جريدة الجرائد

البدون في الخليج.. القضية ما زالت مؤجلة!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خالد الجابر

مثلما تشكل الطائرات اليوم عصب وسائل المواصلات في العالم، شكلت السفن البحرية "المراكب" والسفن البرية "الجمال" أهم وسائل التنقل في مختلف المدن العربية ومنها الخليجية التي تعاظم دورها في القرن التاسع عشر بالتحديد حيث شكلت منطقة تجارية إستراتيجية ربطت بين الشرق والغرب، ومثلت للآخرين مطامع استعمارية، من سفن الاستعمار البرتغالي (1507)، ومرورا بالسفن التجارية التابعة لشركة الهند الشرقية الهولندية والبريطانية (1820)، إلى السفن الحربية في الحربين العالميتين الأولى والثانية (1914 mdash; 1939)، ووصولا إلى السفن الأمريكية التجارية والحربية إلى اليوم (2050)!

(1)
تحولت تجارة اللؤلؤ للسكان في الخليج في تلك الفترة مصدر الرزق الأكبر والاهم، وانتشرت مناطق الغوص (المغاصات) على طول الساحل العربي من جزيرة بنات سلامة في رأس مسندم عند مضيق هرمز مروراً بمدينة دبي في ساحل عمان، ثم سواحل قطر والبحرين لينتهي عند سواحل الكويت، إلى أن استطاع الياباني في آخر بلاد الدنيا "ميكيموتو" (Mikimoto Kōkichi)، إنجاح تقنية زراعة اللؤلؤ، والدخول في فترة التردي والكساد والفقر المدقع على طول المنطقة الساحلية وأهلها، إلى اكتشاف الشركات الغربية حقول النفط العربية ورسم الحدود وتحويل المدن الخليجية إلى دول مستقلة. كانت وسائل الانتقال مفتوحة على الحدود رغم بعض العراقيل، فالإنسان يملك حرية الانتقال من مكان إلى آخر دون صعوبات وعقد وفيزا وجوازات وتصنيفات دينية، مسلم مسيحي، أو مذهبية، سنية شيعية، درزية، أو طائفية أيديولوجية بعثية اشتراكية يسارية قومية، وعندما تقع الأزمات وتبدأ المشاكل تراه يحمل حقيبته ويرحل إلى ارض الله الواسعة من مدينة خليجية إلى أخرى عربية أو أجنبية. لقد بدأت المصاعب تظهر بعد تحويل القرى والمدن إلى دول وفرض شروط وقيود وحدود على التنقل والإقامة والعيش على الأرض والانتساب إلى الوطن وتعريف من هو المواطن وتوزيع صكوك المواطنة، ونتيجة لذلك حرمت فئات عديدة من أبناء الأرض الذين ولدوا وترعرعوا وتربوا وتنقلوا فيها من الجنسية الوطنية وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان أيضا من قبل العيش الكريم والزواج والطلاق وحرية التنقل والتعليم والعلاج وحتى استلام شهادة ميلاد من المستشفى ليتم الاعتراف بالمولود أو شهادة وفاة من المقابر حتى يتم دفنه! وأصبحت حتى التسمية الغريبة التي تطلق عليهم ليس لها مكان من الصرف والإعراب (البدون)!! وتجمعت كل مآسي هؤلاء في ملف واحد يتم تأجيله سنة بعد الأخرى، وهو يشبه وضع اسماك في حوض زينة يتم التفرج عليها منذ عصر انتهاء الاستعمار إلى اليوم بلا حل؟! إنها عقدة البدون معنا وعقدتنا معهم هي مرتبطة بمدى إدراكنا وفهمنا وإيماننا بقيمة الإنسان التي لم يستوعبها ملك ملوك أفريقيا وصرخ قائلا (من انتم)!!

(2)
بينما تحمل المراكب على الضفاف الخليجية الفرد وعائلاته من مسقط إلى ابوظبي، ومن الدوحة إلى المنامة والإحساء والدمام، ومن الكويت إلى البصرة وبر فارس الساحل الخليجي الشرقي في الماضي، كانت سفينة تنقل مهاجرا اسمه (فولماوث كيرني) من قرية مونيغال (Moneygall) الصغيرة الواقعة في إيرلندا إلى العالم الجديد، وهو ابن صانع للأحذية، وقد استقل إحدى السفن المتجهة إلى أمريكا بعد تعرض بلاده للمجاعة الشديدة في ذلك الوقت، لم يكن لهذا الشخص النكرة أي قيمة لمدة مائة وخمسين سنة إلى أن جاء من أحفاده وهو الناصع البياض، رجل ذو بشرة سوداء، ومن أصول افريقية كينية، وديانة مسلمة، واسم عربي، تخرج من أفضل جامعة في العالم وأصبح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى (2016)! لقد فتحت المدينة الصغيرة قلبها لرئيس الأمريكي والتي قال فيها "أنا باراك أوباما من مونيغال أوباماز. وقد أتيت إلى وطني لأجد الرابط الذي فقدناه في مرحلة ما من حياتنا". وقالت عنه العجوز "لقد جذبني إليه بقوة وطبع قبلة حنونة على خدي. لن أغسل خدي الذي احتضن قبلة أوباما ما حييت". كثيرون من أمثال هذا المهاجر الذي رحل من مدينته الأم إلى أخرى كما فعل أجدادنا في الجزيرة العربية وخارجها، إلا أن الثمرة عندنا كانت مغايرة حيث لا يتم الاعتراف بالعديد من أبناء المهاجرين وأحفادهم الذين اختلطت أرواحهم ودماؤهم بالوطن وترابه، وظلوا مهشمين، مهملين، مسلوبين أدنى الحقوق الأساسية التي نتفق عليها جميعا دون اختلاف في الشرق أو الغرب ووقعنا عليها والتزمنا بها باتفاقيات دولية وشرائع دينية وكرامة إنسانية!!

(3)
آخر الأصوات المخنوقة وليست الأخيرة انطلق من الكويت بعد انتفاضة الربيع العربي تمثلت في مواجهة مظاهرة سلمية صغيرة خرجت للمطالبة بحقوق لفئة البدون المحرومة التي تشكل ما نحو (106) آلاف شخص في الكويت من نسبة المواطنين (33%)، وفي الإمارات عشرون ألف شخص من نسبة المواطنين (23%)، في قطر 1200 شخص من نسبة المواطنين (16%)، وفي السعودية سبعون ألف شخص من نسبة المواطنين (73%)، وعددهم الإجمالي في الدول الخليجية ما يقارب (184) ألفا ومائتي شخص طبقا لإحصائية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأخيرة. تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الاخير (Human Rights Watch) قبل عدة أسابيع، أشارا الى أن دول الخليج لم تحرز تقدماً رغم تعهداتها منذ عقود بحل قضية البدون الذين يعيشون في الدولة الخليجية دون الحصول على جنسية أو هوية. وذكر التقرير الذي يستند إلى مقابلات مع أشخاص من البدون ومع محامين وناشطين، أن عددا كبيرا من البدون ما يزالون "في موقع ضعف، من دون حماية، ويعيشون في الفقر" في البلاد الغنية بالنفط ويعتبرون "سكانا غير شرعيين".

(4)
هي مفارقة قدرية بالتأكيد فقد تكون محظوظا إذا ولدت في طائرة تحلق في السماء، أو سفينة تبحر في خضم المحيط متجهة إلى العالم الجديد وحتى قبل أن تستنشق الهواء وتلامس رمال الأرض، سيتم الاعتراف بك كمواطن يتمتع بجميع الامتيازات والحقوق بغض النظر عن أصلك وفصلك ودينك ومذهبك وطائفتك وقد تصبح رئيس الولايات المتحدة إذا تم اختيارك من قبل الناخبين واثبت جدارتك وأهليتك وقدرتك كما فعل ابن المهاجر (المزدوج) الذي قدم والده (البيسري) من أفريقيا وجد أمه (الطرثوث) من إيرلندا، بينما قد تشترك مع أبناء الوطن في الدين والمعتقد والمصير والدم والعائلة والقبيلة والطائفة والمذهب والجغرافيا والتاريخ الماضي والمصير الحاضر وبناء المستقبل وتكون احد الناجحين والمتفوقين والقياديين ومع ذلك لا يتم الاعتراف بك وبحقوقك كانسان؟!

فاصلة أخيرة:
مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم.. وضيعوا متاعهم
ضيعوا أبناءهم.. وضيعوا أسماءهم.. وضيعوا انتماءهم..
وضيعوا الإحساس بالأمان
فلا بنو هاشم يعرفوننا.. ولا بنو قحطان
ولا بنو ربيعة.. ولا بنو شيبان
ولا بنو "لينين" يعرفوننا.. ولا بنو "ريجان"
يا وطنى.. كل العصافير لها منازل
إلا العصافير التي تحترف الحرية
فهى تموت خارج الأوطان
نزار قباني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف