الفلسطينيون والذهاب إلى الأمم المتحدة...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
يفترض في الجانب الفلسطيني أن يزن الأمور بدقة قبل الإقدام على خطوة من نوع التوجه إلى الامم المتحدة للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود العام 1967. ربما كان السؤال الأول الذي سيتوجب على السلطة الوطنية الفلسطينية طرحه هل أن مثل هذا الاعتراف يقدّم أو يؤخّر، خصوصاً أن الإدارة الأميركية تعترض عليه؟
ستكون للقرار قيمة كبيرة لو في الإمكان تمريره عبر مجلس الأمن. فالاعتراف بالدول وقبولها في الأمم المتحدة يمران حسب القوانين المتبعة بمجلس الامن قبل تحويل الأمر إلى الجمعية العامة للامم المتحدة. ولكن بما أن الفيتو الأميركي سيكون في انتظار الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة في حدود 1967 ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة، يرجح أن تلجأ "منظمة التحرير الفلسطينية" إلى مخرج قانوني يسمح لها بتجاوز مجلس الأمن والتوجه مباشرة إلى الجمعية العامة التي يتوقع أن تبدأ دورتها في الثالث عشر من سبتمبر المقبل.
لا شك أن هناك أكثرية ستعترف بفلسطين "دولة مستقلة في حدود 1967"، ولكن ستظل هناك تساؤلات في شأن وزن الدول التي ستؤيد القرار الذي ستعترض عليه أميركا وإسرائيل. هل ينجح الجانب الفلسطيني في جعل الاتحاد الاوروبي يوافق بكل دوله على القرار الذي يتوقع صدوره عن الجمعية العامة للامم المتحدة؟ هل ينجح، على الأقلّ، في جعل بريطانيا والمانيا وفرنسا تصوت مع القرار؟
في كلّ الأحوال، ستبقى هناك مشكلة كبرى تتمثل في معالجة الموقف الأميركي. من المهمّ أن يكون هناك اتفاق ما مع الإدارة الحالية في واشنطن في شأن الحد من أي اضرار يمكن أن تنجم عن التوجه الفلسطيني. فما لا يمكن تجاهله في أي لحظة أن هناك حاجة إلى ابقاء خط الاتصال مفتوحاً بين رام الله وواشنطن. هذا الخط أكثر من ضروري للجانب الفلسطيني الذي واجه دائماً محاولات إسرائيلية لا هدف لها سوى إغلاق بوابات العاصمة الأميركية أمام ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني. لم تتسامح إسرائيل يوماً مع فكرة تحول "ابو عمّار" إلى زعيم من زعماء العالم يدخل البيت الأبيض من دون اذنها. والثابت من الأخطاء الاساسية التي ارتكبها الزعيم الفلسطيني الراحل استخفافه في مرحلة ما بالدور الأميركي وأهميته، هو الذي ناضل طويلاً من أجل الوصول إلى العاصمة الأميركية وفتح علاقة مباشرة مع المقيم في البيت الأبيض. أغاظ ذلك الإسرائيليين إلى حدّ كبير. لم يتمكن ارييل شارون من وضع "ابو عمّار" في الإقامة الجبرية في رام الله عام 2001 إلاّ بعد أن تخلى الأميركيون عن الرئيس الفلسطيني وصار اهتمامهم محصوراً في عدم الاعتداء عليه بشكل مباشر بعدما أصبح أسير "المقاطعة".
من هذا المنطلق، لابدّ من إعادة النظر في الحسابات الفلسطينية والتفكير جدّياً منذ الآن في كيفية تلافي أي ضرر يمكن أن يلحق بالعلاقات الأميركية- الفلسطينية نتيجة التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. المفارقة أن النص الذي يطرحه الفلسطينيون في الجمعية العامة لا يختلف في شيء عن نص الخطاب الرسمي الأميركي الذي يدعو إلى العودة إلى المفاوضات مع اعتماد حدود العام 1967 مرجعية. أكثر من ذلك، لم يخف الرئيس باراك اوباما ووزيرة خارجيته أن هدف الولايات المتحدة إقامة دولة فلسطينية "قابلة للحياة"!
المؤسف أن ادارة اوباما لم تمتلك ما يكفي من الشجاعة للذهاب في منطقها إلى النهاية. وربما كان هذا الموقف المحير من بين العوامل التي دفعت رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس ابو مازن إلى خيار الحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية المستقلة. المهمّ الآن، ألا يجد ابو مازن نفسه في مأزق أكبر من ذلك الذي أوصله إليه الأميركيون الذين كانوا أوّل من اعترض على الاستيطان ثم تراجعوا عن ذلك. اللهمّ إلاّ إذا كان كل ما يفكر فيه محمود عبّاس هو ماذا سيقول عنه الناس عندما لا يعود رئيساً للسلطة الوطنية ولـ "دولة فلسطين"!
يمكن أن يكون الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة موفقة. يمكن أن يحصل العكس. ما لا يمكن التفريط به هو الاستمرار في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة بهدف التخلص من الاحتلال الإسرائيلي. من لعب دوراً أساسياً في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة التي لا يمكن إلاّ أن ترى النور يوماً هو الدكتور سلام فيّاض رئيس الحكومة الفلسطينية المستقيلة الذي يواجه اعتراضات شرسة من "حماس" كي لا يشكل الحكومة الجديدة. مثل هذه الاعتراضات ليست مستغربة في ضوء نجاح الدكتور فيّاض في تقديم صورة حضارية عن الشعب الفلسطيني وقدرته على بناء مؤسسات مدنية لدولة محترمة. مثل هذه المؤسسات ستساهم في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفي انهاء الاحتلال أكثر بكثير من اعتراف يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وليس عن مجلس الأمن الذي لقراراته وزن مختلف.
ولكن ما العمل عندما يكون الفلسطينيون في المرحلة الراهنة في مأزق حقيقي في أساسه السياسات العنصرية التي تمارسها إسرائيل والإدارة الاميركية الضعيفة والضياع العربي؟ في ظل هذه المعادلة الإقليمية، يتعلق الفلسطينيون بحبال الهواء. الأمل كبير بأن يكون الذهاب إلى الأمم المتحدة جزءاً من عملية سياسية ذات هدف واضح تخدم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، بدل أن تؤدي إلى تعقيدات لا فائدة ترجى منها مع واشنطن.
خيرالله خيرالله