لبنان: حكومة ميقاتي سدّدت لنفسها ضربتين موجعتين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أُخذت عليها "تبعيتها" لنظام الأسد وقد لا تفلت من توقعات ميدفيديف بـ "المصير الحزين"
بيروت
لا تزال المضاعفات السلبية التي أثارها موقف لبنان بامتناعه عن التصويت الى جانب البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الامن الدولي في شأن حملات القمع الجارية في سورية تتوالى فصولاً بما ينذر بالمزيد من التداعيات والانعكاسات على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
فإلى جانب الموجة الواسعة من الاصداء السلبية الداخلية التي قادتها المعارضة حيال نأي الحكومة بنفسها عن البيان الرئاسي والتي أجبرت الرئيس ميقاتي على تبرير هذا الموقف، جاءت المواقف الدولية غداة تصويت مجلس الامن على البيان لتزيد من حال العزلة المعنوية التي وضعت الحكومة لبنان ونفسها فيها من جراء هذا الموقف.
وقد اعتبرت مصادر واسعة الاطلاع لـ "الراي" ان الحكومة منيت بضربتين موجعتين متتاليتين عقب اتخاذها موقف الامتناع عن التصويت. فهي من جهة أظهرت نفسها في موقع تبعي بالكامل للنظام السوري ولم تنجح في الاحتماء وراء المظلة العربية رغم ان لبنان يمثل هذه المجموعة في مجلس الامن، فكانت المضاعفات الديبلوماسية والمعنوية محصورة به ولم تطول العرب مجتمعين نظراً الى الانطباع الراسخ لدى المجتمع الدولي من ان الحكومة اللبنانية الحالية هي "من صنع سورية".
اما من جهة اخرى، فان الضربة الاكبر غير المباشرة جاءت من موقف روسيا تحديداً وخصوصاً مع التصريح المثير للاهتمام الذي ادلى به الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف والذي تنبأ للرئيس السوري بشار الاسد بـ "مصير حزين". وتقول المصادر في هذا المجال، ان مصيراً حزيناً اخر ارتسم في هذا السياق للحكومة اللبنانية التي واجهت حقيقة تحول اكبر حليف دولي للنظام السوري وبداية انخراطه في الضغوط الدولية الفعلية المتصاعدة على الرئيس السوري، في حين يبدو لبنان وحده على يد حكومته عرضة لعزلة وتهميش من جراء عدم تحلي الحكومة بالشجاعة الكافية لمجاراة إجماع دولي كان يمكن ان يشكل حماية لها خصوصاً ان البيان الرئاسي لا يعدو كونه موقفاً ضد العنف واتسم بتوازن واضح حتى بين السلطات السورية ومعارضيها.
وتضيف هذه المصادر ان هذه الضربة المعنوية والديبلوماسية للحكومة في اول انطلاقتها ستشكل بطبيعة الحال مؤشراً واضحاً على الطريق الصعبة والشائكة التي ستواجهها تباعاً، خصوصاً ان الوقائع الثابتة في الازمة السورية ترسم خطاً بيانياً دراماتيكياً وممعناً في توقع التطورات التي لا تحمل اي ملامح سارة للحكومة اللبنانية.
واذا كان من الطبيعي ان تتلقف قوى المعارضة هذا التطور وتضاعف تصعيدها السياسي في وجه الحكومة التي اعتبرتها "شريكة في الجريمة ضد الشعب السوري"، فان المردود السلبي الاساسي لذلك سيصيب رئيس الحكومة تباعاً ولو أظهر نفسه مظهر المتماسك وسعى الى تسجيل نقاط لمصلحته في جوانب داخلية اخرى. ذلك ان المصادر تلفت في هذا السياق الى انه حتى في الجانب الداخلي أظهر ملف قانون ترسيم الحدود البحرية الذي اقره مجلس النواب قبل يومين الحكومة ورئيسها في صورة ضعيفة للغاية مع نجاح رئيس مجلس النواب نبيه بري في تعميم صورة "العراب" الفعلي لهذا القانون الذي "خطفه" من الحكومة وبدا رئيس الحكومة متنازلاً عن صلاحيات السلطة التنفيذية لمصلحة رئاسة البرلمان. واذ تزامن هذا الامر مع مسألة موقف لبنان في مجلس الامن، فان هذين التطورين وحدهما يكفيان للاضاءة على ما ستواجهه الحكومة في المرحلة المقبلة المحفوفة بمزيد من الاستحقاقات التي ستثقل عليها خصوصاً ان جدول الاستحقاقات الداخلية من تعيينات ومشاريع قوانين ومعالجات تتعلق بأوجه مختلفة من الخدمات ينذر بكشف حقيقة مواقع القوى التي تتحكم بإرادة الحكومة وتوجهها حيثما تريد، وهو امر سيكون له تداعيات متعاقبة وتصاعدية اسبوعاً اثر اسبوع.
