من سكان الشوارع والحارات: نحن معكم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جيهان أبو زيد
في قلب المطار تتربع صورة الرئيس بجوارها صورة الرئيس الوالد الراحل "حافظ الأسد". إنه نفس المشهد في مطار المغرب وفي مطار الأردن، غير أن الفارق الوحيد أن نظام الحكم في سوريا جمهوري رئاسي وليس نظاما ملكيا كما هو الحال في الدولتين الأخريين. وفي دول ذات نظام حكم جمهوري ظل السؤال العالق والمكتوم في أغلب الأحوال كورم يستعصي على الإزالة: لماذا نورث؟
كتم الشعب السوري غضبه ورفضه لإهانة التوريث أحد عشر عاما منذ ورثه الرئيس الابن بعد فترة حكم طويلة للرئيس السابق حافظ الأسد الذي انتخب رئيسا عام 1971 وجدد فترة رئاسته أربع دورات، مدة كل منها سبع سنوات ليحسم القدر الموقف بوفاته عام 2000، ويخلفه ابنه "بشار الأسد" ويترأس سوريا ثم يحصل على ولايته الثانية عام 2007 سائرا على درب والده.
لم تغضب الطبقة الوسطى السورية ذات المصالح المتقاطعة مع النظام، حصل بشار القادم برداء حديث وصوت أقل تسلطا من والده ومظهر حديث دعمه بزوجة بريطانية الثقافة والتنشئة على دعم الطبقة الوسطى المتطلعة للاستقرار وإلى تحديث الاقتصاد السوري وتجميل وجه سوريا من دون تغيير مكلف غالي الثمن.
كذلك لم تنتبه الطبقة الفقيرة الكادحة، فهم خاسرون في كل الأحوال يحصلون على الفتات كالعادة، ويذكرون حين يرغب النظام في تلميع وجهه، وفي حصد مكاسب جديدة، بينما كانت الطبقة العليا المكونة من أهل النظام ومن أهل المال تدرك أن الابن لن يعرقل مصالحهم، بل ربما يحصلون على المزيد استفادة من حداثته، لكن المعارضة السورية في الخارج والقليل الذي بقي بالداخل استقبلوا وراثة الابن بتوجس وقراءة رمادية لمستقبل سوريا ثقة منهم في عمق تغلل التسلط ومدى سطوة الأمن السوري متمدد القوى، ليقتل بعضهم ويختفي البعض وينفى المحظوظون منهم ليبقوا أحياء شهودا على انتفاضة الشعب السوري الذي تأخرت ثورته.
لكنها خرجت قوية عنيدة مثابرة وصامدة في وجه آلة عسكرية نسيت شأن العدو الخارجي وتجرأت على توجيه المدافع وتسيير الدبابات في الشوارع والأزقة السورية مغتالة المواطنين ذكورا وإناثا، كبارا وأطفالا، وإن لم تستطع أن تغتال الغضب من الشارع السوري.
يقع الجيش السوري في المرتبة الثانية عربيا من حيث حجمه فهو التالي للجيش المصري ويقع في المرتبة السادسة عشرة بين جيوش العالم. هذا الجيش الذي يسكن قمته الرئيس كما كان هو الحال في مصر، تلقى العداد والتدريب لتهديد العدو الخارجي وذلك الذي يحتل قطعة من أرض سوريا على الحدود، لكنه وبينما السياسة حجبت عنه الحرب فها هو يفتل شاربه ويشهر قوته في وجه أبنائه وآبائه وأهله.
لقد سقط في سوريا ووفق تقرير بثته منظمة العمل السياسي الدولية المعروفة بمنظمة Avaaz وخلال 135 يوما، 1634 شهيدا بينهم 121 طفلا، بينما اختفى 2918 مفقودا، بمعنى أن هناك شخصا يختفي كل ساعة. كما بلغ عدد المعتقلين منذ بداية الثورة 12.617.
انفتحت نيران الجيش على شعب أراد احترام كرامته، فمن درعا انطلقت الشرارة الأولى عقب إلقاء القبض على طبيبة وزميلة لها تبادلت معها التهنئة فور رحيل الرئيس المصري السابق "حسني مبارك". جهاز اليمن اليقظ في مراقبة مكالمات العباد لم يتأخر في الحفاظ على أمن سوريا، وألقى القبض فورا على الفتاتين، وخرجتا بعد جهود ووساطات مضنية ولكن مهانتين حليقتي الرؤوس! مما أثار حفيظة أسرهما، فانطلق أطفال الأسرتين يكتبون على جدران الشوارع: "الشعب يريد إسقاط النظام".
ساعات قليلة واعتقل الأطفال وعذبوا رغم تدخل وجهاء القبائل للإفراج عنهم، ولم يزد هذا الرجاء قوات الأمن إلا صلفا وغرورا واشتباكا مع المتظاهرين تسبب في وفاة أربعة أشخاص، ليفتح الباب لحمامات الدم السورية والأسلحة المطلقة على صدور المواطنين.
الجيش السوري الذي هو الجهاز النظامي الرسمي للدفاع عن البلاد وعلى خلاف المصري والتونسي واليمني استباح حياة أبناء وطنه، فهو الجيش الوحيد من بين جيوش الدول التي شهدت ثورات أو ما زالت تشهد الذي أطلق نيرانه على مواطنيه. ألا يحق للسوريين إذن أن يثوروا بحثا عن دولة مؤسسات؟ ألا تستحق سوريا التاريخ والعراقة دولة فعلية لا دولة قائمة لحماية نظام وليس حماية شعب؟ سوريا المتنوعة حضاريا وطائفيا وتضم إلى جانب المسلمين السنة سوريين من سائر الطوائف الإسلامية خصوصًا الشيعة والعلوية والدروز والإسماعيلية، كما يشغل المسيحيون عشر السكان في سوريا.
ألا تستحق سوريا مساندة شعبية منا تدعم أهلها، تبلغهم أننا نتمنى لهم السلامة والنصر، نتمنى لهم الكرامة والحرية، كما نتمناها لكل البشر؟ ألا يستحقون أن نبعث لهم بالأمل، أن نبعث لهم ببعض العزيمة؟
إذا كانت للحكومات حسابات أخرى فالتجربة العربية الوليدة أثبتت أن للشعوب لغة تواصل مختلفة لا تكترث لحسابات الغرف المغلقة ولا لنتائج مباحثات الوفود، فالتاريخ واللغة والحروب والأديان والجغرافيا التي جمعت بين تلك الشعوب أقوى أثرا وأعمق فعلا من حسابات أثبتت فشلها في أغلب الأحوال. لأن الشعوب دائما ما كانت بعيدة عنها، فلم تباركها ولم تدم عروش أصحابها.