القذافي «المجنون».. والمرأة التي «ضيّعت» مبارك!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
شريف عبدالغني
بداية سنوات حكمه، كان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك يلقي خطابا، وخرج خلاله ببعض العبارات بعيدا عن النص الرسمي. حينما جاءت سيرة العقيد معمر القذافي على لسان بعض الحضور، فوجئ الجميع أنه يشير بيده اليمنى بحركات دائرية نحو دماغه، بما يعني أن العقيد "مجنون" وذلك في استعارة مصورة لمقولة الرئيس الراحل السادات الشهيرة التي أطلقها بحق القذافي "الواد المجنون بتاع ليبيا". إشارة مبارك جعلت مستمعيه يغرقون في الضحك مع عاصفة تصفيق اعتادوا إطلاقها تأييدا لآراء أي حاكم أو مسؤول.
لكن في عام 1989 عاد الدفء إلى العلاقات المصرية-الليبية، وانقلبت إشارات مبارك إلى أحضان للقذافي، وتحولت عواصف التصفيق والتأييد لاتهام "العقيد" بالجنون إلى غارات ترحيب به في "بلده الثاني"، والإشادة بمواقفه القومية. لكن يبدو أن القبلات بين "سيادة الرئيس" المخلوع و "الأخ قائد الثورة "الذي هو على وشك الخلع، لم تذب ما في القلوب، وأن اتهام الأول للثاني بالجنون في خطاب علني ظل غصة في حلق "الزعيم الأممي" انتظر اللحظة المناسبة حتى يرد الإهانة لمبارك بضربة قاتلة.
الرأي الحقيقي البعيد عن المجاملات لـقائد "الجماهيرية العظمى" في الرئيس المخلوع معروف للدائرة المقربة من الزعيم الليبي، فبحسب عبدالمنعم الهوني، عضو مجلس قيادة ثورة الفاتح من سبتمبر الذي انشق عن "الأخ القائد" وانضم للمجلس الانتقالي الذي شكله معارضوه، فإن القذافي كان يضحك ويقول عن مبارك إنه "تقدَّمَ في السن وخرّف، وأن مصر تعيش بلا قيادة" (الحياة اللندنية-23 فبراير2011). لكن يبدو أنه ظل نحو عقدين من الزمان يفكر في كيفية الرد على مبارك على الملأ، ولأن "ملك ملوك إفريقيا" يملك من الذكاء الذي جعله يتحدى بطل العالم في الشطرنج خلال المباراة التاريخية التي جرت مؤخرا في "باب العزيزية" تحت أصوات قصف قوات "الناتو"، فقد وجد أن أكبر وصمة عار يلصقها بمبارك ليست أن يسبه، بل أن يمدحه ويتغزل في مزاياه أمام أمة لا إله إلا الله. يدرك "القائد" جيدا أن سمعته العالمية أصبحت في الحضيض بعد إعلانه "الزحف المقدس" على شعبه، وأن زملاءه وأصدقاءه الحكام وحتى الديكتاتوريين منهم راحوا جميعا يتنصلون منه، ويتبرؤون من أفعاله، ويؤكدون أن علاقتهم به سطحية للغاية، ولم تكن تتعدى الـ "ميسد كول" في كل مناسبة. تأكد الزعيم أن خروجه في ظل هذا التنديد الدولي به وبجرائمه ليمتدح مبارك ستكون الضربة القاصمة التي تقسم ظهر "ذلك الرجل الخرف الذي سبق واتهمني بالجنون". هكذا حدث القذافي نفسه، ثم خرج على الفور بخطابه الصوتي ليؤكد أن مبارك "رجل فقير ومتواضع"، ويلوم المصريين الذين تعجلوا الإطاحة به. ويقول: "يجب تكريم مبارك وكان من الأفضل لو ظل رئيسا لمصر".
بالفعل أتت رسالة القذافي أكلها، وراحت وسائل الإعلام المصرية، تتندر على الرئيس المخلوع، وكيف أنه لم يتلق مديحا سوى من ديكتاتور يرتكب جرائم ضد الإنسانية.
