ما يجمع عليه السياسيون اليمنيون..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
هناك امران يجمع عليهما السياسيون اليمنيون بغض النظر عن الجهة او المنطقة التي ينتمون اليها، اكانوا في المعارضة او من الموالين للرئيس علي عبدالله صالح او من الذين يقفون في الوسط. الامر الاوّل هو ان الوضع في البلد في غاية التعقيد وانه يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. الامر الآخر ان الجميع في ازمة وان ليس هناك من يرى مخرجاً منها، اقلّه في المدى المنظور.
لماذا الوضع في غاية التعقيد؟ الجواب يكمن في ان مشاكل اليمن كثيرة الى درجة يصعب احصاؤها. لدى الحديث عن مشاكل اليمن، يحتار المرء من اين يبدأ. هل يبدأ بمدينة صنعاء، احدى اجمل مدن العالم، المهددة بفقدان الماء في مستقبل قريب؟ ام من زراعة القات ومن النمو السكاني الذي يهدد بزيادة عدد الذين تحت خطّ الفقر؟ هل من مشكلة البطالة في غياب البرامج التعليمية والمدارس اللائقة؟ هل من يوقف زحف التطرف والمتطرفين في غياب ضوابط للجامعات والمدارس الدينية التي تخرج في معظمها اشباه اميين لا علاقة لهم من قريب او بعيد بما يدور في العالم؟ هؤلاء اخطر بكثير من الاميين نظرا الى انهم يعتمدون على معرفة سطحية بالدين كي يدعوا انهم يعرفون كل شيء عن العالم وعما يدور فيه، اضافة الى انهم خبراء في العلوم والاختراعات الطبية.
هناك مشاكل خاصة بالشمال واخرى بشمال الشمال ومشاكل خاصة بالوسط واخرى بالجنوب. وهناك ثروة نفطية صغيرة ستنضب قريبا وهناك فوق ذلك كلّه الفقر الزاحف في كل الاتجاهات. الفقر حليف كل انواع الارهاب، خصوصاً ارهاب "القاعدة" التي تجد ملاذاً آمناً في الاراضي اليمنية التي يعتبر معظمها خارج سيطرة السلطة المركزية... هذا عندما كانت تلك السلطة في اوج قوتها ونفوذها!
من الحوثيين في شمال الشمال، الى الحراك الجنوبي، مروراً بالمتاريس المقامة داخل صنعاء نفسها وبما تشهده تعز اكبر المدن اليمنية واكثرها سكاناً في الوسط، يستحيل تحديد ما يعاني منه اليمن. الامر الوحيد الاكيد ان لا مفرّ من البحث عن مخرج نظراً الى ان الجميع في ازمة من جهة وان ليس هناك من يمتلك عصاً سحرية من جهة اخرى.
هناك شلل في اليمن وانسداد للافق السياسي. بقاء الوضع على ما هو عليه سيقود عاجلاً ام آجلاً الى انفجار داخلي يؤدي الى تفتيت البلد. من هنا، تبدو الدعوة الى الحوار في محلها. مثل هذا الحوار ممكن ان يبدأ بمجرد عودة الرئيس علي عبدالله صالح الى اليمن اواخر هذا الشهر، في حال سمح له وضعه الصحّي بذلك. مثل هذا الحوار يمكن ان يركز على المرحلة الانتقالية. اي كيف تكون هناك مرحلة انتقالية تمهد لانتقال البلد الى مرحلة جديدة ما دام علي عبدالله صالح اكّد انه لا يريد ان يرشح نفسه مرة اخرى وان التوريث ليس وارداً. المهم ان تكون هناك بداية لعملية سياسية تصب في مصلحة الانتقال السلمي للسلطة تفادياً للصوملة. فقد تبين مع مرور الوقت ان لا احد يستطيع ان يلغي احداً في اليمن وان ثمة حاجة الى الاحتفاظ بكل ما في المرحلة الماضية من ايجابيات والتخلص من السلبيات التي ادت الى الانسداد الذي يعاني منه البلد حالياً.
من ايجابيات المرحلة الماضية ان هناك دستوراً معمولاً به وهناك انتخابات نيابية جرت بعد الوحدة ثم بعد حرب صيف العام 1994. هناك تعددية حزبية في اليمن وهناك احزاب من كل المشارب بعضها ينادي بالانتماء الى العصر وبعضها الآخر يتمسك بالتخلف. وهناك انتخابات رئاسية جرت في العام 2006 تنافس فيها علي عبدالله صالح مع ممثل للمعارضة اسمه فيصل بن شملان، رحمه الله. كان فيصل بن شملان شخصية محترمة. وعلى الرغم من كلّ ما قيل ويقال عن شوائب تخللت الحملة الانتخابية والانتخابات نفسها، الاّ انه لا يمكن تجاهل ان المعارضين قالوا في علي عبدالله صالح ما لم يقله مالك في الخمرة وذلك طوال الحملة الانتخابية وفي الفترة التي تلتها.
الاكيد ان لا عودة الى الوضع الذي كان سائداً في اليمن طوال السنوات الـ21 الماضية، اي منذ تحقيق الوحدة. ثمة حاجة الى صيغة جديدة تحافظ على البلد وتأخذ في الأعتبار التنوع اليمني والتناقضات التي كشفتها احداث السنة الماضية التي توجت بمحاولة انقلابية استهدفت التخلص من علي عبدالله صالح عن طريق القتل بما يذكر باغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي في السنة 1977 والرئيس الغشمي في السنة 1978. يذكّر ذلك بما كان يشهده الجنوب من حروب اهلية واغتيالات بالجملة قبل الوحدة.
هناك وضع جديد في اليمن. مثل هذا الوضع يضع البلد عند مفترق طرق. اما استمرار الانسداد السياسي واما السعي الى الخروج منه عن طريق الحوار الهادف الى البحث عن عملية سياسية تصبّ في ايجاد صيغة سياسية تحول دون الصوملة. نعم ان خطر الصوملة حقيقي بعد انفلات الغرائز. من كان يتصوّر ان مدينة تعز المسالمة ستكون مسرحاً لكل هذا العنف الذي لا سابق له في تاريخها؟ كيف ستكون طبيعة الصيغة السياسية الجديدة في اليمن؟ البداية تكون بالاقرار بان لا بديل من اللامركزية الموسعة الى ابعد حدود. من الواضح ان لا حلول لمشاكل اليمن كلها. لماذا لا تبحث كل محافظة او منطقة عن حلول للمشاكل الخاصة بها؟ المهم العودة الى السياسة. لا بديل من السياسة والحوار في اليمن في حال كان مطلوباً تفادي السقوط في حلقة مفرغة هي حلقة العنف الذي لن تقود سوى الى كوارث تطال اليمن ومحيطه