جريدة الجرائد

الشرق الأوسط ووصفة هيلموت كول

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أمير طاهري

"لم يتنبأ أحد بوقوعها" ترددت هذه العبارة كثيرا من مسؤولين ومحللين أثناء زيارتي لواشنطن ونيويورك الأسبوع الماضي. تشير هذه العبارة، بطبيعة الحال، إلى سلسلة المظاهرات التي "هزت العالم العربي" خلال الأشهر الستة الماضية.

عدم توقع المسؤولين والمحللين الأوروبيين لهذه المظاهرات أمر متوقع. فلم يتوقعوا أيضا انهيار الإمبراطورية السوفياتية. ولكن ما يثير القلق في الوقت الراهن أن القوى الغربية، إضافة إلى اليابان، وهي الدول التي تمثل 60 في المائة من الاقتصاد العالمي، ليس لديها أدنى فكرة عن كيفية الاستجابة للتغيرات التي تحدث في الشرق الأوسط، ناهيك عن المساعدة في تشكيل البنية الجيوستراتيجية الجديدة للمنطقة.

فالولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس أوباما تنتهج سياسة الاتجاه المعكوس، التي يشجعها الانعزاليون الجدد داخل الحزب الجمهوري المعارض. ويقول أوباما، آملا استغلال الضجر من الحرب كسمة رئيسية في حملة إعادة انتخابه "سنقوم بالتركيز على بناء الدولة".

ولكن المشكلة أن الولايات المتحدة ودول أوروبا لن تستطيع أن تظل واقفة طويلا في دور المتفرج على هذه التحولات الواضحة في الشرق الأوسط.

صحيح أن اعتمادهم على نفط المنطقة لم يعد كما كان في القرن الماضي، وأن نهاية الحرب الباردة أدت إلى أن يفقد الشرق الأوسط قيمته الجيوستراتيجية، وفزاعة "تصدير إيران للإرهاب" لم تعد تخيف كما كانت عليه قبل عشر سنوات، حيث أصبح الملالي في إيران منعزلين ومنقسمين يتجادلون بغضب شديد، بينما لا يزال برنامجهم النووي قابعا في مكانه. ولكن يبقى تنظيم القاعدة، التوأم العربي للإرهاب الخميني، على الرغم من تكبده خسائر كبيرة على جميع المستويات، والأكثر أهمية من ذلك ما كشفته المظاهرات العربية من أنها أمر خطير غير ذي صلة، بالإضافة إلى كون تنظيم القاعدة لم يعد قادرا على استمرار تركيز الانتباه الغربي على الشرق الأوسط.

وعلى مدار العقود الستة أو السبعة الماضية كان الخوف من الاتحاد السوفياتي والنظام الخميني وتنظيم القاعدة أحد أسباب توجه الانتباه الغربي نحو المنطقة.

لكن هذا الخوف إما أنه زال أو تبدد إلى حد بعيد بزوال الخوف من التهديد السوفياتي، ومواجهة نظام الخميني خطرا محدقا من الممكن أن يؤدي إلى زواله في نهاية الأمر. أما بالنسبة لتنظيم القاعدة، فمن الواضح أنه ما من فرصة ليتمتع بنفوذ في أي مكان من العالم العربي.

ربما يحاول البعض جاهدا إيجاد مخاوف جديدة لاستمرار تركيز الانتباه الغربي نحو الشرق الأوسط، لذا تثير جماعة اليمين المتطرف المخاوف من "الهجرة الجماعية" و"الاتجار في البشر" في شمال أفريقيا، بينما تحذر جماعة اليسار المتطرف من "حرب لا نهاية لها" في جنوب وشرق دول البحر المتوسط. ولكن من غير المحتمل أن تكون هذه المخاوف الجديدة، التي تعتمد على فلسفة شوبنهاور التشاؤمية، قوية بما فيه الكفاية لتشكل محور سياسة جديدة.

ولكن ماذا يمكن أن نقترح كبديل للخوف؟ إذا انتهجنا منهج الطبري، أبو المؤرخين الإسلاميين، سيكون الجشع بديلا جيدا. ولكن إذا ما قدمنا بحثنا في الميثولوجيا المسيحية كان البديل الأفضل هو الأمل.

على الرغم من ذلك لا يمكن أن يكون الأمل أو الجشع بديلا جيدا.

ماذا عن "المصلحة الذاتية المستنيرة"؟

إنني أتذكر الجدل القائم حول ما يجب عمله تجاه أوروبا الوسطى أو الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث اعتقد جورج بوش (الأب)، رئيس الولايات المتحدة، وفرانسوا ميتران، رئيس فرنسا، أن البلاد المحررة حديثا ستشكل عبئا مستقبليا في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة وأوروبا مرحلة أخرى من الركود العرضي. على الرغم من ذلك، وجد هيلموت كول، المستشار الألماني، أن الأمر كله بمثابة فرصة لإعادة توحيد ألمانيا وتحرير شرق ووسط أوروبا من الشيوعية.

وبفضل مثابرة كول، بدأت أوروبا مسارا سريعا نحو التعددية وسيادة القانون وتحديث الاقتصاد للدول المحررة حديثا. أليس من الواضح أنه خلال 25 عاما ستكون جميع الدول الأوروبية، فيما عدا أربع دول من الإمبراطورية السوفياتية المنحلة، أعضاء في الاتحاد الأوروبي؟ (والأربع دول هي: بيلاروسيا، ومولدافيا، وروسيا، وأوكرانيا).

وقد تبنى الاتحاد الأوروبي اتجاها مماثلا نحو جمهورية يوغوسلافيا سابقا، حيث جاء تفككها بعد حرب دامية لم تشهد مثلها أوروبا منذ 60 عاما، وتم الاعتراف بجمهوريتين من 6 جمهوريات من الاتحاد اليوغوسلافي كأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتجري مباحثات سريعة المسار لضم جمهوريتين أخريين للاتحاد الأوروبي.

ولا نقترح أن يعترف الاتحاد الأوروبي بدول الشرق الأوسط كأعضاء، وذلك لعدة أسباب لا يتسع لذكرها هذا العمود، ومن غير المحتمل أن يحدث هذا قريبا وفي أي وقت، كما يوضح المثال التركي.

ويدعي ويليام هيغ، وزير خارجية بريطانيا، أنه ما من دولة في الشرق الأوسط لديها "ذاكرة ديمقراطية جماعية"، وأن ما حدث في وسط وشرق أوروبا لا يمكن أن يحدث هناك، ولم يذكر هيغ كيف نطور "ذاكرة" شيء قبل أن نعرف ما هو هذا الشيء.

على أي حال، ماذا تعني "ذاكرة ديمقراطية جماعية"؟

ومتى كان للمجر أو رومانيا - لنكتف بهذين المثالين فقط - مثل هذه الذاكرة؟ هل من الممكن أن يحدث هذا عندما كانوا يعانون لعقود من حكم الفاشيين ثم الشيوعيين. لدى تركيا نظام برلماني، وإن كان بعيدا عن الكمال، منذ العشرينات من القرن الماضي، وعقد أول برلمان في إيران عام 1906. وقبل أن يستولي الجيش على السلطة في الخمسينات من القرن الماضي طورت كل من مصر والعراق "ذاكرة ديمقراطية جماعية" على مدار ثلاثة عقود.

ولكن دعني أعبر عن هذا بصورة أوضح، وهي أن عبارة هيغ تعني شيئا واحدا فقط، هو أن العرب غير مهيئين للحرية والرخاء! ولكن هناك معنى آخر أكثر وضوحا، وهو أن العرب لا يستحقون الحرية والرخاء!

وهذا ما كان كل طاغية يدعيه منذ الحجاج بن يوسف.

في عام 2001 عندما كنت أتناول فطوري مع هيلموت كول في باريس، قمت بسؤاله لماذا قرر أن يساعد الدول الأوروبية الشيوعية السابقة في الحصول على عضوية في الاتحاد الأوروبي؟

قال "لأنني كنت اعتقدت أنهم يريدون نفس الشيء الذي نريده. إنهم يريدون الحرية والأمن والرخاء، وهذا ما يريده كل إنسان، ومن الممكن أن نحققه معا وبصورة أفضل".

لم يقل كول لأنهم يتمتعون بـ"ذاكرة ديمقراطية جماعية".

تنطبق عبارة كول على العرب والأتراك والإيرانيين تماما كما انطبقت على شرق ووسط أوروبا قديما. وعلى الديمقراطيات الغربية أن تؤمن بأن شعوب الشرق الأوسط تريد ما يريده كل إنسان.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
فيزياء بحتة
ع/عطاالله -

-أداء القضاء يشير الى معنى الانسان وعقله.لاأتوقع التمكن من تجميع الانتحاريين رغم الظمأ للدم والعرض.

Church and State
Secular to the bone -

You know what my friend you are right but half way, you know that Europe during the time when religion controlled how you think there centuries ago, I would have said the same thing about Europe that it is not ready for such event, but Europe chose to separate state and church. This is why Turkey made such progress and that was Kamal Ataturk vision, if wasn''t for that Turkey would not be any better than the rest of the middle east. I know many will accuse me of being anti religion, reality check is people of the area has to make such effort, even Jesus himself said what for god is for god and what for president is for the president, although many of my christian friends hate me when I say. even when it is written in their bible.