وينتظر ان يشكّل ملف السجون احد "القنابل الموقوتة" المرشّحة لـ "الانفجار" بوجه الحكومة، مع توقعات بأن يستعيد هذا الملف "الموروث" سخونته التي كانت "لفحت" المشهد السياسي قبل اشهر، مع "تهديدات خليوية" أطلقها سجناء بعد سقوط اقتراح قانون خفض السنة السجنية من 12 شهراً الى تسعة اشهر (واقتراح قانون العفو عن بعض الجرائم المتركبة قبل 31 ديسمبر 2010) نتيجة رفضه من غالبية النواب في حين لم يؤيده الا نواب كتلتيْ الرئيس نبيه بري و"حزب الله" الذي كشف احد اعضاء كتلته البرلمانية انه تلقى رسالة نصية على هاتفه الجوال من احد السجناء جاء فيها: "إذا لم يقرّ العفو فسنحرق السجون، وبعلبك الهرمل، ونعلن عصياناً ولو وقع الدم. لم يعد هناك من شيء نخسره. يا نواب الأمة الكرام. بلّغ زملاءك ورمضان كريم".
وكان خيار "التنصّل" من البيان الرئاسي لمجلس الامن بقي محور المواقف في بيروت عشية توجّه وزير الخارجية عدنان منصور غداً الاحد الى سورية حيث يلتقي نظيره السوري وليد المعلم وربما يجتمع به الرئيس الاسد.
ولم ينجح "تبرير" ميقاتي الـ "لا موقف" الذي اتخذه لبنان في مجلس الامن في احتواء "الصوت العالي" للمعارضة، هو الذي كان أوضح ان نأي لبنان بنفسه عن البيان "انطلق من موقف ثابت هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى تماماً كما كان لبنان يطالب بعدم تدخل الدول الاخرى في شؤونه". ولفت الى ان موقف لبنان "لم يمنع صدور البيان باجماع الاعضاء على مضمونه"، موضحاً "ان البيان الذي اعد في مجلس الامن لا يساعد في مفهوم لبنان، على معالجة الوضع الحالي في سورية"، مشيراً الى ان الموقف الذي نأى بنفسه يختلف عن الاعتراض الذي يعطل حدود القرار، "علماً ان دولاً عدة سبق لها ان اتخذت مواقف مماثلة في مواضيع اخرى طرحت على مجلس الامن في ظروف مختلفة".
وفي المواقف المعترضة على سلوك لبنان في مجلس الامن، توجه النائب عمار حوري (من تكتل الرئيس سعد الحريري) بالاعتذار "من الشعب السوري عما اقترفته الحكومة اللبنانية في مجلس الأمن وكأن لبنان الرسمي يقول: نعم نحن نوافق على ما يتعرض له الشعب السوري".
وفي السياق نفسه، أكد النائب محمد كبارة ان "لبنان اليوم، بعد موقفه المشين في مجلس الأمن الدولي أضحى شريك النظام السوري في المسؤولية عن كل نقطة دم يسفكها وعن كل شهيد يسقط في المذابح التي يرتكبها بحق شعبه".
وقال: "غريب أمر هذه الحكومة التي قبلت أن تورط لبنان في هذا الموقف المشين أمام التاريخ، وتضعه في مواجهة موقف إنساني دولي متعاطف مع الشعب السوري الضحية". واضاف: "حتى روسيا، الدولة العظمى، لم تجرؤ على اتخاذ هذا الموقف وتركت لبنان كي يتحمل هو هذا العار. لن نقبل بعد اليوم بأن تمثلنا هذه الحكومة في المحافل الدولية، وأدعو الشعب اللبناني والقوى الاستقلالية إلى رفع مذكرة إلى الأمم المتحدة تبلغها بأن هذه الحكومة لا تمثل مواقف الشعب اللبناني، ولا أخلاقه".
في موازاة ذلك، وقبل خمسة ايام من انتهاء المهلة المعطاة للبنان لتنفيذ مذكرات التوقيف بحق المتهمين الاربعة من "حزب الله" في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، ذكرت تقارير في بيروت ان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ستتخذ دفعة اجراءات جديدة قبل نهاية اغسطس، نتيجة معطيات جديدة توفرت للمدعي العام الدولي دانيال بيلمار، كاشفة أن مدعي عام التمييز سعيد ميرزا اجرى اخيراً اتصالات بعدد من المعنيين اللبنانيين في ضوء توفر المعطيات الجديدة.
وبحسب هذه المعلومات، التي اوردتها صحيفة "اللواء"، فإنه يتوقع اعلان لائحة جديدة بأسماء متهمين جدد متورطين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه مع اضاءات اضافية على التحقيق في الجريمة، مشيرة الى ان الاجراءات الجديدة ستلقي اضواء على الجرائم الاخرى، "وقد تبين وجود ارتباط بين جريمة الرئيس الحريري وهذه الجرائم لاسيما محاولتي اغتيال الياس المر ومروان حمادة، وسط معلومات غير أكيدة عن التوصل الى وجود ارتباط بين اغتيال الوزير بيار الجميل وجريمة الرئيس الحريري".