ويقولون في مصر "مبارك رجل محظوظ". إنهم حائرون يفكرون يتهامسون -مثل الرفاق في قصيدة نزار قباني "حبيبتي من تكون"- عن كيفية اعتلاء رجل محدود القدرات.. قليل الذكاء.. الأخير على دفعته في الكلية الجوية، عرش مصر. يتساءلون في جنون: كيف لموظف روتيني لم يقرأ كتابا في حياته، ولا حارب مستعمرا، ولا شارك في عمل وطني فترة شبابه، ولا انضم لحزب سياسي، ولا اعتنق فكرا، ولا آمن بإيديولوجية، ولا يملك "كاريزما"، أن يجلس على كرسي الفراعنة الذين جعلوا مصر سيدة العالم، ومحمد علي الذي أسس أول دولة حديثة في الشرق، وجمال عبدالناصر الذي قاد العالم العربي نحو التحرر؟!
لا يجدون إجابة على كل هذه التساؤلات سوى: "الحظ". لكني على العكس أؤمن أن مباركا ليس محظوظا بالمرة، بل إنه "منحوس" و "متعوس" و "قليل البخت" حتى في المقربين منه ومحبيه ومناصريه. إن ما ظنه المصريون "حظا" باستمراره في الحكم 30 سنة متصلة يتمتع بنعيم السلطة ورغدها هو سوء الحظ بعينه، لأن ختامها لم يكن مسكا، بل ثورة عليه، واحتجازا و "بهدلة" ومحاكمة وتهديدا بالسجن في أحسن الأحوال، وربما الإعدام.
أين هو الحظ الذي يتحدثون عنه في رئيس ابتلي بمرؤوسين راحوا يوهمونه أنه عبقري عصره وحكيم زمانه وينفخون في ذاته حتى تضخم ولم يستطع تحمل "شكة دبوس" من مظاهرات شباب سلميين فـ "فرقع" وسط دهشة شعوب العالم.
هل مبارك محظوظ بمؤيدين جعلوه أضحوكة بين القادة. حولوا خطاباته وجولاته من شدة نفاقهم إلى مشاهد كوميدية تنافس مشاهد علي الكسار وإسماعيل ياسين. أثناء رئاسته لمنظمة الوحدة الإفريقية، ظن أحد أعضاء مجلس الشعب الذين اعتادوا النجاح بالتزوير أن ما حدث هو إنجاز عالمي لمبارك وتميز له عن كل رؤساء إفريقيا، وتخيل أنه أصبح حاكما لكل دول القارة السمراء، ولم يعرف أنها رئاسة دورية يتناوب عليها القادة الأفارقة سنويا، لذلك أراد العضو أن يسبق كل زملائه في تهنئة زعيمه بهذا الإنجاز، فذهب إلى ميدان التحرير وعلق لافتة ضخمة تقول: "اختارتك إفريقيا رئيسا لها.. فكيف لا نختارك زعيما مدى الحياة"!
كيف يعتبر مبارك محظوظا، وقد تزوج من امرأة أسهمت بقوة في سقوطه، بتدخلها في شؤون الدولة وتشكيل الحكومات وفرض وزراء من بينهم وزيرة القوى العاملة الحاصلة على الابتدائية فقط، وكل موهبتها هي إغراق يدي "السيدة الأولى" بالقبلات.
أين ذلك الحظ وأولاده عملوا على تحويل الدولة إلى "شركة" خاصة بهم، الأكبر يحلب مواردها، والأصغر يريد "وراثتها" كلها. هل يعرف الحظ طريقه إليه وقد اختار محاميا أطلق مؤخرا أشهر نكتة في مصر بأن مباركا هو أول ثورة "25 يناير".
ثم الختام بصديق مثل القذافي يقول للمصريين: "مبارك كان يأتي إلي يشحت العبّارات من أجلكم، ويذهب للسعودية يشحت منها القاطرات، ويشحتها من أي أحد آخر كله من أجلكم"، ويتساءل: "هل سيركب هو في القاطرات؟ هل سيركب هو في العبـارات؟".
أظن أن مباركا بعدما سمع كلمات القذافي قال "اللهم أعني على أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم". وأعتقد أنه أرسل رسالة هاتفية إلى "الأخ القائد" نصها: والله أنت مجنون رسمي.. ألا تعلم أيها الأحمق أنني لم أركب القطارت التي "شحتها" من أجل المصريين لأنها تحترق بركابها، كما لم أضع قدمي يوما في "عبـارة" تسولتها لأنها تغرق بمن عليها!