إقصاء المثقفين والمتنورين والإعلاميين عن دائرة القرار، فقط لأنهم غير تقليديين مثل رجال الدولة، أو لأن لهم نظرة إصلاحية مستنيرة في إدارة الشأن الثقافي والإعلامي والفكري. كما أن بعض الدول لجأت إلى وضع قوانين متعارضة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خصوصاً ما تعلق منها بحرية الإنسان وسلامته الشخصية وأمنه الاجتماعي والوظيفي.
ولهذا كله، فقد ثارت الشعوب في تلك البلدان، على رغم أنها تحملت فترات طويلة زاد بعضها على الأربعين عاماً في ظل حكم شخص واحد! وللأسف، فقد ظهر بعض الرؤساء "الزائلين" أو المزالين يقدمون التنازلات في مواقف ضعف! أين كان هؤلاء قبل تحرك الشباب؟ وأين كانت نواياهم "الطيبة" في تسليم السلطة، أو في توفير الأمن والحرية والأمان الشخصي وفرص العمل وعقلنة استغلال الثروة؟ لماذا سكتوا طوال أربعين عاماً، ولما قامت الاحتجاجات بدأوا يطأطئون الرؤوس ويقدمون التنازلات التي رفضها الشعب.
إن الشرارات بدأت تكبر وتتوسع في تلك البلدان، وما لم تقم بعض الدول العربية بتعديل قوانيها ومسالكها - وفق المواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها- فإن هذه الشرارات قد تزداد، وإن الشعوب العربية تتحمل وتصبر ولكن ليس إلى الأبد! لقد سقطت أنظمة عربية تعتبر عادة من القوة والبوليسية في المركز الأول، وها هي أنظمة أخرى تتهاوى ويصرّح رؤساؤها بأنهم سيتركون السلطة قريباً، بل ولسوف يشترك المجتمع الدولي في إسقاطها؛ لتكون عبرة لكل الأنظمة التي لا تحترم شعوبها، ولا توفر لها أدنى مستلزمات العيش الكريم.