جريدة الجرائد

الصحافة الفرنسية: محاكمة مبارك بعيون فرنسية..والطريق الصعبة للتحولات السورية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خلفيات ودلالات محاكمة مبارك، والمخاوف الأوروبية من تداعيات المأزق المالي الإيطالي، وتضاعف الثمن الإنساني للربيع السوري، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.

محاكمة مبارك

استقطبت محاكمة الرئيس المصري المخلوع اهتمام معظم كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو تحت عنوان "مبارك: حدود محاكمة" قال الكاتب بيير روسلين "إن الفرعون المصري ليس صدام، ولا بن علي، حيث لم يسقطه تدخل خارجي، (ولم يلجأ للخارج)، ولذا فهو أول ديكتاتور في بلده يواجه المحاكمة أمام شعبه". أما الأهداف السياسية الكامنة خلف هذه المحاكمة فيعتقد روسلين أن المجلس العسكري الحاكم في القاهرة أراد من ورائها الاستجابة لمطالب الرأي العام دون التنازل عن شيء من سلطات المجلس، ودون الاستجابة أيضاً لبعض التطلعات الإصلاحية للمعارضة. ومع هذا فإن مبارك لا يحاكم اليوم بسبب حكمه لبلده ثلاثة عقود متواصلة وإنما تنصب التهم الموجهة إليه على ما يشتبه في أنها قضايا فساد، إضافة إلى انتهاكات ارتكبت خلال أسابيع القمع الثلاثة التي استغرقتها عملية إسقاط نظامه خلال شهري يناير وفبراير الماضيين. واليوم عندما يتم تقديم رأس الديكتاتور السابق إرضاء للجمهور الحانق فهذا يحقق أيضاً هدفاً سياسيّاً آخر هو محاولة تعليق كل ما جرى من مخالفات وانتهاكات في السنوات الماضية على مشجب عائلة مبارك وحدها، على نحو قد يصرف الأنظار عن الدور المتنفذ التقليدي للجيش في الشأن العام وفي الحياة السياسية منذ ستة عقود. وفي افتتاحية ثانية كتبها "جان- بول بييرو" لصحيفة "لومانيتيه" تحت عنوان "محكمة أم مسرح خيال ظل؟" ركز على مشهد افتتاح المحاكمة نفسه، وظهور الزعيم السابق على نحو يدعو للشفقة أكثر من الحنق، وقد ألزمه المرض السرير وبدت تكاليف الحياة وعلامات الشيخوخة المتقدمة ظاهرة على وجهه داخل قفص الاتهام. ومع أن في ظهور الرئيس السابق بتلك الطريقة الاستعراضية في المحكمة إرضاء للجماهير الغاضبة التي قادت ثورة ميدان التحرير وأسقطت النظام في 11 فبراير، إلا أن الانطباع العام الذي يمكن استخلاصه أيضاً، يقول الكاتب، هو أن السلطات بإظهارها أمام الملأ لمدى هشاشة صحة "الريّس" السابق ربما أرادت إقناع الرأي العام بأن وضعه لا يستطيع تحمل حضور جلسات محاكمة كثيرة، وخاصة أن المسار القضائي فصل على مقاس مسؤوليته الخاصة، وليس على مقاس نسق سياسي عام يشغل العسكر فيه حجر الزاوية هو ما كان يحكم مصر خلال العقود الماضية. ومع هذا فإن التهم الموجهة إلى "المتهم" تبدو ثقيلة، على كل حال، لأنها تتعلق أولاً بمقتل أكثر من 800 شخص خلال أطوار الثورة، إضافة إلى ممارسات فساد وتبديد وإخفاء أموال في مناطق مختلفة وسرية. ولاشك أن استكمال تتبع ملفات الفساد الأخرى الكثيرة التي لا تقتصر على أسرة مبارك وحدها ستكون خطوة إيجابية، وفي الاتجاه الصحيح، لضمان تحقق الحد الأدنى من مطالب الشباب من جهة، ولوضع اللبنات المؤسسة لنظام مستدام من الشفافية والديمقراطية والحكم الرشيد. وإلا فإن ما جرى في مصر حتى الآن سيكون "ثورة ناقصة" أو حتى "ثورة مصادرة". وعلى العموم، يقول "بييرو" فقد رأينا التاريخ يصنع أمام ناظرينا. ولكن ليس هذا كل شيء، فعندما يتم طرد الشباب المحتجين من ميدان التحرير، ليحتله بسرعة "الإخوان المسلمون"، يكون من حق المعارضة التقدمية أن تقرع أجراس الإنذار لأن الخطر قد أحدق بالثورة. وأخيراً عنون الكاتب نيكولا ديموران افتتاحية صحيفة ليبراسيون بعبارة "ثأر" مشيراً منذ العنوان إلى ما اعتبره محاولة إذلال من البداية للرئيس المتهم من خلال الطريقة الاستعراضية التي قدم بها، وهذا ما يخشى إن وقع التمادي فيه أكثر مستقبلاً أن يؤدي إلى وضع غير مناسب تخلي العدالة فيه مكانها لنقيضها: الثأر! إذا بدلاً من إظهار مبارك وابنيه بتلك الطريقة المهينة، ألم يكن من الأفضل القطع بتاتاً مع ذلك النوع من الممارسات، وفتح صفحة جديدة تضرب موعداً مختلفاً وتؤسس لممارسات عهد جديد من الديمقراطية المصرية، والربيع العربي بصفة عامة.

