جريدة الجرائد

الصحافة الفرنسية: تردد الغرب يضعف الربيع السوري...

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الصحافة الفرنسية: تردد الغرب يضعف الربيع السوري... وتصعيد غزة لتصدير الاحتقان الإسرائيلي

باريس


تأخر العواصم الغربية في الاستجابة لاستحقاقات الحالة السورية، والتصعيد الأخير بين إسرائيل وغزة ومصر، ودروس أعمال الشغب البريطانية، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.

مآل الربيع السوري

انتقدت صحيفة لوموند تباطؤ العواصم الغربية في الاستجابة لاستحقاقات ما يجري في سوريا، حيث بدا وكأنه لابد من مرور خمسة أشهر صاخبة من القمع والعنف ضد المحتجين السلميين لكي تصل العواصم الغربية الكبرى إلى مستوى من الاستجابة يرقى إلى حد مطالبة النظام السوري بالرحيل، على نحو ما طالب بذلك أوباما، يوم الخميس الماضي، حين أكد أن الأسد لم يعد يتمتع بأية شرعية، ليتلوه في ذات المطلب كل من ساركوزي وكاميرون وميركل. وطيلة الأشهر الماضية كان كل شيء معروفاً تقريباً حيث تعرض المحتجون السلميون للقمع والعنف، ولم تقصر المعارضة السورية ولا النشطاء الميدانيون في تسريب مشاهد تلك الممارسات ليراها العالم أجمع، وفي مقدمته الدول الغربية الديمقراطية، التي عقد ألسنة قادتها وعقل أيديهم التردد، حيث تأخروا كثيراً -وكثيراً جداً- قبل أن يقطعوا على مضض خطوة على طريق المطالبة بتغيير النظام. وهنا، تقول لوموند، كانت ازدواجية المعايير واضحة وجلية في التعامل مع الحالتين الليبية والسورية، ففي الأولى كان أسبوعان من جرائم القذافي كافيين لتعبئة المجتمع الدولي لدعم المحتجين هناك واستصدار ما يكفي من قرارات الشرعية الدولية التي تنص على حماية المدنيين من جرائم نظام القذافي وإعلان فقدانه الكامل لأية شرعية في الحكم والمطالبة بسقوطه، أما في الحالة السورية فلم يقع شيء من ذلك طيلة الأشهر الخمسة الماضية. ومع هذا، تقول الصحيفة، علينا أيضاً أن نكون واضحين، فالمعارضة السورية لم تطالب علناً بتدخل عسكري خارجي، بل إن هذا الخيار بالذات لا يبدو مطروحاً بشكل جدي على الطاولة، ولكن كان على الأمم المتحدة أن تثير على الأقل موضوع "حق حماية" المدنيين، وأن تمضي قدماً في التهديد بإحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، لضرورة ذلك لوقف شلال الدم. ومع هذا فإن أسباب التباطؤ الدبلوماسي الغربي معروفة بالقدر الكافي، إذ يعلم الجميع أن هامش تحرك الأمم المتحدة في هذا الملف يواجه عرقلة بل شللاً بسبب الموقف الروسي، الذي يضع في اعتباره حسابات جيوبوليتيكية تجعله رافضاً لأي تحرك دولي ضد دمشق. وكذلك هنالك تردد دول الجنوب البازغة -الهند-البرازيل- جنوب إفريقيا- التي تفضل الاقتناع بإمكانية التعويل على وعود الإصلاح التي يطلقها النظام السوري. أما دول المنطقة نفسها فلم تؤد وساطاتها ومناشداتها إلى أية نتيجة ملموسة على الأرض. وبالمحصلة عادت الكرة إلى مرمى الدول الغربية، مرة أخرى، باعتبارها الأطراف الوحيدة القادرة على دعم فرص نجاح الربيع السوري، وهو ما يقتضي منها اجتراح مواقف أكثر صراحة وأكثر فاعلية.

التصعيد الإسرائيلي

ضمن تغطيتها للمواجهات الأخيرة بين إسرائيل ونشطاء فلسطينيين، وكذلك التصعيد المرشح للتفاقم بينها وبين "حماس"، وبينها وبين مصر أيضاً، نقلت صحيفة لوفيغارو عن متحدث باسم "حماس" قوله إن الهدنة مع الجانب الإسرائيلي قد انتهت من الناحية العملية، بعد الغارات المحمومة التي شنها الطيران الإسرائيلي يوم الخميس الماضي ضد قطاع غزة، واضعاً بذلك نهاية لحالة تهدئة بين الجانبين استمرت منذ العدوان الإسرائيلي الماضي على القطاع في بداية عام 2009. ومنذ الهجوم الذي تعرض له الجيش الإسرائيلي في "إيلات" يوم الخميس الماضي على أيدي أطراف مجهولة، دخلت المنطقة حلقة جديدة من الفعل ورد الفعل ما زالت مفتوحة على أكثر من نهاية ممكنة. وفي هذا السياق أيضاً اهتمت الصحيفة بشكل خاص بردود الفعل القوية الصادرة من القاهرة على خلفية مقتل جنود مصريين، في تلك الأحداث، وهو ما دفع مصر إلى اتخاذ قرار بدعوة سفيرها في إسرائيل احتجاجاً على هذا الحادث مطالبة باعتذار إسرائيلي رسمي عما وقع، ونقلت لوفيغارو عن رئيس وزراء مصر قوله، تعليقاً على هذا الحادث: "إن الدم المصري أغلى بكثير من أن تتم إراقته هكذا دون توضيح"، مستطرداً: "إن ثورتنا المظفرة إنما قامت من أجل أن يستعيد المصري كرامته في الداخل والخارج، وما كان ممكن القبول في مصر ما قبل الثورة لم يعد كذلك في مصر ما بعد الثورة". واعتبرت الصحيفة أن الإسرائيليين يشعرون بقلق بالغ تجاه الموقف المصري، وخاصة أن هذه هي ثاني مرة تقرر فيها القاهرة دعوة سفيرها من تل أبيب، حيث لم يسبق لها أن فعلت ذلك سوى في سنة 2000 احتجاجاً على القمع الإسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية الثانية. وفي سياق متصل خصصت صحيفة ليبراسيون افتتاحيتها يوم أمس للاحتجاجات الأخيرة التي عرفها الشارع الإسرائيلي تأثراً بموجة الثورات العربية حيث نزل عشرات الآلاف إلى شوارع المدن منددين بفشل حكومة نتنياهو في الاستجابة لتطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية. وأشارت الصحيفة بطرف خفي إلى أن اليمين الإسرائيلي الحاكم في تل أبيب قد يوغل في التصعيد الآن ضد الفلسطينيين وغيرهم من الأطراف الإقليمية لاكتساب هامش مناورة وطنية بهدف تصدير مشكلاته ليوحد بافتعال مواجهة صفوف الإسرائيليين لشغلهم عن مزيد من التأثر بتداعيات موجة التحولات العربية. وذكَّرت ليبراسيون بأن الحكومات الإسرائيلية لطالما تحججت أمام جمهور سكانها بأن "الحالة" و"الصراع" و"تعثر السلام"، وسوى ذلك من دعاوى وذرائع هي سبب عدم التمكن من تلبية بعض المطالب الاقتصادية والاجتماعية للجمهور العريض. ولكن كل تلك الذرائع والدعاوى سقطت اليوم ضمن ما سقط في مهب رياح تغيير الربيع الجديد. وفي الأخير تمنت الصحيفة اليسارية الفرنسية ألا يؤدي افتعال صراع مع غزة، أو حتى تجاذب وتصعيد في سياق إقليمي، إلى لفت الأنظار عن الانتفاضة الشعبية الإسرائيلية ضد نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.

درس الشغب الإنجليزي

ضمن ملف خصصته لتداعيات ودلالات أعمال الشغب والعنف الأخيرة التي عرفتها بريطانيا، نشرت لوموند تحليلاً بعنوان: "الشغب: أزمة من نوع جديد" قالت فيه إن أكثر ما دل عليه عنف المدن البريطانية خلال الأسبوع الماضي هو أن المملكة المتحدة تطوي اليوم عمليّاً مرحلة الازدهار الاقتصادي التي ميزت العهد العمالي السابق وخاصة في فترة حكم توني بلير المديدة، لتستعيد مجدداً أجواء التعثر الاقتصادي وما يترتب عليه من احتقان اجتماعي وهو ما يجعل رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون في مواجهة واقع صعب شبيه بذلك الذي واجهته محازبته رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر في بداية فترة حكمها. بل إن بلير نفسه واجه هو أيضاً أوضاعاً مشابهة، وإن في سياق مختلف، حيث عرفت بريطانيا تظاهرات واحتجاجات واسعة سنة 2001 ولكنها اقتصرت حينها على مدن الشمال الإنجليزي الفقيرة، كما أن جمهور المحتجين يومها كان مؤلفاً في الأساس من فئة الشبان ذوي الأصول الآسيوية. واعتبرت لوموند أن الاحتقان الإنجليزي الراهن يستند إلى "كوكتيل" منوع ومعقد من الأسباب، يشمل ضغوط سياسات التقشف ومرارات الضائقة الاقتصادية، والثقة المتآكلة أصلاً بين شرائح واسعة من الشباب وأجهزة إنفاذ القانون. وفي الأخير توقفت الصحيفة عند دلالة تكرار كاميرون منذ مجيئه للحكم أن المجتمع "مريض"، ودعوته الإصلاحية شبه الطوباوية إلى تقويم اعوجاجات هذا المجتمع، وإقامة "مجتمع كبير" بديل لا تتولى فيه الدولة وحدها بالمهمة البيروقراطية لحل المشكلات، وإنما يساهم الإنسان العادي في ذلك. ومع اتساع أفق هذا الحلم، يبقى أن نعرف كيف يمكن أن يبزغ هذا المجتمع المثالي الحالم من ركام ورماد أعمال الشغب الأخيرة!

إعداد: حسن ولد المختار

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف