مدرسة المشاغبين السعودية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سلمان الدوسري
من يتذكر مرحلة أشرطة الكاسيت التي هبت على المجتمع السعودي مطلع التسعينات، قبل أن تنتهي أثرا من بعد عين، لا بد له أن يربطها، بصورة أو بأخرى، مع دخول المواقع الاجتماعية على الخط ذاته في السنوات الأخيرة، خاصة مع ظهور شريحة جديدة يمكن أن يطلق عليهم "الفيسبوكيون الجدد" أو "التويتريون الجدد"، نسبة لموقعي الـ"فيس بوك" و"تويتر" الشهيرين. فجزء من هذه الشريحة أطلقت عنان أفكارها، وأقوالها طبعا، من أجل الاختلاف لمجرد الخلاف. الحكاية أصبحت وكأنها قيادة طائرة ضخمة محملة بمئات الركاب، دون أن يعرف الكابتن أبجديات القيادة، فبعضهم جل حلمه أن يكون ناشطا، حتى لو لم يملك أدوات هذه الصفة "التنشيطية"، والبعض أزبد وأرعد وسمى نفسه معارضا، هكذا، وأصبح حاله حال الفنان عادل إمام في مسرحية مدرسة المشاغبين، عندما قال: أنا معترض، فلما سئل لماذا؟ أجاب: لا أعلم، لكن هكذا يفعلون!
الأيام القليلة الماضية فضحت هذه الشريحة التي يمكن أن نسميهم بطلاب مدرسة المشاغبين السعودية، عبر حادثتين كان ال"تويتر" والـ"فيس بوك" والمواقع الإلكترونية الأخرى مسرحا لهما. الأولى عبر رسالة مزعومة لسيدة طاعنة في السن كنّت نفسها بأم فهد، وقالت إن ابنها محتجز لدى السلطات منذ سنوات طويلة من دون أن يصلها أي نبأ عنه. الرسالة كانت عاطفية ومعبرة. الآلاف علقوا عليها وساندوها، وبدأت حكاية البيانات تتبلور مع قضيتها، وأصدرت الأحكام القطعية. لم يرغب أحد منهم أن يسمع السؤال المنطقي في هذه الحالات: من منكم يعرف أم فهد شخصيا؟ وزارة الداخلية السعودية ردت سريعا بأنه لا يوجد لديها أصلا أي سجين بهذا الاسم، ومن يملك أي معلومات فليمدها بها، أسقط في يد الذين اشتطوا غضبا وأيدوا شبح السيدة المزعومة، فهم ناصروا قضية وهمية روجها أحد خفافيش الإنترنت، وما أكثرهم.
الحادثة الثانية كانت عبر محاكمة الخلية التي يتهمها الادعاء العام بأنها "تخطط للوصول إلى السلطة" في السعودية. فما إن أعلنت الاتهامات، حتى تهافتت مدرسة المشاغبين للتنديد بالاتهام واعتباره باطلا. وبدأ موال جديد في التشكيك بالمحكمة، على الرغم من أنها لم تصدر أية أحكام حتى الآن. مرة أخرى يسقط في يد المدرسة إياها، فالجلسات مع تواليها بدأت تظهر اعترافات من متهمين في الخلية تسير في نفس طريق الاتهامات الموجهة إليهم، بل ومع اعترافات زعيم الخلية، الذي كانت وسائل الإعلام تنشر دفاعه أيضا، ومع هذا لا يمكن إطلاق الأحكام جزافا طالما لم يصدر القضاء أحكامه القطعية.
لا أحد بكل تأكيد يدعو للعودة إلى الخلف وتهميش هذه الآراء، أو الحجر عليها مثلا، لكن إذا استمرت هذه المواقع في السير وفق العقلية المؤامراتية، فلن تتم الاستفادة من الانفتاح الذي يجب أن تعكسه هذه المواقع، وبدلا من اعتبارها مؤشرا لنبض المجتمع، وتؤدي الدور المأمول منها، ستتحول إلى "شخابيط" تفقد قيمتها مع مرور الوقت.
المضحك أن هناك من يتصور أنه وعبر هذه المواقع يشكل رقما صعبا في المجتمع. الحقيقة تقول إن ذلك غير صحيح إطلاقا، فوسائل التواصل الاجتماعية لا تزال، وبالأرقام، تحبو رويدا رويدا، فوفقا للتقرير العربي للإعلام الاجتماعي الصادر في مايو (أيار) الماضي، فإن عدد مستخدمي "تويتر" في السعودية يقدر بـ115 ألف مغرد نشط فقط (خلال الربع الأول من هذا العام) بنسبة انتشار تصل إلى 0.43 في المائة من عدد السكان في البلاد. أما مستخدمو الـ"فيس بوك"، الأكثر انتشارا، فيصل عددهم إلى نحو 4 ملايين مستخدم بنسبة 15.28 في المائة. بالتأكيد هذه الأرقام توضح ما إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعية لها تأثير كبير على المجتمع أم لا!