جريدة الجرائد

هل يفعلها الأسد؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

طارق محمد الناصر

قرأتُ الرسالة التالية لسوري يحاكي فيها خطاب الرئيس بشار الأسد يوم الاثنين الماضي: "أصدرت القيادة اليوم القرار القاضي بالبدء الفوري بوضع مسودة لإعداد مشروع ورقة متعلقة بتشكيل لجنة خاصة لدراسة متطلبات العمل على آليات إعداد جدول زمني لاستصدار مدونة لسبل إنشاء مجلس معني بحل المعوقات التي تعرقل عملية تداول القضايا المرتبطة بالحوار الوطني".

خطاب الرئيس السوري كان بالفعل مشابهاً لما ورد في الرسالة أعلاه. إذ لم يتسم بالوضوح ولم يقدم إلا الوعود بالنظر في مطالب المحتجين عبر حوار وطني. ورغم أن المطالب واضحة ويمكن اختزالها في الشعار المرفوع من السوريين "الحرية والكرامة" إلا أن الرئيس الأسد اختار تجاهل ذلك.

خطاب الرئيس الأسد يثبت أنه لم يستفد من خطأ الرئيس المصري السابق في خطابه الأخير عندما جعل وسائل الإعلام المصرية تروج لخطابه قبل إلقائه واصفة إياه بالخطاب المهم وجاعلة الملايين يتسمرون أمام الشاشات في انتظاره. فالإعلان مسبقا عن الخطاب جعل الجماهير ترفع سقف توقعاتها لدرجة أن أقلها تفاؤلا كان يتوقع قرارات جدية تتجاوب مع مطالب الشارع السوري.

ولم يقتصر خطأ الخطاب على فراغه من المضمون بل تعداه إلى استخدام لغة تتهم المحتجين بالإرهاب والضلوع في مؤامرة خارجية، والى تقزيم ما يجري في الشارع. فتقسيم المحتجين إلى طلاب حاجات ومجرمين فارين وتكفيريين جعل المحتجين، كما هو متوقع، يشعرون بالاهانة ويخرجون للتظاهر، مجددا، بمجرد انتهاء الخطاب.

لا يبدو أن الرئيس السوري يعي ما يدور حوله ولا المصير الذي ينتظر نظامه ما لم يصغ إلى أصوات السوريين المطالبة بالإصلاح الشامل. وهو في تجاهله لأصواتهم يجعل من المحتم بلوغ الأزمة في سورية لنفس الخواتيم التي يتجه إليها نظام ملك ملوك أفريقيا.

مازال بإمكان الرئيس الأسد تدارك الوضع وإنقاذ نظامه وإنقاذ سورية. سيكون الثمن غاليا لكنها فاتورة يمكن دفعها الآن مع ملاحظة أن التأخير سيضاعفها مع تراكم الفوائد. سيتوجب عليه، أولا، الاعتذار عن محاولة إسكات المحتجين بالقوة، والإعلان عن إعادة الجيش إلى ثكناته، وإطلاق سراح جميع المعتقلين في غير الجرائم الجنائية.

يتعين عليه بعدها تعديل الدستور بما يلغي المادة الثامنة المتعلقة بقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع في سورية، وحل الأجهزة الأمنية وإحالة المتورطين في جرائم قمع السوريين إلى القضاء. ويتعين عليه، أيضا، حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات نزيهة، ومعالجة الفساد ومعاقبة المفسدين.

مسار الأمور ينبئ بأن الرئيس السوري لن يستجيب للإصلاح إلا بعد أن تكون مطالب السوريين، للأسف، قد تجاوزته.

النافذة تضيق مع الوقت، فهل يفعلها الأسد ويبادر ؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا تتفائل
متوازن -

لا اظنه يبادر ابدا. سيسقط كغيره من الطفاة

لا يعيش الواقع
Salim Salim -

اللافت الغريب في الخطاب المعني، أن صاحبه، وهو رئيس البلاد، والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، ورئيس مجلس الأمن القومي.. الخ لم يلتزم بصراحة قطعية بضرورة وقف أعمال القتل والتعذيب والملاحقة بحق المتظاهرين السلميين من جانب قوات السلطة؛ ولم يتحدث عن ضرورة معالجة وضع الأجهزة الأمنية من جهة إبعادها عن الدولة والمجتمع، وتفكيكها، كونها مجرد إمارات سلطوية تستهلك طاقات البلد وتقمع تطلعات المواطنين في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؛ وهذا فحواه أن مصطلح الدولة الذي شدد عليه الرئيس - لتيّقنه من عدم وجود دولة بالمعنى المتعارف عليه قانونياً في سورية - كان المعني به الدولة الشكلية التزيينية التي تظهر أمام وسائل الإعلام، وتخاطب العالم الخارجي؛ في حين أن الدولة العميقة التي يتحكم بمفاصلها الأمراء اللامرئيون هي الدولة الفعلية التي يبدو أن الرئيس تحاشى ذكرها، أو حتى مجرد تناول فكرة الحد من سلطانها. أما قوله بأن ''الشيء الطبيعي هو أن يتعامل مع المواطن جهاز الشرطة والقضاء''، فهو قول يتناقض بالمطلق مع بنية السلطة التي أسس لها الأسد الأب، وتعامل معها الأسد الاين من دون أي تغيير، على الرغم من مضي أحد عشر عاماً على حكمه. فالسلطة المعنية تقوم على الأجهزة القمعية التي لا تخضع لأية مساءلة أو محاسبة، وذلك بناء على قواعد وضعت على مقاسها، وهذه الأجهزة هي التي تختار المسؤولين في الدولة والمجتمع من القمة إلى القاعدة بما يتناسب مع مصالحها. هذا في حين أن جهاز الشرطة بات موضعاً للتندر والسخرية من قبل السلطة ذاتها قبل المواطنين. من جهة أخرى، يبدو أن الرئيس يحسب حسابه ليحكم سنوات طويلة؛ ولذلك فهو قلق على مصير الأطفال الذين عاشوا أيام الثورة، فهؤلاء سيمثلون مشكلة مستقبلا، لأنهم لن يكونوا موالين مثل أولئك الذين تخرجهم دورات الطلائع والشبيبة والصاعقة، وبالتالي لن يكون التعامل معهم سهلاً كما يرغب الرئيس.ولم ينس الرئيس الدعوة إلى إصلاح المخـــربين أو عزلهم، ويبدو أن مصطلح المخرب هو الآخر هلامي ضبابي لدى الرئيس، وذلك تبعاً لأهواء وفبركات الزمرة اللامرئية المحيطة به. فيبدو أن كل مطالب جاد بالحرية والكرامة إنما هو مخرب حتى يثبت العكس.إن طول الخطاب، وأسلوبه الإنشائي، وإغراقه في تفاصيل توجيهية مملة، كل ذلك يوحي بأن صاحبه لا يعيش الواقع كما هو، كما أنه لا يدرك أن بلاده تعيش حالة ثورية استـــــثنائية لم ت