المأزق الإيطالي

تساءلت صحيفة لوموند في عنوان افتتاحية خصصتها للحالة المالية الإيطالية الراهنة: "مشكلة إيطاليا... هل هي برلسكوني؟"، قالت فيها إن كثيرين لطالما اعتبروا، في أوقات ومناسبات سابقة عديدة، أن برلسكوني بات جثة سياسية منتهية الصلاحية، ولكنه ظل يثبت في كل مرة، طيلة العشرين سنة الماضية، قدرته على البقاء والاستمرار رقماً صعباً ضمن معادلات المشهد السياسي في بلاده. ولكنه اليوم يواجه مأزقاً مختلفاً تماماً عن كل ما واجهه من مآزق ودوامات سياسية في السابق، فقد مرت عليه الآن ستة أشهر متواصلة وهو يحاول تجنيب بلاده الوقوع بين براثن الأزمة المالية الأوروبية العاصفة، ولكن الأسابيع الثلاثة الأخيرة أثبتت أن جهوده أخفقت وأن الأزمة قد أنشبت أظفارها في اقتصاد إيطاليا ذات المنظومة الاقتصادية المترنحة والدَّين العام القياسي. وبعد إيرلندا واليونان والبرتغال وإسبانيا جاء اليوم دور إيطاليا لتصبح هي الحلقة الأضعف الجديدة ضمن دوائر الأزمة المالية الأوروبية الُمحكمة، مثيرة بذلك تشنج ومخاوف الأسواق المالية العالمية. والآن في الوقت الذي يكافح وينافح فيه برلسكوني محاولاً إقناع المشرعين في بلاده، والشركاء في العالم، بأن اقتصاد إيطاليا يقوم على قواعد صلبة لا يخشى معها أي انهيار أو انكسار، إلا أنه يتقدم للقيام بهذه المهمة وهو في واحدة من أضعف حالاته السياسية، حيث مني بهزائم قاسية في الانتخابات البلدية منتصف شهر مايو الماضي، وكذلك في ثلاثة استفتاءات تشريعية في منتصف شهر يونيو، كما أنه يقف على رأس تحالف حزبي مترنح وحكومة منقسمة على نفسها، ولذا فإنه لا يبدو في وضع يخوله إقناع أو إلهام الشركاء الماليين الأجانب المتخوفين من تداعيات أزمة الديون الإيطالية. وفي المجمل فإن ما يبدو الآن على رأس أولوياته هو الاستمرار في منصبه حتى موعد نهاية ولايته الحالية في سنة 2013. وأما تجنيب أوروبا كارثة أخرى فهذا لا يبدو أنه هو أول مشاغله، والأسوأ أنه يتجاهل حقيقة أن الأسواق العالمية قد لا تتعامل مع توجهاته غير المقنعة بذات الصبر الذي يستقبلها به الإيطاليون. وفي سياق متصل نشرت لوموند أيضاً مقالاً آخر تحت عنوان "لننشئ على نحو استعجالي الولايات المتحدة الأوروبية"، ذهب كاتباه إلى أن الاتحاد الأوروبي يواجه الآن فعلاً لحظة الحقيقة، بحكم تكاثف الأزمات المالية العاصفة، والتجاذب المستمر في التوجهات والسياسات، بما ينذر إن لم تتخذ خطوات توحيدية استباقية أن تضيع مكاسب الخمسين سنة الماضية، لتعود أوروبا إلى حالة الدول الوطنية، المختلفة، والمتصارعة، بما يعني، استطراداً، فشل المشروع الأوروبي.

حرب النظام السوري الشاملة

غلبت التغطيات الخبرية على التحليلات السياسية في تعامل الصحافة الفرنسية مع ما يجري في سوريا. وتحت العنوان أعلاه نشرت صحيفة ليبراسيون "اليسارية" تغطية قالت فيها إن ما يجري الآن في المدن السورية يرقى إلى مصاف الحرب الحقيقية، التي تهاجم فيها الدبابات، والمدفعية، وقناصة النخبة، و"الشبيحة"، والمليشيات المارقة، السكان العزل على نطاق واسع، وقد بلغ التصعيد يوم الأحد الماضي حدوداً خطيرة، حيث قتل ما لا يقل عن 100 شخص في مدينة حماة، بحسب الرابطة السورية لحقوق الإنسان. كما قتل قرابة 20 آخرين في دير الزور شرق البلاد، إصابات معظمهم في الرأس والصدر، وهنالك قتلى آخرون في مدن مختلفة، إذ تقارب الحصيلة العامة لذلك اليوم وحده 140 قتيلاً. وفي لوفيغارو رصد أيضاً مقال للكاتب جورج مالبرينو ما اعتبر أنه مسعى ملحوظ الآن من رجال الأعمال السوريين لأخذ مسافة من النظام، مدللاً على ذلك باعتذار بعض الشخصيات الاقتصادية المهمة، التي يعتمد عليها النظام عادة، يوم 3 أغسطس الجاري، عن قبول عضوية مجلس إدارة "الشام القابضة" وذلك بحسب ما أفاد رجل صناعة سوري تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه "لعدم رغبتهم في الظهور تحت عباءة النظام". وفي ذات الوقت ابتعد أيضاً قرابة اثني عشر من أثرى أثرياء المغتربين السوريين عن النظام، بل إن بعضهم فضل، على العكس، تمويل المعارضة، التي ما زالت تبحث عن كيفية تنظم بها صفوفها. وفي الخليج هنالك أيضاً حراك لبعض المغتربين السوريين الذين يسعون لتنظيم جلسات عصف ذهني حول خريطة الطريق الصعبة إلى سوريا الغد.

إعداد: حسن ولد المختار

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف