جريدة الجرائد

الحوار الفلسطيني.. إلى متى سيراوح مكانه؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عدنان أبو هليل

ليس على حماس أن تطاوع فتح في كل ما تريد من عناوين وتوقيتات ومقتضيات


حوارات القاهرة بين فتح وحماس تمخضت حتى الآن عن تأجيل قضايا تشكيل الحكومة وإصلاح أجهزة الأمن ومرجعية وإصلاح المنظمة هذه القضايا الأساسية والأهم تم تأجيلها بعد ان لم يتم تحقيق اختراق فيها، أما القضايا التفصيلية والإجرائية فقد تم الاتفاق حولها أو حول وضع آليات لحسمها؛ كمسائل إصدار الجوازات والاعتقال السياسي والمؤسسات الأهلية التي تم إغلاقها بعد الانقسام وقضية حظر سفر قادة فتح والسلطة إلى غزة ومع ذلك فقد جاءت الصيغ اللغوية والإعلامية التي عبر بها المتحاورون عن اتفاقهم حولها إما معلقة على التنفيذ التدريجي أو تقبل الاستثناء أو لا يسهل تقييمها والبناء عليها.. السؤال: لم تم تأجيل القضايا التي هي الجوهر الإجمالي لمضمون المصالحة وهي المعيار الحقيقي لنجاحها ما دامت النيات طيبة؟ وما العبرة في الوقت الموعود لإعادة مناقشتها - بعد شهر أو أكثر أو أقل -؟ أم أنها غير قابلة للحل وعند ذلك فلماذا أعلن الاتفاق حولها قبل ثلاثة أشهر وتحديدا يوم 4 / 5 / 2011؟ وما الذي يضمن أن لا تؤجل هذه القضايا الأساسية والجوهرية مرة أخرى؟ وما قيمة كل التفاصيل وكل النقاشات وكل الاتفاقات التي تراوح الحوارات في مدارها؟
واضح أن حوارات القاهرة بما نجم عنها حتى الآن وبالنظر لما لا تزال تمارسه سلطة فتح في الضفة ضد أنصار حماس في مختلف المحافظات.. ذلك - من وجهة نظري - يعبر عن شيء واحد هو عدم وجود إرادة حقيقية ومخلصة لدى فتح لتحقيق المصالحة.. وأحدد فتح لأنها هي التي بيدها وبيد سلطتها معظم (أقول: معظم وليس كل) الملفات العالقة! وهي التي قررت الحضور بعد أن ألغت آخر لقاء كان مزمعا بين السيد مشعل ومحمود عباس يوم الثلاثاء 21 / 6 الماضي.. ذلك يجعل من المنطقي التساؤل عن سبب قبولها الحوار الآن! وعن سبب تقديمها بعض التنازلات - الهامشية والإجرائية - الآن؟
وأقول: إن منظمة فتح والسلطة تتحرك اليوم في إطار أربع أزمات تتخوف من أن تجعلها في مهب غضب العدو من ناحية وفي مواجهة غضب الشعب الفلسطيني وأن تستثمر حماس كل ذلك بالأخص إذا ترافق مع تبرمات وربما تمردات داخل فتح بناء على تلك الأزمات.. فتح تحاول معالجة هذه الأزمات الأربع بتنصيب قضية (إعلامية) تستقطب الاهتمام الفتحوي والشعبي وتلتف على الرأي العام وفي ذات الوقت لا تخرج عن رؤيتها وخياراتها وإمكاناتها.. وهنا بالضبط ووفق هذه الضرورة - الفتحوية بل العباسية الخالصة - تأتي الحوارات في القاهرة اليوم وتأتي التنازلات.. الأزمات الأربع هي: أزمة على مستوى داخل فتح ولجنتها المركزية فيما يتعلق بقضية طرد دحلان وفضحه ومحاكمته وطلبه عبر الإنتربول وما تبع ذلك أو سبقه من تراشقات إعلامية واصطفافات جغرافية ودحلان ليس نبت نفسه ولكنه من ورائه معادلات أمنية وتنظيمية، وله حلفاء وأنصار يمكن أن يتحركوا في لحظة ما تحسب حسابها قيادة فتح المتنفذة.. الأزمة الثانية: ملف المصالحة الذي لا تستطيع فتح التقدم فيه وفي الوقت نفسه لا تستطيع نفض يدها منه، ولقد صار في حكم المؤكد أن عباس إنما أقدم على المصالحة من قبيل رفع الحرج وعلى توقع أن ترفضها حماس وجريا مع طريقته في تقطيع الزمن وتصريف الإدارة من خلال الدخول في مغامرات سياسية تصير معالجتها مع الوقت والتفعيل ذات العمل السياسي والدبلوماسي ورصيدا كاريزميا له.. الأزمة الثالثة: توقف عملية التسوية بعد هجرها البندقية إلى الشموع وانتقالها من الخنادق إلى الفنادق ومنافستها على أكبر رغيف خبز.. توقف التسوية يعني فقدان المشروع السياسي وفقدان المسوغ المنطقي لاستمداد الشرعية الوطنية وفقدان أحقية امتلاك " قوة الإكراه " كأحد أهم مظاهر السلطة المميزة لها على بقية الفصائل والاتجاهات.. فتح تتخوف أن ما ستفقده من شرعية هنا سيذهب مباشرة إلى رصيد حماس.. الأزمة الرابعة: تتعلق بنية فتح والسلطة الذهاب إلى الأمم المتحدة في سبتمبر القادم وهي تخشى أن يكون منطلقا لانتفاضة ثالثة تكون هذه المرة عليها وعلى المحتل الذي باتت في خندقه أو في أسره - سيان..
فتح - لذلك- ترى مصلحتها في حوارات تكون أقرب إلى العلاقات العامة ترمم بها شرعيتها الوطنية من ناحية، وتناور بها على الرأي العام من ناحية ثانية، وتفتح بها أفقا للتفاهم مع حماس من ناحية ثالثة ولتسحبها من موقع أقصى الخلافات في حال انطلقت الانتفاضة الثالثة..
ليس المقصود هنا أن تمتنع حماس عن الحوار ولا أن تترك منظمة فتح تتخبط (وتتلبط) في أزماتها التي قد تتجاوزها لتعصف بأكثر من معادلة استقرار، ولا المقصود أن تستغل حماس الحالة وتقايض بها ملفات أخرى - وإن كان ذلك مفهوما في السياسة والعمل الدبلوماسي - لأن حماس دعوة ودين ومبدأ قبل أن تكون حزبا أو اتجاها أو منافسا.. ولكن المقصود أن لا تكون طوع قبول أو رفض فتح، وأن لا تتصرف تحت ضغط إثبات أو نفي شيء ما يتعلق بأخلاقها ووطنيتها وأنها حريصة على المصالحة والوحدة الوطنية، والمقصود أيضا أن تصرّف الحوار إلى مناقشة الأمور الجوهرية وحسمها حتى لو اتهمت بالقسوة في استثمار فرصها.. فهي في كل الأحوال لا تريد إلا مصلحة الشعب الفلسطيني وإلا المقاومة وإلا تعديل انحرافات الآخرين وتهتكاتهم وإلا إخراج المركب الفلسطيني من بحر العدو ومدى استبداده..
المصالحة يجب إنجازها عاجلا كونها أرضية أي برنامج عمل وطني وهنا تضيق هوامش الوقت على الجميع إذا كنا نتكلم عن احتمالات تفجر الأوضاع بعد شهر أو شهرين، فلا بد أن تتغير عناوين الحوارات وتزميناتها ولا بد من مغادرة مربع التفاصيل والتأجيل الذي تحاول فتح التقوقع والارتكاس فيه لاعتباراتها الخاصة وخضوعا للسقوف والخيارات المنخفضة التي ارتضتها، ولا بد من الانتقال عاجلا إلى التباحث حول الإستراتيجيات الكبيرة لتكوين جبهة مقاومة شاملة تجمع كل إمكانات فتح وحماس والفصائل في الجهتين ؛ تجمع سلمية فتح وعلاقاتها الرسمية وجمهورها وحلفاءها بعسكرية حماس وتسلحها وجمهورها وحلفائها وبعديها العربي والإسلامي.. كل ذلك يجب أن يسبق أحداثا متوقعة لا ترحم..
آخر القول: حركة فتح قبلت بالحوار أو باستئنافه ضمن حدود ومساحة خياراتها السياسية وظروفها وأزماتها.. ووفق نفس المعيار يمكن أن تعطله كما حدث مرات؛ وليس على حماس أن تطاوعها في كل ما تريد وبالقدر الذي تريد من عناوين وتوقيتات ومقتضيات..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف