جريدة الجرائد

لندن.. ما أشجاك أشجانا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

فرحان العقيل

هندسة الفوضى تحل في ديار الإنجليز فلا عجب أن يخرج ثلة من الشباب في مناحي بريطانيا العظمى وهي البلاد التي لم تكن تغيب عنها الشمس ليعبروا ولو بالعنف عن سخطهم من سلسلة نظم اجتماعية واقتصادية وربما سياسية فقد مست مشاهد التطرف الشبابي البريطاني صلب المؤسسة السياسية هناك وكثر الكلام حول سبل إدارة البلاد وسياساتها الداخلية والخارجية وفعالية تلك السبل مع مفاهيم العصر ومستجداته وخاصة الجوانب الاستهلاكية حيث توسعت الهوة بشكل كبير بين طبقات المجتمع وأصبح التصنيف سهلاً بين الغني والفقير دونما أن تلتفت السلطات بشكلها اللا مركزي هناك إلى حجم التغذية الأخلاقية للمجتمع وتراجعها أمام المد الإعلامي والتقني وسطوة الثورة الإلكترونية التي أنجبت جيلاً عنيفاً وفقيراً في بعضه بسبب مؤثرات اقتصادية وأخرى ربما كتلك التي تصنف الناس في الشوارع حسب أعراقهم وألوانهم لذلك سقط " مارك دوغان " برصاص الشرطة الإنجليزية واندلعت الشرارة الأولى في أكثر من مدينة لتدخل بريطانيا بعظمتها التاريخية متاهة حرب في شوارعها ضد أحداث عزل غالبا لا يحملون سوى شعورهم بالفقر وواقعاً تغذيه ثقافة العنف والتمييز والبطالة, ما يحدث في بريطانيا صورة متكررة ربما شوهدت في الكثير من دول العالم فلم تسلم حتى كبرى المدن العالمية وأرقاها تمدناً من مثل تلك الفوضى المحكومة بهندسة خاصة يحسن بعض المحللين تسميتها بـ " هندسة الفوضى " وفقا لسيكيولوجيا النفس البشرية التي تحكمها دوافع ومقاييس متفاوتة للتعاطي مع الشعور السلبي للرضا فهذه الأحداث وإن تنوعت أسبابها ودوافعها المحركة وحجم وطريقة التعبير فهي نتاج معادلات قيمية نفسية وأخرى عامة يمكن التنبؤ بها وقياسها حتى لم تسلم منها أمة مهما بلغت درجة تحضرها, فشرقنا العربي كان نصيبه وافرا من مثل هذه الاحتجاجات وخاصة هذا العام فليس هناك بأحد أفضل من الآخر في هذا العالم: " فما أشجاك أشجانا " فالكل موجوع بثقل همه ومشاكله وهي في النهاية حالة تعبيرية متفاوتة الأبعاد والتغذية, والعجيب أن بعض دول شرقنا أخذت الفرصة في أحداث لندن " للهزو " من بريطانيا تحديداً والغرب عموماً عارضة أجندات لسبل المعالجة وطرح الحلول لاستعادة الاستقرار والأمن هناك بيد أن الانفعالات الإنسانية وتفاوتها معروفة ومتراكمة منذ أن حطت قدم أبونا آدم على الأرض وفي الهند تحديداً حسبما يرى المؤرخون, فالاختلاف من صيغ البنية العامة للإنسانية وهو قديم وموروث وتختلف صور التعبير عنه حسب الثقافة وميول المجتمع فالعرب قالت مثلا: " قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق " لذلك هناك من يستعد للموت دون رزقه أو قوته تماماً كما حدث في لندن حينما أشار أحد المراهقين المشتركين في الأحداث في مقابلة تليفزيونية لقناة سكاي إلى أن الحرمان الشديد كان الدافع للبحث عن الحاجة أو حتى الأساسيات , فأحدهم قد سلب حفاظات لطفله فيما يشير معظم المتحدثين في الإعلام حول تلك الأحداث إلى غياب العدالة الاجتماعية في المجتمع البريطاني وتلك مع الأسف حالة عالمية عامة الآن تواجهها معظم شعوب العالم بينما قد يبدو العتب على لندن أكثر باعتبارها حاضنة للحريات والتعبير عن الرأي وداعمة لحقوق الإنسان بل ويشن ساستها أحيانا والمنظمات الحقوقية فيها حروبا كلامية على حكومات ودول تبرز فيها بعض ملامح التطرف الاجتماعي أو غياب العدالة والحرية , وهنا يمكن فهم هزو بعضنا في الشرق دولا وأفرادا من الأحداث في لندن بيد أن الشماتة ليست من محاسن القيم والأخلاق بل كما قيل " طل في جيبك ترى عيبك " لذلك فالعالم من أقصاه إلى أقصاه مدعو إلى حملة وعي وترميم لثقافة العدالة ونبذ التمييز بين أفراد كل مجتمع فلا يصنف أحد حسب لونه أو عرقه أو معتقده فالاختلاف سنة إنسانية لا يمكن إلغاء الآخر بسببها أو تهميشه أو تعنيفه بل يجب أن تكون العدالة مشروعاً عالمياً للتلاقي والتعاون, كما يوجه الكثير من اللوم هنا بشدة للمنظمات الحقوقية في العالم فهي تجامل غالباً دول على أخرى وتكثف تقاريرها عن دول وتسكت عن أخرى في صورة من التسييس والانحيازية الواضحة بينما الهموم والمشاكل في كل مكان ولا يجب السكوت عنها أو الاكتفاء بدور المتابع دون أن يكون لتلك المنظمات جهود استباقية تمنع مثل تلك الأحداث.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف